دراساتصحيفة البعث

التعافي السريع للصين ومفتاح النمو العالمي

عناية ناصر

على عكس الاقتصادات الكبرى الأخرى، ينتعشُ اقتصاد الصين بتسارع، ويمكن أن يصبح ثلث النمو الاقتصادي العالمي في عام 2021.

في ضوء عمليات الإغلاق في الاقتصادات الكبرى، ووصول عدد الحالات التراكمية العالمية إلى نحو 100 مليون، فالمخاطر الدولية المرتبطة بالوباء والطلب الخارجي تظل قائمة، فقد أظهرت بالفعل أنواع مختلفة من الفيروس، التي تمّ تحديدها في المملكة المتحدة والبرازيل وجنوب إفريقيا والولايات المتحدة، أنها أكثر قابلية للانتقال، وتلوح في الأفق طفرات جديدة.

لقد حذّرت منظمة الصحة العالمية مؤخراً، من أن النصف الأول من عام 2021 قد يكون أكثر حسماً من عام 2020، على الأقل في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وحتى اليابان، والسؤال هو: هل سيسود انتعاش الصين وسط المشهد العالمي الرهيب؟.

في عام 2020، كانت الصين هي الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي تجنّب النمو الاقتصادي السلبي، وحتى وسط الوباء -أشد انكماشاً في التاريخ الحديث- تجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للصين وبنسبة 2.3 في المائة كل التوقعات. اعتمد الأداء على الدعم المالي والنقدي. في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في منتصف كانون الأول الماضي، أحاطت السلطات العليا علماً بالنجاح الاقتصادي، مع التأكيد على الحاجة إلى مزيد من تعزيز أسس الانتعاش. وعلى الرغم من أن الاستهلاك لا يزال مقيداً، إلا أن الانتعاش يتسارع، ومن المرجح أن يتمّ دعم الاستثمار من خلال مشاريع البنية التحتية التي تمولها الحكومة والأداء القوي في سوق العقارات.

في تشرين الثاني الماضي، كانت مؤشرات التصنيع والخدمات والتجارة والاستهلاك مشجّعة، حيث ارتفع النمو في الربع الرابع من العام الماضي إلى 6.5 في المائة على أساس سنوي مع عودة المستهلكين إلى مراكز التسوق والمطاعم ودور السينما. ووفقاً للمكتب الوطني للإحصاء، يشير كل من الإنتاج والطلب إلى أن الاقتصاد “يتعافى بشكل مطرد”، وهذا يشير إلى انتعاش شامل. نتيجة لذلك، ارتفع اليوان بقوة مقابل الدولار الأمريكي والعملات الرئيسية الأخرى، مما قد يعزّز عمليات الاندماج والاستحواذ للشركات الصينية. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يرتفع النمو الاقتصادي في الصين هذا العام إلى 8٪ أو أكثر، حيث سيؤدي هذا التعافي السريع إلى تقريب الاقتصاد الصيني من الناتج الاقتصادي الأمريكي، والذي قد يتجاوزه بحلول أواخر عام 2021.

اتخذت الصين خطوات سياسية حيوية، بما في ذلك تنفيذ قانون الاستثمار الأجنبي، لزيادة انفتاح اقتصادها. وعلى الرغم من التوترات الصينية الأمريكية، تواصل الشركات الأجنبية ضخ الأموال في الصين، وبالقيمة الحقيقيّة سجّل الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد في الصين رقماً قياسياً بلغ 144 مليار دولار في عام 2020.

في تشرين الثاني الماضي، وقعت الصين اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) مع الدول العشر الأعضاء في الآسيان، إضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، وهو ما سيسهل التجارة الإقليمية ويعزّز الانتعاش الاقتصادي في البلدان المشاركة والمنطقة.

على الرغم من حروب ترامب الجمركية، دفعت الزيادة المثيرة للإعجاب في الصادرات الصينية الفائض التجاري إلى مستوى قياسي في كانون الأول الفائت، مع ارتفاع الطلب على المنتجات الطبية وغيرها من المنتجات اللازمة لمكافحة الوباء، وخاصة المعدات الطبية وتكنولوجيا العمل من المنزل. وبسبب الاحتواء الفعّال للوباء، يمكن للمصانع الصينية الاستجابة للطلب العالمي في مثل هذه المنتجات، بينما تكافح دول أخرى وسط إجراءات الحجر الصحي والإغلاق.

لقد فشلت إجراءات إدارة ترامب السابقة في شطب الشركات الصينية من البورصات الأمريكية، وفي حظر الاستثمار الأمريكي في الشركات الصينية، وفشلت إضافة لذلك في وقف التكامل المالي الأعمق بين الاقتصادين الصيني والأمريكي. بينما في المقابل تسارع تكامل السوق المالية الصينية مع الأسواق المالية العالمية بعد أن فتحت الإصلاحات التنظيمية في الصين أسواقها للعديد من المؤسّسات المالية الأجنبية، بما في ذلك تلك الموجودة في الولايات المتحدة، وبالتالي، من المرجّح أن تزداد الملكية الأجنبية للأسهم والسندات الصينية الداخلية في عام 2021.

على الرغم من الحمائية المتزايدة والجغرافيا السياسية ووباء COVID-19 والركود الاقتصادي العالمي الحاد، استمرت الصين في سعيها للانفتاح، وكان لذلك آثار غير مباشرة إيجابية على الانتعاش الاقتصادي العالمي. ومع التركيز على تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي ودفع الإصلاحات الرئيسية، ستواصل الصين تعزيز تعافيها ومحاولة ضمان نمو متوازن وعالي الجودة، وهذا بدوره سيفيد الصين والعالم.

في الأسابيع المقبلة، يجب على إدارة بايدن أن تقرّر ما إذا كانت ستستمر في حروب ترامب التجارية أو تختار موقفاً أكثر توازناً. الأول من شأنه أن يضرّ الانتعاش العالمي، ولاسيما في آسيا، والعكس صحيح.

لقد توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الاقتصادات المتقدمة (OECD) في كانون الأول الماضي أن يصل الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى مستوى ما قبل الوباء بحلول نهاية عام 2021، ومن وجهة نظر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ستمثل الصين أكثر من ثلث التوسّع الاقتصادي العالمي.