ثقافةصحيفة البعث

“يا له من كتاب”.. رحلة مؤلف أسود نحو السعادة

رواية “يا له من كتاب” لمؤلفها جيسون موت هي رواية تمزج عناصر سرد القصص العادية بعضها ببعض، وما بدأ كأحدوثة صريحة نسبياً عن جولة عبر البلاد لمؤلف أسود البشرة يروّج لروايته، المعنونة أيضاً “يا له من كتاب”، سرعان ما تتحوّل إلى تأمل واسع حول أصدقاء خياليين، ومرض عقلي، وإدمان على الكحول، وحزن عميق جداً.

وبمجرد أن يخطر ببالك أنك تعرف إلى أين تسير القصة، تمسي الخطوط الفاصلة بين الواقع والخيال ضبابية، لأن الراوي المجهول غير جدير بالثقة، وغير محبوب أبداً، فعندما ظهر لأول مرة، كان عارياً ومطارداً، إذ كانت الساعة الثالثة صباحاً، حين كان هارباً من زوج غاضب لامرأة كان نائماً معها. وبعد بضع صفحات، عندما التجأ إلى داخل مصعد (وكان لا يزال عارياً)، التقى بامرأة مسنّة وتظاهر بالشفقة على صبي قُتل، دون أن يستفسر عما حدث له.       راوينا رجل أسود البشرة، يحاول يائساً أن ينسى لون بشرته، ولم يعترف في الرواية بسواد بشرته إلا مرة واحدة لصديقه الخيالي، وهو صبي ذو بشرة داكنة جداً سمّاه “الطفل”، ويبدو أنه يتبع الراوي أينما ذهب.

وربما تكون تفاصيل الجولة مربكة في الرواية، لكن تظهر في ثناياها رواية ثانية أكثر واقعية عن صبي لم يذكر اسمه أيضاً، ويلقبه المتنمرون باسم “سخام” بسبب بشرته الداكنة، وهو طفل أخرس وحيد لوالديه الرؤومين. كانت أولى سنين حياته مليئة بالتساؤل، فعلى الرغم من كون سواد البشرة حقيقة، نراه يتغيّر عندما يشهد موت فرد من العائلة، ويرى أن سواد بشرته، وتصرفه على سجيته، أمر مميت. وحتى عندما ينتقل “سخام” من مرحلة البراءة إلى مرحلة النضج المليئة بالندوب، وحتى عندما يقسو قلبه من بؤس الحياة، كل ما نريد فعله هو ضمّه واحتضانه بقوة.

يطغى شعور بالسكينة على قصة “سخام”، وهذا يتناقض بشكل مباشر مع الراوي الذي يحب قصّ القصة بالتفصيل. ولغة المؤلف جلفة وحازمة، وتخاطب القارئ مباشرة أحياناً، إذ يقول بعد بضعة فصول: “عذراً، لم أقدم نفسي، أنا مؤلف، واسمي هو (……)، ربما سمعت بي قبلاً، وربما لم تسمع، لكنك سمعت عن كتابي على الأرجح”. ويبدو أنه ظنّ أنه استحق الشعور بالفخر عن جدارة، فكل من يقابله يقول له “يا له من كتاب”، بالرغم من أنه لا يعرف عما يدور.

طوال الرواية، يحتار الراوي المجهول كيف يسرد قصته. ويقول له مدرّبه اللغوي جاك، ذو الشخصية الساحرة، وإن كان سطحياً، إن أكثر القصص نجاحاً هي تلك التي لا تحوي مأساة حقيقية، وقال له جاك “اكتب عن الحب، عن نهايات الحب ونهايات ديزني السعيدة، فلا معاناة، ولا قهر، ولا خوف. لا تكتب عن آلام الماضي، سواء كانت متخيلة أو موثقة، فلا خذلان، ولا موت، لا تقرب الموت أبداً، الحب فقط.. فالحب أمر قطعي، فإن لم يصرح به، فهو مفهوم ضمنياً”. لذلك يحاول المؤلف جعل قصته مقبولة وسهلة الفهم، حتى أنه أوجد امرأة، لأن الحب الرومانسي عنصر ضروري في أي نهاية من نهايات ديزني، لكن خطته باءت بالفشل.

ومع ذلك، فإن رواية “يا له من كتاب” هي قصة حب، حتى لو كانت عن حب أدى إلى حزن، فحسرة راوينا هي التي تجعله يرى العالم عبر “زجاج مكسور”، حتى إن القراء الذين توجّههم الحبكة قد يصيبهم الإحباط. لكن جمال الرواية يكمن في الصدوع التي تشوّه الحبكة، إذ أدّت محادثاته مع صديقه الخيالي “الطفل” إلى تقدير حياته ولون بشرته وكتابه. وفي النهاية، عندما يحاول الراوي أن يتصالح مع كل ذلك -الحقيقي منها والمتخيل- يدرك أن وجوده وكونه أسود يعيش في أمريكا هو رحلة حب.

“اضحك بقدر ما تريد، لكنني أظن أنها معجزة رائعة أن يتعلم المرء أن يحب نفسه في بلد يصمه بأنه طاعون ينهش الاقتصاد، وأنه ليس إلا سجيناً قيد الإعداد، وأن حياته قد تسلب منه في أي لحظة، وليس لديه أي حول أو قوة لمواجهة ذلك”.

إعداد: علاء العطار