مجلة البعث الأسبوعية

“إسرائيل 2021”.. نحو المزيد من التفجر الداخلي والتصعيد والتطرف في الخارج!!

” البعث الأسبوعية ” محمد نادر العمري

استقبل الكيان الإسرائيلي عام 2021 محملاً ومثقلاً بالتحديات والأزمات الداخلية التي تراكمت وتعمقت خلال 2020، حتى وصلت لمرحلة التفجر في بعض الجوانب، نتيجة استمرار تبني سياسةالهروب إلى الأمام، والسعي لتوظيف منجزات وثمار التطبيع لإحداث انفراجة عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية وصحية، وترتيب البيت الداخلي عقب فوضى جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية، والتي عادت بهذا الكيان لأزمة السبعينيات الاقتصادية والاجتماعية، تزامناً مع حالة التأزم والاستعصاء السياسي الذي تشهده الحكومات الإسرائيلية من حيث هشاشة الائتلافات وعدم ديمومة الحكومات، وذلك بعد أن هيمن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على مفاصل الحكم، حيث يواجه صراع البقاء على كرسي الرئاسة في ظل ملفات الفساد، وتنامي رقعة التظاهرات اليومية للمستوطنيين الرافضين لبقائه، محملينه مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية، وحصول شبه إجماع داخلي من قبل نخب اليمين على ضرورة إبعاد نتنياهو من الحكم.

ومع ضبابية المشهد السياسي الداخلي، تعيش “إسرائيل” حالة من الغموض بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وتترقب نهج وسياسة إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن تجاه حكومة نتنياهو والملفات الحساسة والتي يتصدرها الاتفاق النووي الإيراني، والصراع شرق المتوسط.

 

أولاً: أزمة الحكم والقيادة

تشهد “إسرائيل” وللعام الثاني على التوالي أزمة سياسية تتمثل في عدم ديمومة الحكومات الائتلافية، وتتجه إلى انتخابات رابعة خلال 2021، حيث يراهن سياسيون ومستوطنون على حسم الصندوق الانتخابي لتغييب نتنياهو عن المشهد السياسي، وسط تشرذمات بالخارطة الحزبية وانشقاق بحزب الليكود يقوده عضو الكنيست جدعون ساعر، ويرافق ذلك انقسامات داخل معسكري اليمين والمركز، مع غياب شبه تام لمعسكر اليسار الصهيوني.

ووسط حالة التشرذم والانشقاق، تظهر استطلاعات الرأي تراجع قوة كتلة نتنياهو التي يمكن أن تؤدي لتشكيل الحكومة المقبلة، مع تعزيز الكتلة المعارضة لتولي نتنياهو رئاسة الوزراء مستقبلاً، لكن دون حسم هوية رئيس الوزراء البديل، والذي سيكون بحاجة إلى “دعم نواب القائمة العربية المشتركة!!”، الأمر الذي يزيد من تعقيدات المشهد السياسي ويبقي على ضبابية مشهد التحالفات بين الأحزاب اليهودية، وقد يقود نحو تحالفات هشة سواء لصالح نتنياهو أو ضده، الأمر الذي يفتح الأبواب عل مصراعيها نحو انتخابات خامسة وسادسة وسابعة.

 

ثانياً: محاكمة نتنياهو

قبيل بدء الحسم الانتخابي، هناك ترقب داخلي لبدء محاكمة نتنياهو، الذي يلقب بـ “ملك إسرائيل”، في شباط 2021، والتي ستبدأ أولى جلساتها في 3 ملفات فساد تشمل الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، على أن تجرى المداولات من خلال 3 جلسات أسبوعياً، ويلزم نتنياهو بحضور جلسات الطعون ومرحلة الإثباتات شخصياً.

وبعد 4 سنوات من تكراره عبارة “لن يكون هناك أي شيء بالإشارة إلى ملفات الفساد، لأنه لا يوجد شيء”، سيمثل نتنياهو أمام هيئة القضاة في المحكمة المركزية بالقدس المحتلة، وذلك بعد أن فشل عقب انتخابات الكنيست الـ 23، في آذار 2020، في تمرير القانون الذي يحظر التحقيق مع رئيس الوزراء أو محاكمته خلال فترة ولايته، رغم سطوته على السلطة القضائية التي يتطلع منافسوه السياسيون للحصول عليها في الانتخابات القادة لضمان محاكمته وإقصائه عن المشهد السياسي بالكامل.

 

ثالثاً: جائحة كورونا

في مرحلة سابقة نجح نتنياهو في توظيف جائحة كورونا سياسياً، حيث فكك تحالف حزب الجنرالات “أزرق أبيض” بعد انتخابات آذار، وشكل مع وزير الحرب بيني غانتس ائتلاف حكومة طوارئ لمواجهة الجائحة وتداعياتها الصحية والاقتصادية، لكن دون أن يتمكن من تحصين الائتلاف الحكومي الذي حظي بدعم 73 من أعضاء الكنيست.

وتدخل “إسرائيل” عام 2021 وسط تراجع في النمو الاقتصادي، ونحو 800 ألف عاطل عن العمل، و850 ألف عائلة تعيش تحت خط الفقر، و656 ألفا أخرى تعاني من فقدان الأمن الغذائي، وتراهن على التبادل التجاري مع أبو ظبي لتشجيع اقتصادها؛ ومن المتوقع أن يبلغ حجم الصادرات التجارية الإسرائيلية إلى الإمارات 600 مليون دولار خلال عام 2021، عدا الصادرات الأمنية والعسكرية التي يتم التكتم عليها مع مشيخات وممالك الخليج والدول المطبعة.

ولتعزيز حظوظه لحسم الانتخابات الرابعة وإدارة أزمة ملفات الفساد بالبقاء رئيساً للوزراء، يسعى نتنياهو، إلى جانب المبادرات الاقتصادية وجذب الاستثمارات من دول الخليج المطبعة، إلى إشهار الورقة الصحية بتوفير لقاح “فايزر” ضد فيروس كورونا، والذي سيعطى للإسرائيليين خلال النصف الأول من هذا العام، وتشير التقديرات إلى أن ذلك سيسهم بنمو الاقتصاد بحوالي 5%.

 

رابعاً: اتفاق “أبراهام” والنووي الإيراني

تنظر المؤسسة الإسرائيلية إلى اتفاق “أبراهام” والتطبيع على أنه إنجاز سياسي ذو أهمية تاريخية لمكانة وتفوق الكيان الإسرائيلي الإقليمية، حيث تشير تقديرات مركز بيغن – السادات للدراسات الإستراتيجية، في جامعة بار إيلان، إلى أن “الأساس المنطقي لبناء جبهة معادية لإيران يلزم إسرائيل القيام بعمل عسكري لحلفائها حتى في الحالات التي لا يوجد فيها تهديد وجودي للدولة اليهودية”. لذلك تتطلب التقييمات الجديدة بالشرق الأوسط من الحكومة إعداد الجمهور الإسرائيلي لأفكار والتزامات لم تعترف بها في الماضي، كمشاركة عسكرية إقليمية تفي من خلالها بالدور الذي كانت تقوم به الولايات المتحدة نيابة عن تل أبيب.

ومع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، ورغم فتور علاقته بنتنياهو، يقترح مركز بيغن السادات على تل أبيب بذل قصارى جهدها لإبطاء فك ارتباط واشنطن بالمنطقة، وإعادة حضورها إلى الشرق الأوسط، لأن الشراكة الأميركية الإسرائيلية القوية – وفقاً للمركز – أساس نجاح المحور الجديد الذي يتطور بالمنطقة قبالة أطراف محور المقاومة.

وهناك منظور آخر يدعو لاستخدام اللوبي الإسرائيلي وجماعات الضغط الحليفة لإسرائيل لممارسة الضغوط على إدارة بايدن لاستكمال توسيع دائرة الدول المنضمة لاتفاق ابراهام، وخاصة أن التوجه المحتمل لإدارة بايدن سيكون نحو الجنوب الشرقي من آسيا، وهذا يتطلب استمرار ضمان المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، والذي ستتولى إسرائيل والدول المطبعة ضمان تحقيقه. وحتى اليوم يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة أبدت دعمها لاتفاق أبراهام، وهو ما أعلنه وزير الخارجية انطوني بلينكن، دون أن يعلن استمرار ضغوط أميركا على دول جديدة.

 

خامساً: العلاقة مع أميركا والإدارة الجديدة

ووسط خلط الأوراق الذي تعيشه إسرائيل مع تبدل إدارة البيت الأبيض، وغياب الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب عن المشهد، تتطلع تل أبيب لفتح صفحة جديدة مع الرئيس الجديد بسبب الترسبات التي تركها نتنياهو خلال ولاية الرئيس باراك أوباما. وكان بايدن أدلى بتصريحات حول نية إدارته العودة إلى الاتفاق النووي، ورفع العقوبات المفروضة على إيران، وهو ما لا يصب في صالح تل أبيب التي ما زالت تجاهر بالرفض الكامل للعودة للاتفاق النووي، والتهديد بالتصدي لأي مشروع حول ذلك، في موقف مشابه تماما لما حصل قبل التوصل للاتفاق 2015.

 

سادساً: الحرب وتصدير أزمات

لطالما كانت الحروب والعمليات العسكرية المحددة الوسيلة لتصدير الأزمات الداخلية في إسرائيل أو لتحسين شروطها التفاوضية، ومع ترسخ العلاقة بين أطراف محور المقاومة، وعودة الجيش العربي السوري على كامل مساحة خط وقف إطلاق النار بالجولان المحتل، تظهر تحديات جديدة أمام إسرائيل في أية حرب قادمة.

ووفقاً لما يسمى “مركز أبحاث الأمن القومي” التابع لجامعة تل أبيب، فإن المواجهة المقبلة والمتوقعة خلال عام 2021 ستكون مختلفة عن سابقاتها، ويتوقع أن تشمل لبنان وسورية وحتى غرب العراق، رغم التقديرات التي تشير إلى عدم استعداد إسرائيل لاندلاع حرب شاملة. وسيضع عام 2021 الجيش الإسرائيلي أمام تحديات عسكرية غير تقليدية من خلال حرب متعددة المراحل سميت بـ “حرب الشمال”، ومواجهة عسكرية على عدة جبهات قريبة وبعيدة، بغرض إبطال خطر الصواريخ الدقيقة والقدرات الأساسية لأطراف المقاومة.

المنطلق النظري السائد يفرض مقاربة للتعامل حين التعرض لتحديات جمة ومتفجرة، قوامها الذهاب نحو التهدئة الداخلية والخارجية، غير إن النظام السياسي والعسكري والديني في الكيان الإسرائيلي قد يستغل هذه التحديات للذهاب نحو المزيد من التصعيد والتطرف.