دراساتصحيفة البعث

التاريخ يلقّن الولايات المتحدة درساً

عناية ناصر

منذ أن تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه، اشتدت المنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة بشكل خطير، ويثور الجدل حول ما إذا كان الجانبان سينزلقان إلى “فخ ثوسيديدس”.. كيفية تجنب حرب باردة جديدة ومصيدة “ثوسيديدس” لمنع المواجهة العسكرية هي مسألة جديرة بالاهتمام، ولتجنب الاشتباكات العسكرية، من الضروري عدم ارتكاب زلات استراتيجية.

قبل سبعين عاماً، انخرطت الصين والولايات المتحدة في الحرب الكورية 1950-1953، ولم يكن ذلك نتيجة إرادة أي من الجانبين، لكن المأساة مازالت قائمة، كان اللوم على سوء التقدير الاستراتيجي للولايات المتحدة، فقد فشلت الولايات المتحدة في فهم رسالة الجانب الصيني بأن الأخير لن يقف مكتوف الأيدي إذا تجاوز الجيش الأمريكي خط العرض 38، كما أنها قللت من أهمية تصميم الصين على حماية أمنها القومي. نتيجة لذلك، عانت كل من الصين والولايات المتحدة بشدة من هذه الحرب، وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة حينها، عمر برادلي: “إن استراتيجية الولايات المتحدة في مد الحرب الكورية إلى الصين ستشركنا في حرب خاطئة، وفي المكان الخطأ، وفي الوقت الخطأ، ومع العدو الخطأ”.

وعلى الرغم من مرور ما يقرب من 70 عاماً، إلا أن هذا الصراع لايزال يمثّل اختباراً للذاكرة التاريخية التي كثيراً ما يتم الرجوع إليها لتجنب الاشتباكات العسكرية المستقبلية.
كانت الحرب غير متكافئة، وكانت هناك فجوة تكنولوجية هائلة بين الجيش الصيني والقوات الأمريكية، ومع ذلك، جعل الصراع الولايات المتحدة تدرك أن خوض حرب مع دولة كبيرة مثل الصين سيكلفها غالياً، لهذا السبب حاولت الولايات المتحدة جاهدة تجنب أية اشتباكات عسكرية مع الصين خلال حرب فيتنام.

علاوة على ذلك، تعزّزت قوة الصين الآن بشكل كبير بعد سبعة عقود، كما أصبحت التناقضات الهيكلية بين الصين والولايات المتحدة بارزة أكثر من أي وقت مضى، ولن يتغيّر وضع المنافسة الاستراتيجية بين البلدين في وقت قصير، على الرغم من وجود مخاطر الاشتباكات العسكرية في مختلف المجالات، مثل تايوان وجزر دياويو وبحر الصين الجنوبي، وهذا يجعل الاتصالات والمفاوضات ذات أهمية خاصة بين الجانبين.
قد تكمن ثلاثة أسباب وراء صراع عسكري محتمل بين الطرفين:

أولاً: يمكن أن تشتد المواجهات المسلحة بين الطرفين من أجل الحفاظ على التفوق العسكري الأمريكي وتعزيزه في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث ستستمر الولايات المتحدة في ممارسة الضغط على الصين، وستواصل محاولة تقييدها لأنها تعتبر القوة العسكرية المتنامية للصين تهديداً، ولحماية مصالحها الخارجية المتزايدة، يجب أن تتوسع القوة العسكرية للصين وفقاً لذلك، وهذا قد يزيد من احتمالات المواجهة العسكرية بين الجانبين.

ثانياً: هل يمكن أن تحدث أزمة عسكرية حقيقية؟ قد يؤدي الضغط العسكري شديد التوتر الذي تفرضه الولايات المتحدة على الصين إلى اندلاع معركة، ومنذ أن تولى ترامب منصبه، كثفت الولايات المتحدة بالفعل من عملياتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي، لاسيما من خلال عمليات الاستطلاع، كذلك يزيد تصعيد التحركات الأمريكية الخطيرة في المياه من خطر اندلاع مناوشات.

ثالثاً: تلجأ الولايات المتحدة إلى الوسائل العسكرية لدعم حلفائها وعوامل أخرى، من وجهة نظر تاريخية، غالباً ما تخوض القوى الكبرى حرباً بسبب عوامل خارجية، كانت الحرب البيلوبونيسية، (431-405 قبل الميلاد) بين أثينا واسبارطة، مثالاً مبكراً، لذلك من الملح للغاية أن يعمل الجانبان على منع حدوث اشتباكات عسكرية.

في السنوات الأخيرة، تحدثت الصين والولايات المتحدة عدة مرات عن تعزيز السيطرة على الاختلافات والأزمات الاستراتيجية وإدارتها، وهذا يعني منع أي نزاع عسكري على الإطلاق، وحتى إذا كان الاثنان لا يريدان خوض الحرب، فإن هذا لا يعني بالضرورة عدم وجود خطر وقوع قتال فعلي، عرضياً.

تدعو الصين إلى التنمية السلمية، وتلتزم بالسياسات الدفاعية، وقد مارست ضبط النفس في النزاعات الإقليمية مع الدول الأخرى، وربما يكون هذا أكثر من أي شيء آخر قد قلل إلى حد كبير من إمكانية المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة، لذلك، يعتمد وقوع الحرب بشكل أساسي على الولايات المتحدة، فمن المعروف أن الولايات المتحدة تقوم باستمرار بحسابات استراتيجية خاطئة، كما في حالة الحرب الكورية وحرب العراق، وللتعامل مع منافس ثقيل الوزن مثل الصين، يجب على الولايات المتحدة أن تولي اهتماماً خاصاً، وتتجنب الأخطاء الاستراتيجية بأي ثمن.

في ظل الوضع الحالي، لن تكسب الولايات المتحدة أية ميزة إضافية إذا ذهبت إلى الحرب مع الصين، ومثل هذه الخطوة القاتلة ستوجه ضربة حاسمة للهيمنة الأمريكية، وبالفعل لقد أدرك الاستراتيجيون الأمريكيون العقلاء أن الوجود السلمي والمنافسة مع الصين أكثر ملاءمة لمصالح الولايات المتحدة، لقد علّم التاريخ الولايات المتحدة درساً، الحسابات الاستراتيجية الخاطئة مع الصين ستجعل الولايات المتحدة تدفع ثمناً باهظاً، ومن الواضح أنها لا تستطيع تحمّله.