ثقافةصحيفة البعث

إدمان من نوع مختلف

د. منيرة خضر

لا أحد منا يستطيع إنكار سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي بكافة أشكاله المسموعة والمرئية والمكتوبة على حياتنا، ولا أبالغ إذا قلت بأنها أصبحت جزءاً لا ينفصل عن يومياتنا، فإن مررت بشارع أو زقاق ضيق أو كنت في زيارة لصديق أو لقريب أو حتى لو كنت بمفردك في المنزل، فإن أول ما تمسك به هو هاتفك المحمول الموصول بالشابكة، حتى أنك تكاد لا ترفع رأسك عن هذه الشاشة الصغيرة التي تربطك بالعالم بأسره، وقد يضحي البعض منا بساعات نومه نتيجة مغريات هذه الشاشة وما تحمله من أخبار وصور وغير ذلك.

في الواقع، لا نستطيع نكران فوائد التواصل الاجتماعي من تقريب للبعيد، ومن معرفة الخبر لحظة بلحظة وبأسرع وقت ممكن، لكن في الوقت نفسه هذا التواصل الاجتماعي يؤدي إلى التباعد الاجتماعي، وبمعنى أدق يمكن أن يجتمع أفراد العائلة كلها على طاولة واحدة وفي بيت واحد وسقف واحد، لكن كل شخص في عالمه الخاص، فلا الأخ يتحدث مع أخيه ولا الابن يتحدث مع أمه وأبيه، وهكذا.. بل على العكس تماماً نرى أن هذا الأخ منهمك بكتابة رسائل على جهازه ليرسلها إلى شخص آخر بعيد عنه، وكذلك نرى أن المشاعر أصبحت مرهونة بوجوه تُسمّى بالسمايلات، وكل وجه يعبّر عن عاطفة معينة من حزن وفرح وغضب.. الخ، يعني حلّت المشاعر الصامتة مكان المشاعر الحقيقية النابعة من إحساس داخلي صادق.

مع مرور الزمن تحوّل هذا التواصل الاجتماعي إلى إدمان اجتماعي يتفاقم يوماً بعد يوم، وفي الحقيقة إن التكنولوجيا سلاح ذو حدين، فكما أن تطور الأجهزة الحديثة من هواتف محمولة وأجهزة لوحية ذكية قد حمل إلينا الكثير من التقنيات التي توفر علينا الوقت في إنجاز عمليات حسابية، وتدوين مواعيدنا ضمن الأجندة، وحفظ صورنا وملفاتنا في الأستوديو، كذلك جرّت علينا الكثير من المشكلات الأخرى، أذكر منها: تراجع اللغة العربية وتشويهها باستخدام الاختصارات عند بعض المراهقين والشباب، وكذلك كتابة التنوين بشكل أحرف وتجاهل الهمزة. وقد يلجأ البعض بشكل ذكي لتجاهل الكتابة باستعمال الرسائل الصوتية عبر المحادثات الصوتية والمرئية، وهنا يتراجع مستوى اللغة العربية يوماً تلو الآخر، لذلك مطلوب منا جميعاً أن نحدّ من هذه السيطرة التقنية بتحديد ساعات محددة لاستخدام الهواتف المحمولة الموصولة بالشابكة والخروج للطبيعة والتمتّع بجمالها وممارسة الرياضة، لأنه وبعد فترة تطول أم تقصر سوف يسبب التسمّر أمام شاشة الهاتف ألماً في العيون وفي الرقبة وفي الظهر، وسوف يجد الإنسان نفسه وحيداً مع هاتفه رغم تواصله مع مئات الأشخاص حول العالم. وكذلك سيكون مقيداً بأغلال الفيس بوك والواتس والانستغرام، وإن جاز التعبير سيصبح في سجن افتراضي مدفوعاً بإدمانه على تصفح مايضخه لنا رواد الانترنت من أخبار صحيحة أو كاذبة!.