صحيفة البعثمحليات

العدل تدرس تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية “على نار هادئة”.

دمشق- ريم ربيع

يحظى التزام مبدأ فصل السلطات عن بعضها البعض بحصة غنية من النقاش مع كل قانون يطرح للتعديل، فرغم التشديد والتأكيد المتواصل على استقلالية كل سلطة عن الأخرى، إلا أننا مازلنا نشهد تداخلاً في المهام في عدة مجالات، ولعل واحدة من الجهات الإشكالية في هذا المجال هي النيابة العامة، وما يرافقها من تداخل في التوصيف والمهام بين السلطتين التنفيذية والقضائية، فهي، قانوناً، تمثّل المجتمع في الدعاوى، وتقوم بدور المدعي العام، وفيما عرفها الدستور كسلطة قضائية، نجد في قانون أصول المحاكمات الجزائية أنها تتبع لوزير العدل “كسلطة تنفيذية”، ما أثار حفيظة عدد من الحقوقيين باعتبار مهامها باتت متداخلة وتعرقل مبدأ فصل السلطات.

مستقلة

ووفقاً لمعاون وزير العدل القاضي نزار صدقني فإن النيابة العامة من حيث المبدأ لا تتبع للسلطة التنفيذية مطلقاً، وهي سلطة قضائية، كما أن الدستور نص بشكل واضح على أن النيابة العامة مؤسسة قضائية واحدة، يرأسها وزير العدل، وينظم القانون اختصاصها ووظيفتها، مضيفاً بأنها ذات استقلالية، ولأعضائها ضمانات القضاة، كما يجب أن يكون قاضي النيابة كما غيره من القضاة من حيث العدل والنزاهة والالتزام بأحكام القانون في تمثيل المجتمع، أما أن تكون رئاسة النيابة تتبع لوزير العدل فهذا أمر دستوري، وللوزير الرئاسة الإدارية للنيابة العامة، فهو بموجب قانون السلطة القضائية نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى، وبموجب الدستور هو رئيس النيابة.

ويؤكد صدقني أن التزام مبدأ فصل السلطات لا ينفي التعاون والتقارب فيما بينها، فرغم رئاسة وزير العدل للنيابة، إلا أنه خلال العمل القضائي يبقى قاضي النيابة حراً ومستقلاً بقراراته وإجراءاته، وهو مسؤول عن عمله، ولا توجيه مطلقاً له إلا بأمر خطي من النائب العام، وفي كثير من الأحيان تطلب النيابات براءة المتهم، وهي تحفظ الضبوط، وتستأنف لمصلحة المدعى عليه، أي أنها خصم عادل في تمثيلها للمجتمع.

رقابة محدودة

وحول خضوع قضاة الصلح والتحقيق لرقابة النائب العام في أعمالهم، ومدى تأثير هذا الأمر على استقلالية قرارهم، أوضح صدقني أن الرقابة تقتصر على الوقت الذي يقومون خلاله بأعمالهم كضابطة عدلية فقط، ففي تاريخ صدور قانون أصول المحاكمات الجزائية، لم تكن وسائل الاتصال بهذه القوة كما الآن، وفي المناطق البعيدة التي لا توجد فيها نيابات عامة أو تشكيل قضائي، يقوم قاضي الصلح بدور قاضي التحقيق، ودور النيابة العامة، ويقوم بأعمال الضبط العدلي والجرم المشهود، ويكون تحت الرقابة بهذه الحالة فقط، وبخلاف ذلك لا رقابة عليه، مشدداً أنه بمجرد الانتهاء من أعمال الضبط والانتقال إلى عمل المحكمة، لا رقابة للنائب العام على القاضي، من جهة أخرى يرى حقوقيون أن اعتبار النيابة العامة جزءاً من تشكيل محكمة النقض ومحاكم الجنايات والاستئناف، هو خلط في دور النيابة، فهي وفق القانون تمثّل المجتمع، وتقوم بدور المدعي العام، ووجودها في تشكيلة المحكمة يجعل منها خصماً وحكماً في آن واحد، وهنا يبيّن صدقني أن النيابة رغم وجودها في التشكيلة، غير أنها لا تشارك أثناء المداولة أو إصدار الحكم، والمقصود بعدم اكتمال التشكيل دونها أن غيابها يجعل ممثّل المجتمع غائباً، فلا يجوز أن تتم المحكمة دونه.

انون نموذجي

وفي حين يعود تاريخ قانون أصول المحاكمات الجزائية إلى عام 1950 دون ورود أي تعديل يذكر عليه حتى الآن، يشير صدقني إلى أن المطالبة بتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية موجودة، ووزارة العدل تنظر في ذلك، إلا أنه لا يمكن أن يتم التعديل على عجل، فهو “قانون ضمانات المتهم”، ولا يمكن اقتطاع مواد محدودة وتعديلها فقط، وتعمل الوزارة على تشكيل لجنة لتعديل القانون، لكن هناك تروياً في العمل لتشكيل لجنة جيدة قادرة على إصدار قانون نموذجي، معتبراً أن قانون أصول المحاكمات السوري كان متطوراً بالنسبة لتاريخ صدوره، لكن هذا لا ينفي حاجته للتغييرات ومواكبة التطور، ولكن ليس في جوهره، فالتغيير يجب أن يراعي وسائل الاتصال الحديثة، ويعيد تحديد مفهوم الجرم المشهود، وتطوير ضمانات المتهم، والقدرة على مواجهة الأدلة الجديدة، القانون الحالي أعطى صلاحيات استثنائية للنيابة العامة في حالة الجرم المشهود اعتبرها البعض تعدياً على عمل قاضي التحقيق في المنطقة، وهنا لم ير صدقني أي تعارض بين النيابة العامة وقاضي التحقيق، فكلاهما مسؤول عن أعمال الضبط العدلي، والنائب العام هو رئيس الضابطة العدلية في عدليته ومحافظته، فهو يرأس قضاة التحقيق في أعمال الضبط العدلي، موضحاً أنه إذا كان الجرم المشهود جنائي الوصف ينتقل النائب العام إلى مكان الجرم، ويعلم قاضي التحقيق، وعند حضوره يتابع تحقيقاته، وتصبح صلاحياته تتجاوز النائب العام بأن له إصدار مذكرات التوقيف في الدعاوى الجنائية، وأوامر الضبط، وأوامر التحري والتفتيش، ومراقبة الاتصالات الهاتفية.

تقديري

ومتابعة لقرار وزارة العدل في 2018 بمراجعة وتدقيق كافة إذاعات البحث القديمة، يشير صدقني إلى أن العمل انتهى إلى حد كبير من كل الإذاعات المتراكمة، حيث تم كف البحث عن القسم الأكبر منها، وبقيت إذاعات البحث التي تتطلب استمرار العمل بها، أما حول إخلاء السبيل، وما يتردد عن أخطاء إما حول التسرع أو التأخر فيه، فيبيّن معاون وزير العدل أن إخلاء السبيل من عدمه هو أمر تقديري بحسب معطيات كل قضية، ويتعلق بمضمون كل دعوى على حدة، وعند ورود خطأ ما فإن وسائل ترميمه إما زيادة الخبرة القضائية أو المحاسبة عبر التفتيش القضائي.