مجلة البعث الأسبوعية

رياضتنا بين سندان الإهمال ومطرقة المال.. البطولات المحلية غارقة بالفوضى واتحادات الألعاب تنهشها الخلافات والمكتب التنفيذي يتفرج!!

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

المتابع للشأن الرياضي يدرك تماماً أن رياضتنا تعاني من أمراض خطيرة قد يكون من الصعب علاجها إن استمرت على وضعها الحالي دون تدخل مسؤول يضع النقاط على الحروف.

وباتت هذه المشاكل ككرة الثلج تتنامى وتتدحرج حتى تكاد تنسف آخر بارقة أمل في رياضتنا، وما زلنا نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً، فكل القرارات التي تصدر لم تكن ملبية بالشكل المطلوب، والقرارات المنتظرة ما زالت حبيسة الأدراج لا نعرف ما يمنع صدورها.

ولكن قبل أن تكون مشكلة رياضتنا فنية فإنها تعاني من مشاكل عديدة إدارية وتنظيمية ومالية، وكل ذلك سببه سوء الإدارة وعدم وضع الرجل المناسب في مكانه المناسب، وما زال إبعاد العديد من الخبراء عن رياضتنا – حسب مبدأ هذا معنا وهذا ضدنا – ساري المفعول.. وللأسف هذا المبدأ معمول به في كل المؤسسات الرياضية، صغيرها وكبيرها.

 

خلافات وانقسامات

من خلال المتابعة والتدقيق والتمحيص، نجد أن أغلب اتحاداتنا الرياضية تعاني من أزمات داخلية لا حصر لها؛ ففي كرة القدم، ما زال الصف منقسما على بعضه، والأمور في الوقت الحالي هادئة لأن الجميع منضبط بسبب المنتخب الوطني، حتى لا يقال إن هذا أو ذاك أفشل المنتخب، فالمنتخب وحد الجميع حالياً وإن كان البعض متربص بالآخر.

وهذا كله لا يعني أن عمل اتحاد كرة القدم يسير بالطريق الصحيح، فهناك الكثير من الأعمال المتعثرة والعقبات الجسيمة التي تجعل من عمل الاتحاد عبارة عن عمل مكاتب قد يصيب وقد يخطئ، أما النظرة الاستراتيجية والمفهوم الخططي بعيد النظر فهو مفقود وغير وارد، وعلينا أن نعترف أن اتحاد اللعبة اتحاد هاو لا يملك أية رؤية لكرة احترافية هادفة في المستقبل المنظور، وكمثال على ما نقول، لنا أن نتصور أن المنتخب الوطني عندما يسافر تغلق مكاتب الاتحاد لأن نصف أعضائه وموظفيه مسافرون – إما معه أو مع المنتخبات الأخرى – وتبقى بقية نشاطات الاتحاد معطلة حتى حين، فالاهتمام بالدرجة الأولى يعود إلى مستوى الفائدة التي يجنيها الأفراد من هذا العمل على الصعيد الشخصي فقط.

كرة السلة، من جهتها، تحظى بدعم غير مسبوق من المكتب التنفيذي وهذا موضع سرورنا لأن هذا الدعم يجب أن يصب في مصلحة اللعبة على كل المستويات، وعلينا أن نعترف أن اللجنة المؤقتة التي أدارت النشاط في الفترة السابقة نجحت في مهامها إلى حد ما رغم بعض الأخطاء التي تم التحدث عنها بوقتها، لكن هذا الكلام ليس مبرراً لخرق القانون في الانتخابات لوصول من نريد إلى الاتحاد الجديد، ونحن في هذا الصدد لسنا ضد الأشخاص وهم مؤهلون لقيادة اللعبة وهذا لا شك فيه، لكننا ضد تمرير الاستثناءات لنصل إلى ما نريد.. قد يكون هذا، في هذا الجانب تحديداً، في مصلحة اللعبة، لكن نخشى من هذه الاستثناءات أن تصبح عادة دارجة فتوضع في غير الأماكن الصحيحة فتستثمر بما يخدم الأصحاب لا الرياضة.

اتحادات الألعاب الجماعية المتبقية لها مشاكلها الكثيرة وخلافاتها المتعددة، ونلمس هذا الأمر واضحاً في اتحادي اليد والطاولة تحديداً وبقية الاتحادات ليست عنها ببعيد، وتبقى مشاكلها ضمن الجدران لأنها تعيش في ظلمة الرياضة فلا نلمس للكثير من هذه الاتحادات أي نشاط محلي، وإن حدث فهو من أجل رفع العتب فقط.

 

مفارقة وتساؤل

المفارقة العجيبة كانت في كرة المضرب، حيث خاطب اتحاد اللعبة رئيس الاتحاد الرياضي بصفة “اللواء”، وهذا كان بزمن رئيس الاتحاد الرياضي العام السابق، اللواء موفق جمعة – والكتاب تحتفظ “البعث الأسبوعية” بنسخة منه. وتفسير الموضوع يأتي على ثلاثة جوانب: إما أن اتحاد كرة المضرب ما زال يعيش زمن اللواء موفق جمعة، أو إنه لم يعلم أن هناك رئيسا جديدا للمنظمة، أو هو ناجم عن خطأ إداري لا يغتفر، ولا يمكن تفسير هذا الأمر إلا بسوء العمل التنظيمي ما يدل على الإهمال واللامبالاة.

في ألعاب القوة، المشاكل أكثر من أن تعد وتحصى، ويتربع على القمة في الوقت الحالي اتحاد الكيك بوكسينغ، وقد تعالت الأصوات والشكاوى على رئيس الاتحاد من أغلب أعضاء الاتحاد ووصلت إلى المكتب التنفيذي، وهي تستعرض مخالفات شتى يمارسها رئيس الاتحاد منها ما يخص البطولات والشهادات ومنها مالية الشكل والمضمون.

ونلحظ العديد من المشاكل في باقي الاتحادات كرفع الأثقال وبناء الأجسام والقوة البدنية والملاكمة، وإن كانت بنسب مختلفة وأحوال متباينة، لكن كل هذه المؤشرات تدل على وضع غير سليم في أغلب اتحاداتنا الرياضية وتحتاج إلى حلول موضوعية.

ومن الواجب أن يقوم المكتب التنفيذي بعقد اجتماعات دورية مع الاتحادات الرياضية وجهاً لوجه لمعرفة مجمل هذه المشاكل والخلافات والعمل على حل العثرات التي تعترض العمل من أجل ردم الهوة أولاً، ومن أجل تنقية الأجواء للالتفات نحو العمل الفني، فغاية الاتحادات الرياضية تطوير الألعاب ووضع الخطط الاستراتيجية لا الخوض في صراعات ليس لها أول من آخر.

 

أدهى وأمر

في الأندية الرياضية، قد يكون الوضع أدهى وأمر، وخصوصاً أن الأندية تتمتع بسلطة ذاتية وتصرف مالي مستقل وتنعم باستثمارات ضخمة، لكن الملاحظ أن سوء العمل الإداري والمالي قد تفشى في أغلب أنديتنا فبدت عوراتها واضحة للعيان، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على غياب التخطيط وغياب الرقابة بآن معاً.

ونحن هنا نتكلم عن الأندية الكبيرة صاحبة الاستثمارات والدخل، ونلاحظ أنينها المستمر وضعف مردودها الفني بما يتناسب مع الدخل المالي، والتقييم هذا يدخل في نطاق جميع الألعاب وليس في كرة القدم وحدها.

الخلافات ضمن الأندية واضحة، وبات من الصعب تشكيل إدارة منسجمة. ومن الأمثلة نادي الحرية، ومثله الاتحاد، وامتد هذا المرض إلى عفرين وقد استقال رئيس النادي دون أن تقبل استقالته، والأحباب يحاولون ردم الهوة وتوحيد الصف عبر “تبويس الشوارب”. وفي نادي حطين استقالت الإدارة قبل شهر ولم تقبل استقالتها وهي بحكم من يسير الأعمال، وحتى الآن لم يجدوا الحل المناسب لأن الجميع يرفض الدخول في نادي مفلس متهالك!

وإدارة نادي الوحدة استقالت ولم يبق منها إلا رئيس النادي ومعه عضوان صامدان، ولا ندري ما الذي يمنع تغيير الإدارة أو رفض الاستقالات، فإبقاء النادي على هذه الوضعية معلقا يضر بالنادي ولا يفيده، وها هو مدرب الفريق استقال كدليل على سوء العمل الإداري.

هذه نماذج.. وهناك أندية تتلطى تحت جناح الدرجات الدنيا وأندية تغلي ولم تصل مرحلة الفوران، وكل ذلك يدل على عدم سلامة البنية الرياضية وينذر بما هو أسوأ.

 

منغصات عديدة

في الحديث عن البنية الرياضية التحتية نجد أن الأمور لا تسر أحداً، وها هي ملاعبنا وصالاتنا الرياضية تشتكي الاهتراء ونقص التجهيزات. ولا نخفي سراً إن قلنا ليس لدينا ملعب لكرة القدم صالح لأداء مباريات كرة القدم باستثناء الملاعب الصناعية غير المعترف بها دولياً، ولا نخجل إذا قلنا إن هذه الملاعب تفتقد للخدمات من مشالح مقبولة وماء وحمامات، فضلاً عن التجهيزات الأخرى الغائبة أو الناقصة أو المهترئة كشباك المرمى في ملعب الفيحاء الذي تحدثنا عنه مطولاً، وغياب سيارات الإسعاف عن ملاعبنا يجعل المباريات غير قانونية وينذر بخطر قادم في كل مباراة.

وكم من مرة سمعنا عن الإقامات الهزيلة لفرق القواعد في مختلف البطولات والألعاب، وهو يدل بما لا يدع للشك على الإهمال واللامبالاة بالتعامل مع الرياضة عموماً ومع القواعد الرياضية بشكل خاص، ونخشى إن استمر هذا الإهمال والتعاطي بلا مسؤولية أن “يطفش” الصغار عن مزاولة الألعاب الرياضية.

وسمعنا من مصدر موثوق أن باصات الاتحاد الرياضي في التنفيذيات قد تتوقف لعدم قدرة المنظمة على تأمين مادة المازوت وهذا سيؤدي لشلل في البطولات المركزية على مستوى منتخبات المحافظات.

 

الحلول الغائبة

المعضلة الأهم في الرياضة هي غياب القرار الصحيح، والمشكلة التي تعاني منها أنديتنا واتحاداتنا الرياضية تكمن في غياب الموارد المالية الكافية، والقرار المنتظر من الاتحاد الرياضي العام هو تصحيح مسار الاستثمار بما يتوافق مع السعر الرسمي. وعندما نرى أن الحكومة غيرت كل الأسعار فهذا يعني أن يبادر الاتحاد الرياضي إلى تغيير قيم الاستثمار لأنه جزء من الدولة، ونحن لا نريد هنا أن ننتظر مستثمرا أمضى عقداً لعشر سنوات يستنزف مالنا الرياضي بحجة أن “العقد شريعة المتعاقدين”، فالمتغيرات الاقتصادية التي طرأت على كل مفاصل الحياة يجب أن تطول الاستثمار. وعلى سبيل المثال، كان سعر إقامة حفل زفاف في صالة من صالات الأندية يعادل مئة ألف ليرة، واليوم أصبح السعر مليونين على أقل تقدير، فكيف رفع المستثمر سعر استثماره ولم ترفع الأندية سعر الاستثمار؟ وما القانون الذي منح المستثمر رفع السعر؟ وما القانون الذي منع الأندية من رفع قيمة الاستثمار؟ هذا في صالات الأفراح فقط، فما بالك في المطاعم والكافتيريات والصالات والمسابح ومراكز الجيم والمحلات وكراج السيارات التابعة للأندية.

المفترض بالاتحاد الرياضي أن يبادر بالقانون لتسوية هذه الأمور لأنها في غاية الأهمية ولأنها عصب الرياضة، وعندما تم السماح لأنديتنا بمنح جزء كبير من منشآتها للأعمال التجارية والسياحية فذلك من أجل أن يعود هذا المنح بالنفع المالي على الرياضة وعلى الأندية على حد سواء، فيتم استثمار المال في العملية الرياضية وبناء الرياضة وفق أسس سليمة. لكن، على العكس، تنامى الفساد وضعف المردود وباتت رياضتنا تدفع الثمن، وإن استمر الحال على هذا المنوال، فسنقول: “وداعاً للرياضة”.