سورية وإيران.. معا لكسر الحصار وخريطة طريق لتفعيل اتفاقيات التكامل الاقتصادي
“البعث الأسبوعية” ــ علي عبود
إذا كانت العلاقات السياسية والاستراتيجية بين سورية وإيران في أحسن حالاتها، ولم تتأثر بمجريات الأحداث في المنطقة، وبخاصة في سنوات الحرب الإرهابية على سورية، فإن العلاقات الاقتصادية ليست كمثيلتها السياسية، بل يُمكن القول إنها في أدنى مستوياتها مقارنة بإمكانيات البلدين.
ونحن هنا لا نتحدث عن الدعم الاقتصادي والمادي الإيراني لسورية في سنوات الحرب، فهو دعم كبير أغلبه غير معلن، وإنما نتحدث عن العلاقات الاقتصادية، وتحديدا التجارية، بين القطاعات الحكومية والخاصة في البلدين.
وعلى الرغم من توقيع عشرات الاتفاقيات التي تحظى بدعم حكومتي سورية وإيران فإن العلاقات التجارية متواضعة جدا لأن معظم هذه الاتفاقيات لا تزال حبرا على ورق!
ويتحمل القطاع الخاص ورجال المال والأعمال مسؤولية عدم ترجمة وتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية بين سورية وإيران، وقد يكون السبب غير المعلن تفضيل هذا القطاع العمل مع الغرب – بحكم العادة – ولعدم إيمانه حتى الآن بالتوجه شرقا، أو ببذل الجهود وفتح الخطوط مع دولة صديقة وحليفة لسورية كإيران. ولولا بعض المشاريع الكبيرة التي تنفذها إيران لصالح جهات حكومية في قطاعات مختلفة لانعدمت العلاقات الاقتصادية على مستوى البلدين، وإلا ماذا نفسر تراجع التبادل التجاري بين البلدين إلى 150 مليون دولار فقط؟
السؤال: ماذا يحول دون تفعيل الاتفاقيات الموقعة بين سورية وإيران لترتقي العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى مثيلتها السياسية والاستراتيجية؟
خريطة طريق
وكانت زيارة وزير الخارجية الإيراني الجديد حسين أمير عبد اللهيان لدمشق بعد أيام قليلة من تسلمه مهامه فرصة لتفعيل العلاقات الاستراتيجية أكثر فأكثر. والمهم في هذه الزيارة ما كشفه عبد اللهيان عما سيحدث في القادم من الأيام، وهو أن البلدين “يعملان حالياً على وضع خريطة طريق لتطوير العلاقات والتعاون التجاري والاقتصادي لمواجهة العقوبات المفروضة عليهما”.
وإذا ما طردت الحكومة العراقية الجديدة، التي ستتشكل بعد الانتخابات، المحتل الأمريكي من العراق، والذي سيرافقه حتما الانسحاب من سورية، فإن انضمام العراق إلى خريطة الطريق سيجعل من الدول الثلاث أنموذجا للتكامل الاقتصادي القادر على مواجهة الحصار وكسر العقوبات الاقتصادية.
ومن الطبيعي أن ينضم لبنان إلى هذه المنظومة الاقتصادية التي تشكل سوقا ضخمة للتبادل التجاري، لأنه سيكون المستفيد الأكبر منها، فهي الرئة التي سيتنفس منها اقتصاده الذي يتجه نحو الكارثة!
ولا شك أن وضع خريطة طريق لتفعيل التبادل التجاري بين إيران والعراق وسورية ولبنان سيلقى دعما لا محدودا من الصين، لأن الدول الأربعة جزء أساسي من مبادرتها “طريق واحد.. حزام واحد”، وهذا يعني استثمارات صينية في البنية التحتية والمرافق الأساسية لتسهيل التبادل التجاري، أي تطوير المرافئ وإقامة شبكة سكك حديدية وبرية تربط دول المنطقة، وشبكات كهربائية، والأهم من ذلك أن هذا التبادل التجاري سيكون بالمقايضة أو بالعملات الوطنية، وربما بالعملات الرقمية.
وقد تبدو خريطة الطريق الموعودة صعبة التحقيق لكنها قطعا ليست مستحيلة ما دامت ترتكز على محورين ثابتين وقويين هما سورية وإيران، الحليفان منذ أكثر من أربعة عقود.
لكن.. بانتظاار بلورة خريطة الطريق، من المهم تفعيل العلاقات الاقتصادية فورا باتجاه زيادة الاستثمارات وحجم التبادل التجاري بين البلدين.. فهل هذا ممكن. أم سيبقى الوضع كما كان في السنوات الماضية؟
ماذا تحتاج الاتفاقيات لتفعيلها؟
إذا تابعنا تصريحات الجهات الحكومية في كلا البلدين، سنستنتج أن المساعي جادة لتفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين سورية وإيران.
لقد أكد رئيس الحكومة المهندس حسين عرنوس خلال اجتماعه مع وفود رسمية إيرانية زارت سورية خلال الشهرين الماضيين “أن الحكومة السورية تسعى لدفع التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين البلدين وتطويره وفتح آفاق جديدة وواسعة أمامه بما يتناسب مع مستوى العلاقات الاستراتيجية التي تربط بين سورية وإيران”، وهذا يعني ان الحكومات السابقة لم تبذل المساعي الكافية لتفعيل الاتفاقيات المشتركة ما أدى إلى تراجع التبادل التجاري من جهة وتباطؤ بتنفيذ الاستثمارات في المشاريع الإنتاجية والخدمية..
ومع “أن الجانبين يبذلان جهوداً كبيرة لوضع الاتفاقيات الثنائية والمشاريع المشتركة موضع التنفيذ بخطوات متسارعة، وتذليل الصعوبات أمامها واستكمالها ضمن مدد زمنية محددة، إلا أن الواقع يكشف ان هناك صعوبات تحول دون تفعيل الاتفاقيات، دون أن نعرف تحديدا ما هذه الصعوبات.. هل تكمن في القوانين النافذة أم في الإجراءات البيروقراطية المعرقلة؟ أو هي في عدم التعاون الفعلي للقطاع الخاص السوري مع نظيره الإيراني؟
نعم.. لقد قالها رئيس الحكومة بوضوح تام، وبما بشبه الرسالة المباشرة لكل الجهات المسؤولة عن تفعيل الاتقاقيات، لاعرقلتها: “التنسيق والعمل المشترك في مختلف المجالات مهم جدا لمواجهة العقوبات الظالمة والحصار الاقتصادي اللاشرعي المفروضين على شعبي البلدين”.
والسؤال: ماذا تحتاج الاتفاقيات المشتركة بين سورية وإيران لتدخل مرحلة التفعيل؟
عندما يكشف رئيس الغرفة التجارية السورية الإيرانية المشتركة، فهد درويش، أن “التعاون الصناعي والاستثماري والاقتصادي بين سورية وإيران لا يتناسب مع المستوى المميز للعلاقات السياسية والاستراتيجية بينهما”، فهذا يؤكد أن توقيع الاتفاقيات وحده لا يكفي لأن تنفيذها يحتاج إلى خريطة طريق، وإلى متابعة يومية لإزالة الصعوبات أمام تنفيذ هذه الخريطة، وهذا الأمر لم يحدث حتى الآن، فلماذا؟ ومن المقصر؟
لقد قدمت الغرفة العديد من المقترحات والحلول خلال الملتقيات والاجتماعات المشتركة بين البلدين لمعالجة الصعوبات التي تواجه تطوير التبادل التجاري، ومن أبرزها وأهمها:
ـ تشكيل لجنة مواصفات ومقاييس مشتركة تعمل على توحيد المواصفات والمقاييس المحددة للاستيراد والتصدير المتبادل.
ـ إقامة بنك مشترك.
ـ اعتماد التبادل بالعملة المحلية.
ـ إنشاء شركات صرافة رسمية مشتركة تعمل مع البنوك السورية والإيرانية.
ـ التشبيك بين البنوك الخاصة في البلدين.
ـ تطبيق مبدأ المقايضة للسلع والبضائع.
ـ تأسيس شركة نقل بري وبحري وجوي.
ـ تأمين سفينة نقل بضائع، وتنظيم مواعيد الشحن البحري بين ميناء اللاذقية وبندر عباس.
ـ إنشاء شركة تأمين مشتركة ومعتمدة لحركة التبادل التجاري.
ـ تفعيل خط الشحن البري عبر العراق، وتصور مقبول لموضوع بيان الترانزيت الجمركي من الدول الثلاث سورية والعراق وإيران.
والسؤال الآن: كيف يمكن ترجمة الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية بين سورية وإيران على أرض الواقع دون آليات فعالة طرحتها الغرفة التجارية السورية الإيرانية المشتركة، مرارا بالاجتماعات الرسمية بين البلدين؟
أين القطاع الخاص ورجال الأعمال؟
الإجابة على هذا السؤال تقودنا فورا إلى دور القطاع الخاص ورجال المال والأعمال في كلا البلدين، فهم المحرك الأساسي للاقتصاد والتجارة، وخاصة في زمن الحروب والحصار والعقوبات؛ وبالتالي فإن من مهام الجهات الحكومية في سورية وإيران توقيع الاتفاقيات التي تفتح الطريق لزيادة التبادل التجاري والاستثمارات، ومن مهام القطاع الخاص تفعيل هذه الاتفاقيات واكتشاف الصعوبات والعراقيل التي تحول دون تنفيذها وإعلام حكومتي البلدين بها لتذليلها، فهل هذا ما حصل في الأعوام الماضية، أم ليس لدى القطاع الخاص من رغبة سوى العمل مع الغرب بحكم العادة والتاريخ؟
لم تُقصر الغرفة التجارية السورية الإيرانية المشتركة في مجال تفعيل دور القطاع الخاص، فقد كشف رئيسها “إن الغرفة تعمل منذ بداية العام الحالي على زج دور القطاع الخاص في أجندة أي اجتماع اقتصادي سوري إيراني مشترك، سواء في دمشق أو طهران”، كما أن رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف عقد خلال زيارته لدمشق، في الثالث من آب 2021، لقاءً اقتصادياً موسعاً مع رجال الأعمال السوريين والإيرانيين ورؤساء وأعضاء الهيئات الاقتصادية والشركات الإيرانية في سورية، وجرى فيه طرح الصعوبات والعقبات التي تعترض عمل الشركات وحركة تبادل التجارة والسلع والخدمات والتعاون الصناعي والاستثماري، خاصة ما يتصل بعدم وجود السلع السورية في إيران، وما يتعلق منها بصعوبات المواصفات والمقاييس التي تشترطها إيران، إضافة إلى صعوبات الشحن والنقل البري والبحري والجوي والبيانات الجمركية والتحويل المالي والمقايضة والرسوم والجمارك.
ونستنتج من كل ذلك أن الجهات الحكومية في كلا البلدين تؤكدان وجود صعوبات تحول حتى وجود السلع السورية في إيران، وهذا ما يفسر تراجع حجم التبادل التجاري إلى 150 مليون دولار فقط، ما يدفعنا إلى التساؤول: أين دور غرف الصناعة والتجارة؟ وهل التنسيق مع نظيرتها الإيرانية كاف لقلب المشهد في القادم من الأيام؟
المجالات الراهنة للتعاون
وكما أشرنا ان ما من صعوبات جدية تحول دون التعاون بين الجهات الحكومية بين البلدين فالصعوبات كانت ولا تزال تقتصر على القطاع الخاص ورجال المال والأعمال، وتحديدا في مجالي الاستثمار والتبادل التجاري، ومن أبرز مجالات التعاون الحكومي حاليا:
ـ اتفاق بين وزارة الصناعة وإيران بتاريخ 2/ 3/ 2021 على إعادة تشغيل الشركة السوريةـ الإيرانية لصناعة السيارات “سيامكو” وإحيائها من جديد.
ـ بحث وفد من شركة MMTE الإيرانية مع وزارة الصناعة إمكانية إقامة مصنع لتعدين الحديد وآفاق التعاون المشترك في مجال الطاقات البديلة.
ـ الاتفاق مع وفد إيراني بتاريخ 20/ 5/ 2021 على زيارة معمل حديد حماة للاطلاع ميدانياً على واقع العمل في المعمل وتحديد أولويات البدء بالتعاون المشترك مع الجانب الإيراني، واستعراض آلية العمل في معامل الحديد في سورية وبحث إمكانية تطوير معمل حديد حماة بالإضافة إلى تصنيع الحديد الاسفنجي وتطوير خط القضبان، مع إمكانية إقامة شركة مشتركة في مجال الطاقات البديلة وتصنيع العنفات الريحية، وهو يعتبر من المشاريع المهمة والحيوية جداً بالنسبة لسورية.
ـ أعلنت وزارة الصناعة بتاريخ 30/ 8/ 2021 عن إمكانية إبرام عقد شراكة بين شركة أميرسان الإيرانية وشركة بردى للصناعات المعدنية حيث تم الاتفاق مع الوفد الإيراني بشكل مبدئي على تقديم دراسة تفصيلية حول تطوير خطوط الإنتاج في شركة “بردى”، لتتم دراستها من قبل المعنيين وتقديم التسهيلات الممكن تقديمها لإعادة الشركة إلى سابق عهدها كما كانت، وذلك بعد إعادة تأهيل خطوط الإنتاج بطريقة عصرية، وبذلك تستطيع شركة “بردى” أن تغطي حاجة السوق المحلية والتطلع لاحقاً إلى التصدير.
ـ كشف رئيس غرفة التجارة الإيرانية السورية المشتركة، كيوان كاشفي، بتاريخ 14/ 2/ 2021 عن إنشاء خط شحن بحري منتظم بين إيران وسورية لنقل البضائع وذلك في إطار الاتفاقية المبرمة بين طهران ودمشق. وبحسب الاتفاقية، ستنقل سفن الشحن البضائع بانتظام من إيران إلى سورية مرة واحدة شهريا، وكل 15 يوماً إذا لزم الأمر.
ـ أكد رئيس الغرفة التجارية السورية الإيرانية، فهد درويش، بتاريخ 3/ 3/ 2021 أن إيران جاهزة لإنشاء بنك مشترك مع سورية.
ـ تتابع شركة آردماشين الإيرانية المتخصصة بتصنيع المطاحن واقع عمل المطاحن التي تم ويتم تنفيذها في سورية، والمشاريع المستقبلية لتنفيذ مطاحن جديدة في دير الزور والرقة والحسكة، حسب العقد المبرم مع الجانب الإيراني، ومن ضمنها مطحنة سلحب التي ستوضع في الاستثمار الفعلي خلال الأشهر القريبة القادمة بطاقة إنتاجية طحنية تبلغ 300 طن في اليوم.
ـ إعلنت المؤسسة السورية للتجارة بتاريخ 6/ 6/ 2021 أن هناك مناقشات تدور حول إمكانية إنشاء شركة سورية إيرانية تجارية مشتركة مع مؤسسة “اتكا” الإيرانية لتبادل المنتجات، وإحداث مركز تجاري في دمشق لعرض المنتجات الإيرانية، ومركزاً لـ “السورية للتجارة” في طهران لعرض المنتجات السورية هناك.
ـ تقوم المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء في طهران منذ عام 2017 بإنشاء محطة توليد باللاذقية باستطاعة 540 ميغاواط إضافة لإنشاء خمس مجموعات غازية في بانياس باستطاعة 125 ميغاواط، وتقييم الأضرار في المحطة الحرارية في حلب، وإعادة تأهيل المجموعة الأولى والخامسة بحلب، وإعادة تأهيل وتفعيل مركز التحكم الرئيسي للمنظومة الكهربائية السورية.
هل ستكون البداية من حلب؟
ولعل ملتقى التعاون الاقتصادي الذي أقامه المكتب الاقتصادي السوري الإيراني في حلب، بتاريخ 25/ 6/ 2021، سيكون محطة مهمة وجادة بتفعيل التعاون الاقتصادي بين رجال الأعمال السوريين والإيرانيين، لأنه أتاح الفرصة لرجال الأعمال التعرف على الفرص الاستثمارية في كلا البلدين، والاستفادة منها، وبخاصة أن مشاركة 44 رجل أعمال إيراني في الملتقى مهم جدا لأن مدينة حلب عصب الاقتصاد السوري ومؤهلة لتكون البداية الفعلية لتعزيز التعاون التجاري والصناعي بين سورية وإيران.
وتشكل المدينة الصناعية في الشيخ نجار المجال الواسع لتفعيل التعاون بين الصناعيين والمستثمرين بين البلدين، نظرا للتسهيلات المتاحة للاستثمار في المدن الصناعية، وخاصة مع وجود عدة دراسات لفرص الاستثمار في حلب يمكن للمستثمرين الإيرانيين الاطلاع عليها والاستفادة منها لتنفيذ مشاريع مشتركة مع نظرائهم الحلبيين.
وقد أبدى رجال الأعمال الإيرانيون والسوريون في الملتقى رغبتهم بتوسيع مجالات التعاون ما يعزز احتمالية أن تكون بداية تفعيل اتفاقيات التعاون بين البلدين من حلب .
الخلاصة
لقد بحث رئيس الحكومة، بتاريخ 22/ 8/ 2021، مع السفير الإيراني بدمشق مهدي سبحاني الخطوات التي تم اتخاذها على صعيد تنفيذ الاتفاقيات ومشاريع التعاون المشتركة بين البلدين، والمراحل التي وصلت إليها، وسبل تطويرها، في قطاعات الصناعة والطاقة والاستثمار والتجارة والموانئ والنقل والاتصالات والزراعة والصناعات الدوائية وغيرها من قضايا التعاون المشترك، وتذليل المعوقات التي تعترض تنفيذ المشروعات المشتركة، والإسراع بإنجازها بما يسهم بمواجهة الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على البلدين والشعبين الصديقين؛ وهذا يعني أن سورية وإيران مصممتان معا على مواجة الحصار والعقوبات بالتكامل الاقتصادي الذي سيتبلور مع إنجاز خارطة الطريق.