دراساتصحيفة البعث

الأمم المتحدة في ذكرى تأسيسها.. خرق الميثاق مستمر

د. معن منيف سليمان

برزت الأمم المتحدة رسمياً إلى حيّز الوجود في 24 تشرين الأول عام 1945، حين تكاملت التصديقات اللازمة على ميثاق المنظمة الوليدة -آنذاك- في ذاك اليوم، فأصبح نافذاً، وأصبح يوماً للأمم المتحدة يحتفل به العالم في مثل هذا اليوم من كل عام، وقد سبق تأسيس الأمم المتحدة سلسلة من المؤتمرات والتصريحات التي جمعت الدول الكبرى التي كانت مسيطرة على الشؤون الدولية في القرن الماضي، ولاسيما الدول التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الثانية.

ومنذ نشأة منظمة الأمم المتحدة أصبحت مسؤولة عن تحقيق أهدافها التي تأسّست من أجلها، ولعلّ أهمها: حفظ السلم والأمن الدوليين، وتحقيق التعاون الدولي في جميع المجالات ضمن إطار المساواة بين الدول، ونبذ المنازعات الدولية وحلّها بالطرق السلمية، وعدم استعمال القوّة في العلاقات بين الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولكن هل نجحت فعلاً الدول الكبرى بالالتزام بالمبادئ التي نصّ عليها ميثاق الأمم المتحدة؟.

إن العالم اليوم يتطلع في ظلّ مبادئ منظمة الأمم المتحدة إلى هذه المنظمة من أجل أن تشغل دورها المأمول في حفظ السلم والأمن الدوليين، وفي تحقيق الاستقرار في مختلف بقاع الأرض، كما أن ميثاقها الذي بعث الأمل في نفوس الشعوب المقهورة التي كانت ترزح تحت وطأة الاحتلال الظالم، يؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها واتخاذ كل التدابير الملائمة لتحرّر المستعمر منها، وهو اعتراف رسمي بحق الشعوب في مقاومة كل أشكال الاحتلال في سبيل التحرر من قبضة المستعمر والتخلّص من أغلال الاحتلال.

غير أن هذا الميثاق شهد خروقات عديدة ومتكرّرة من جانب بعض الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، ما جعل المنظمة تعاني من مشكلة حقيقية تكمن في تدخل هذه الدول في قراراتها، وما ينجم عن ذلك من ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين في معالجة الكثير من القضايا الدولية، وخاصة تجاه الشرق الأوسط والدول العربية، ما أفقد المنظمة مصداقيتها في كثير من الأحيان.

وفيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية فإن منظمة الأمم المتحدة لم تتوصل حتى الآن إلى حلّ عادل وشامل للقضية الفلسطينية يضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وتعويضهم، وحق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني بسبب الدعم المطلق واللا محدود من الولايات المتحدة ودول أوروبا للكيان الإسرائيلي الذي لا يلتزم بقرار ولا يتقيّد بقانون دولي.

إن المنظمة ضربت بعرض الحائط قرارات أممية، بما يتعلّق بالكيان الإسرائيلي، فقد تراجع دورها الذي أسّس على الحوار بين الأمم وتجنّب أية نزاعات ومعالجة الشأن الدولي بالحوار، وفقدت الكثير من قدرتها على تفعيل هذا الدور، وتحولت إلى منظمة بروتوكولية.

أما بالنسبة لنزع سلاح الدمار الشامل من الشرق الأوسط، فلا يعقل الكيل بمكيالين فيما يتعلّق بالسلاح النووي الإسرائيلي، إذ اعترف شيمون بيريز نفسه بامتلاكهم سلاحاً نووياً، في حين تقف الأمم المتحدة بكل إمكانياتها لمعاقبة إيران وكوريا الديمقراطية بسبب سعيهما لامتلاك الطاقة النووية لأغراض سليمة. إن عدم قيام الأمم المتحدة بدورها في هذا الشأن وإعادة المبادرة العربية التي أطلقت في التسعينيات القائمة على مبدأ شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل يفقدها مصداقيتها.

إن اتخاذ أهم منظمة دولية سياسة الكيل بمكيالين تجاه اليمن البلد الفقير الذي مزّقته الحرب على مدى سبع سنوات ودمّرت بنيته التحتية مخلّفة آلاف الضحايا، تعدّ خطوة كبيرة باتجاه نهاية هذه المنظمة الدولية.

كان اليمنيون قد عقدوا آمالهم على مجلس الأمن ليدرس قضية بلادهم ومسوّغات الحرب ضدّهم وتحديد الطرف المعتدي، إلا أنه اتبع منهجاً آخر وقرّر حظر توريد السلاح إلى المدافعين عن بلدهم. ما أثار الكثير من الشكوك آنذاك، حيث إن القرار استهدف المعتدى عليه بدلاً من المعتدي. كما أن تقارير الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في اليمن ومنها تقارير الأمين العام السابق والأمين العام الحالي منذ 2015 حتى 2020، أكدت ارتكاب دول تحالف العدوان جرائم وانتهاكات جسيمة ضدّ المدنيين، فضلاً عن حذف تحالف العدوان من التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة بعد أن تمّ إدراجه ضمن منتهكي حقوق الأطفال باليمن. كل هذا يشير إلى الدور المشبوه للأمم المتحدة وحجم التواطؤ إلى جانب دول تحالف العدوان ومشاركتها في الجرائم بالسكوت والتشجيع والعون والمساندة من خلال تقارير باطلة ومجحفة.

وعلى الرغم من أن دور المنظمة الخدمي ملموس مثل قوّات حفظ السلام وإغاثة بعض الدول إذا تعرضت إلى كوارث طبيعية، ولكن ما زال الدور السياسي تسيطر عليه بعض الدول الكبرى، ما أفقدها قدرة تحقيق قراراتها على أرض الواقع، وباتت تحتاج إلى إعادة تقييم لعملها وإمكانية تفعيل دورها بشكل أكبر على الساحة الدولية، واستعادة ثقة دول العالم وتلبية طموحات شعوبها بعد أن أخفقت في تحقيق كل أهدافها التي نشأت من أجلها.

إن مؤسسات الأمم المتحدة بحاجة إلى تطوير آليات واستحداث أساليب عمل جديدة، للوقاية من انتهاك حقوق الإنسان والاستجابة للحالات الطارئة بشكل عاجل، إضافة للاتفاق على جدول أعمال متوازن يعطي كل الحقوق في كل البلدان، فضلاً عن التأكد من تعزيز آليات الحماية، وتفادي التسييس المفرط في عمل المنظمة أو تجنّب الكيل بمكيالين، وهي التهم التي اتفقت عليها جميع المنظمات غير الحكومية، كونها إحدى العراقيل المهمة أمام عمل أية منظومة أممية تسعى للحفاظ على الأمم المتحدة.