دراساتصحيفة البعث

الديمقراطيون يقدمون خدمات مجانية للجمهوريين

محمد نادر العمري

بات اليوم تحدي حزب الديمقراطيين الذي ينتمي إليه الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن في استمرار السيطرة على مفاصل الحكم داخل الكونغرس هو العنوان الأبرز الذي يتمّ تداوله داخل لجان الحزب وعلى لسان قيادته وصقوره المخضرمين. فالسيطرة التي ينعم بها الديمقراطيون منذ بداية العام الحالي وحتى انتخابات 2022 قد لا تستمر على حالها نتيجة السياسات التي يتخذها الرئيس الأمريكي على المستويين الداخلي والخارجي، حيث ارتفعت شعبيته مع توليه مقاليد الحكم وتجاوزت نسبة 53% بعد الخطوات الإيجابية في مواجهة وباء كورونا وتقديم إعانات للاقتصاد الأمريكي للعودة للعمل والنهوض مع تقديم الإعانات للعاطلين عن العمل خلال فترة معيّنة، ووضع خطة لتخفيض نسبة البطالة التي أثبتت نجاعتها في الأشهر الأربعة الأولى، لكن هذه النسبة شهدت تراجعاً حاداً وملحوظاً لما دون 44% في آب 2021 نتيجة قراره بالانسحاب من أفغانستان وعدم قدرة واشنطن على تحقيق أيّ من أهدافها رغم حرب العشرين عاماً هناك.

يطرحُ هذا التناقض في نتائج استطلاع الرأي والتفاوت الكبير بين الرقمين خلال ثمانية أشهر فجوة قد تشكّل عاملاً مهماً في الإطاحة بسيطرة الديمقراطيين خلال الانتخابات النصفية 2022 كمرحلة أولى ومن ثم خسارة المعركة الرئاسية كمرحلة ثانية. فما زالت التحديات الداخلية والمتمثلة بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية والصحية هي العامل الأول والأخير في انعكاس الرضا الشعبي الأمريكي من عدمه على السلطة القائمة، وهي تشكّل تمهيداً استطلاعياً عن احتمالات النتائج المبكرة، وخاصة في ظل ما أعلنه، على سبيل المثال لا الحصر، مكتب الإحصاء الأمريكي في تموز الماضي أن نحو 4.7 ملايين أميركي مهدّدون بخسارة منازلهم نتيجة البطالة والتضخم وارتفاع مستويات المعيشة، وهذا بدوره أدّى لرفع معدلات الجريمة المختلفة والتي ارتفعت بمعدل 33% منذ آذار الماضي، وقد يكون ازدياد نسب معدلات الهجرة للولايات المتحدة سلاحاً بيد الجمهوريين والمتطرفين البيض ضد الديمقراطيين في الانتخابات القادمة، كما يسجل على فريق إدارة بايدن غيابه شبه الدائم عن الأحداث الداخلية والخارجية على عكس الصور المعتادة للإدارات الأمريكية المعتادة. وبمقارنة أجرتها مجلة “فورين بوليسي” بين نشاط وزير الخارجية في عهد الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما مع نظيره في عهد الرئيس جو بايدن خلال فترة سبعة شهور، بيّنت المجلة نتيجة المقارنة بأن نسبة نشاط جون كيري تتجاوز 44% عن نشاط أنطوني بلينكن.

لهذا تحاول اليوم إدارة بايدن وفريق عملها التركيز على جوانب معينة من الاقتصاد وليس كلها واستمرار مجابهة كورونا وغياب فعالية الحدّ من تأثيراتها، واستمرار تذكير الناخب الأمريكي بحماقة سياسات الرئيس الأسبق الجمهوري دونالد ترامب، وهذا الأسلوب ينتهجه الديمقراطيون لتغييب هفواتهم عن مرأى الناخب الأمريكي ولتوظيف السياسي فقط، وهو ما دفع صحيفة “واشنطن بوست” لوصف هفوات بايدن “بالمشلة” للديمقراطيين في حال استمرارها.

أما التحدي الخارجي فهو يتمثل بمجموعة من التحديات، يبدو أبرزها في هذا التوقيت هو وضع مكانة الولايات المتحدة في أعين شعوب وأنظمة العالم، ولاسيما بعد قرار انسحابها من أفغانستان بصورة مهينة ومذلة، فضلاً عن تبني الرؤية التي تسارعت وتيرة احتضانها بعد أن قام كل من كينيث بولاك، ودينس روس بنشرها على شكل مقال مطول في معهد “واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” متضمنة فقدان الولايات المتحدة للإستراتيجية الشاملة للتعامل مع العالم عموماً والشرق الأوسط خصوصاً، حيث باتت هذه الرؤية اليوم محطّ اهتمام ونقاش من قبل النخب الأمريكية وبمختلف فئاتها ومجالاتها، حتى أن بعض قادة الرأي في أميركا اعتبروا ذلك ارتباكاً حقيقياً تعاني منه السياسة الخارجية الأمريكية، وهو ما سيمنح فرصة لخصومها لاستغلال الوضع وتوظيفه لمصلحتهم، وهذا الارتباك سيترك مخاوف وعدم ثقة لدى الدول الحليفة لواشنطن، ما سيدفع هذه الدول لإعادة حساباتها وربما الذهاب لرمي نفسها في الحضن الصيني المتنامي والمغري اقتصادياً، والحضن الروسي المليء بفروة القوة العسكرية والسياسية المنتشية.

يبدو أن بايدن وحزبه في خطر حقيقي، فهو لم يستغل نقمة الشعب الأمريكي على سلوكيات ترامب ولم يستطع تعميق غرق الجمهوريين، بل بسياساته هذه قدّم أكبر خدمة لهم وإخراجهم من العناية المشدّدة، وهو ما سيكلف بايدن وحزبه تكلفة باهظة في الانتخابات النصفية إن لم يجرِ احتواء الموقف.