تحقيقاتصحيفة البعث

عودة خجولة للأعمال السريرية في كلية طب الأسنان.. ومحاولات للتخفيف من مخاطر كورونا!

ترك وباء كورونا تأثيره السلبي على كل مفاصل حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية، وخلَّف وراءه آثاراً مدمرة على العالم بأسره، ومن الطبيعي أن تتأثر بعض قطاعات المجتمع أكثر من غيرها نتيجة الوباء، وقد يكون قطاع التعليم الأكثر تضرراً بسبب توقف العملية التعليمية لفترة زمنية امتدت على مدار فصل دراسيٍ كامل، وفي بعض الدول ربما لاتزال مستمرة، وإذا أردنا تحديد المراحل الأكثر تضرراً في العملية التعليمية، ربما ستكون الحصة الأكبر من نصيب طلاب الجامعات العلمية التي يشكّل الجانب العملي فيها القسم الأكبر، كما هو الحال في كليات طب الأسنان التي أوقفت الأعمال السريرية فيها حرصاً على صحة الطلاب، وبسبب حساسية عملهم، وعدم القدرة على تحقيق الشرط الأهم للوقاية من الوباء المتعلق بالتباعد الاجتماعي، وهنا برزت معاناة إضافية للطلاب تتمثّل بعدم تمكنهم من الحصول على الخبرة العملية المكتسبة من تلك الأعمال لتزيد من الضغط عليهم، أما اليوم، ومع عودة الأعمال السريرية في كليات طب الأسنان، يحاول الطلاب بالتعاون مع إدارة كليتهم تخطي العقبات، وتجاوز الصعوبات، والعمل ضمن ظروف صعبة حتى لا يُحرموا من الجانب العملي في دراستهم.

عودة العمل السريري
عميد كلية طب الأسنان في جامعة دمشق الأستاذ الدكتور أسامة الجبّان بيّن آلية وظروف عودة العمل قائلاً: مع بدء انتشار وباء كورونا في سورية، ونتيجة التواصل مع الجامعات المحيطة والعالمية، وحرصاً على سلامة الطلاب والكادر التدريسي والإداري، تم رفع كتاب لوزارة التعليم العالي لضرورة إيقاف الأعمال السريرية خلال الفصل الثاني من العام الدراسي 2019-2020، هذا طبعاً في المرحلة السابقة في الشهر السابع والثامن، ثم بعد ذلك تم إجراء الامتحانات والاستعاضة عن الأعمال السريرية بالأعمال المخبرية خلال الفصل الماضي، ولكن مع عودة الدوام في الفصل الحالي وبداية العام الدراسي 2020-2021، تم الاتفاق ضمن قرار مجلس الكلية، ومن ثم رفع القرار إلى مجلس الجامعة الذي وافق عليه لإعادة الأعمال السريرية، مؤكداً على أنهم كانوا سبّاقين في بعض الاقتراحات التي تتعلق بعودة العمل السريري بشكل متدرج حفاظاً على صحة الطلاب، بدءاً من الدراسات العليا، ثم المرحلة الجامعية الأولى، حيث تم العمل على الحالات التي لا تحوي رذاذاً كالتعويضات المتحركة، ثم الانتقال لاحقاً إلى حالات الرذاذ مع اتخاذ كافة الاحتياطات المطلوبة “طب الأطفال أو عيادة التعويضات الثابتة”، بحيث تم تخفيض الأعمال، وتحقيق التباعد قدر الإمكان، وزيادة التشعيب بين الفئات وتباعد الفئات، وهذا ما تطبقه كل الجامعات سواء المحيطة بنا أو العالمية التي قامت بتخفيض الأعمال بنسبة 50%، وهذا ما قمنا به أيضاً، مضيفاً أن ما نأمله اليوم مع قرب انتهاء الفصل الدراسي الأول أن يكون الفصل القادم أفضل، خاصة مع عدم تسجيل أية إصابة في الكلية، محاولين قدر الإمكان القيام بالتباعد والالتزام بالإجراءات، لذلك ما نطمح إليه في الفصل القادم أن نعود بكامل طاقتنا لنصل إلى مئة بالمئة، إضافة إلى أن الكلية ستعمل لتعويض ما فات الطلاب من خلال تكثيف العمل، خاصة للطلاب في مرحلة التخرج، فهناك خطة عمل مع مكتب ممارسة المهنة تتمثّل بإجراءات تدريبية للأطباء الخريجين لزيادة إمكانيتهم العلمية، مضيفاً أن هناك تجاوباً والتزاماً كاملاً من قبل الطلاب تعكسه النتيجة التي وصلنا إليها مع عدم تسجيل أية حالة، على الرغم من وجود أعداد كبيرة وضغط في الكلية، وهذه نتيجة متابعة والتزام من قبل كل الأطراف، بما فيها شركة التعقيم التي تقوم بعملها المطلوب منها بشكل يومي تقريباً.

متابعة والتزام

الأستاذ الدكتور عمار مشلح، أستاذ طب الفم في كلية طب الأسنان جامعة دمشق، أوضح أن توقف العمل السريري في الفترة السابقة في كليات طب الأسنان جاء بناء على توصيات الفريق الحكومي، واليوم، مع عودة العمل السريري، كان هناك استعداد في الكلية، وتشديد في الإجراءات: “فحص حرارة وتعقيم وارتداء كمامة وتباعد”، إضافة إلى تقسيم الفئات إلى زمر منعاً للاكتظاظ سواء في النظري أو العملي، هذا بشكل عام، وانتقالاً إلى الجانب العملي اتخذت إجراءات أكثر صرامة، لأنه كما هو معروف لدى الجميع الفيروس يتواجد في الرذاذ المتناثر، خاصة في عمل أطباء الأسنان الذي له طبيعة خاصة، مع صفر مسافة بين المريض والطبيب، أضف إلى ذلك ونتيجة توليد الرذاذ يصبح عامل الخطورة أكبر مع بقاء الفيروس فترة من الوقت، لذلك يتم التشدد بارتداء الكمامة الجراحية مع واقي الوجه لتحقيق العزل والحماية الضروريين لأنهما الطريق الوحيد الآمن للعمل السريري، ويوضح الدكتور مشلح أن العمل السريري موجود في السنتين الرابعة والخامسة والدراسات العليا، لذلك سُمح بداية للدراسات العليا بالعودة للعمل السريري، ولاحقاً سُمح لطلاب المرحلة الجامعية الأولى، وعملت إدارة الكلية على تطبيق كل ما يلزم حفاظاً على سلامة الطلاب والمرضى وبالتالي المجتمع لكسر حلقة العدوى، مضيفاً: موضوع الاهتمام والعناية والالتزام بالوقاية ليس بالأمر الجديد في عملنا، والسبب وجود طيف واسع من الأمراض التي تنتقل عن طريق الدم، إضافة إلى طيف آخر عن طريق اللعاب والهواء، لكن فيروس كورونا دق ناقوس الخطر وهزَّ المهنة، علماً أن المنظمات العالمية والنقابية والوزارات المعنية كالصحة وغيرها عملت على التصدي قدر المستطاع لهذا المرض، واليوم لاتزال نسب الانتشار تحت السيطرة، مع العلم أننا باستمرار نؤكد على طلابنا أن يتعاملوا مع كل المرضى وكأنهم مرضى حاملون للأمراض، ويتابع مشلح: لا شك أن الوضع قبل كورونا مختلف عما هو اليوم، فلم يكن هناك تقسيم للفئات أو تحديد لأعداد المرضى كما هو الحال اليوم، خاصة مع تخفيف الأعداد لتحقيق الشروط المطلوبة، مختتماً حديثه بأنهم في فترة سابقة وعبر التعليم الالكتروني قدموا العديد من المحاضرات لتعويض النقص الحاصل قدر المستطاع في محاولة لردم الهوة التي أحدثها إيقاف العمل السريري.

معاناة في البحث عن مرضى!
في حديثهم لـ “البعث”، أعرب عدد من الطلاب عن ارتياحهم لعودة العمل السريري في الكلية، وتقديرهم للجهود التي تبذلها إدارة الكلية لجهة تطبيق إجراءات الوقاية، من دون إغفال الحديث عن المعاناة المستمرة في تأمين المرضى بسبب تردد الأهالي في إرسال أطفالهم للمعالجة خوفاً من الوباء، وكما هو معلوم مادة الأطفال أساسية في الكلية، والانخفاض كبير بالأعداد من مختلف الأعمار، ما سيحرمهم من اكتساب الخبرة العملية التي هي الفرصة الوحيدة للتعلّم بشكل صحيح تحت إشراف الأساتذة، وبالنسبة لطلاب السنة الخامسة حُرموا في الفصل السابق من السنة الماضية من العمل السريري، والوضع لم يكن بأحسن حال هذا الفصل، ما يعني ضياع فرص تعليم لا يمكن تعويضها بسهولة، مضيفين: قبل كورونا كانت أعداد المرضى يومياً تتجاوز 1000 لتصل اليوم إلى أقل من 200، لذلك يقوم عدد من الطلاب وهو الأوفر حظاً بارتياد عيادات خارجية لأقربائهم أو معارفهم ليتمكنوا من التعويض ولو بشكل خجول.
ضغوط كبيرة يعاني منها طلاب طب الأسنان، تبدأ بالتكاليف المادية الكبيرة، والصعوبات في تأمين المرضى لاكتساب الخبرة العملية، وصولاً إلى العقبات الكبيرة بعد التخرج التي يأتي في مقدمتها تأمين العيادة، وغيرها من المستلزمات، خاصة مع الارتفاع الجنوني في الأسعار، فهل من حلول؟!.

لينا عدرة