سلايد الجريدةصحيفة البعثكلمة البعث

أثرُ الصمود السوري في المجتمع الدولي

د. عبد اللطيف عمران

مع معرفة الفرق غير القليل بين المجتمع الدولي والنظام الدولي، يمكن القول إنّ للصمود السوري أثراً كبيراً، حاضراً ومستقبلاً، في المجتمع الدولي وفي النظام الدولي أيضاً.

فكثيراً ما يلاحظ المتابعون اليوم انشغال الميديا، ومراكز الأبحاث، وكذلك مراكز صنع القرار على المستويات المحليّة والإقليميّة والدوليّة بجردة حساب ذاتيّة، وبمراجعة نقديّة شخصيّة أو مؤسساتيّة لآثار التزييف الإعلامي، والغزو الثقافي، والتآمر الإقليمي والدولي على كبرياء، وحقوق، وقيم الشعب والجيش والقيادة في سورية.

ففي كلّ يوم نسمع تصريحاً هنا، ورأياً هناك يؤكّد أنّ الجمهوريّة العربيّة السوريّة وقعت ضحيّة مؤامرةٍ كبرى بُنيت على الأكاذيب والتضليل والاستهداف غير المبرّر، بل المدان، والذي يجب الاعتراف به، والتراجع عنه أخلاقيّاً، وسياسيّاً، وإنسانيّاً… وصولاً إلى بيان أسباب التسليم بـ : لقد انتصر الأسدُ وقد كنّا على خطأ.

فنحن اليوم أمام واقع يجلوه سقوط الأقنعة، بل سقوط القناع عن القناع، والقناع تلو القناع، فما السبب؟.

من البديهي، والعام، والجليّ أيضاً أنّ السبب هو صمود الشعب والجيش والحلفاء والأصدقاء وتماسكهم وإيمانهم بشجاعة القائد الأسد وحكمته.

هذا الصمود الذي تسنده الحقوق والقيم والمبادىء والواجبات أيضاً، والذي أنجزه دماء الشهداء البررة، والجراح التي لاتزال تنزُّ فاغرةً عند الصابرين من الجرحى وبقيّة أفراد الشعب الصامد الصابر المؤمن والملتزم بوطنه وبجيشه وقائده، الواعي أبعاد المؤامرة عليه وعلى الوطن والأمّة .

والسوريّون الصامدون، والأمر طبيعي، لا يحفلون كثيراً بمن أعياه أمره، وخاب أمله، وسقط هدفه فاعترف بأنّهم على حقّ وبأنّه على ضلال وخطأ وجريمة من أفراد وعصابات ودول وأنظمة وخونة وعملاء ومرتزقة وتكنوقراط وأُجراء البترودولار وخدم الأعداء التاريخيين، لأنّ هذا الاعتراف المرّ لا يجدي الأيامى والثكالى والأرامل الطاهرين شيئاً، ولا يعيد وطنَهم شعباً وقرى ومدناً ومؤسسات إلى نضارة وزهو ما قبل عام 2011 .

هم يعرفون ذلك، وقد انتصروا فعلاً، هم صمدوا منذ البداية لأنّ الصمود عندهم عقيدةٌ وواجبٌ بغض ّالنظر عن النتيجة، مقابل الذين خانوا وتآمروا بغضّ النظر عن النتيجة أيضاً، فلحقهم الذلّ والعار وغضب الشعب ولعنة الله والتاريخ والمستقبل لتجاهلهم حال الأيتام على موائد اللئام.

وبغضّ النظر عن تلك الاعترافات، فإنّ أثرَ الصمود في واحدة من أطول الحروب وأوسعها اشتباكاً عبر التاريخ أكبرُ من الاعترافات والاعتذارات التي نحن على يقينٍ بتواليها، وبأنّها ستنتهي كسرديّة تاريخيّة وواقعيّة أولاً إلى مدوّنات تبيّن أثرَ صمود القائد الأسد بقيمه ومبادئه، بوطنيّته وعروبيّته وإنسانيّته، بشجاعته وحكمته في:

– لجم وحوش العصر الذين تدفّقوا من أربع جهات الأرض تدعمهم أنظمة هي مثلهم وحوش العصر حيث سيتبادلون الخشيةَ والخوف والندم والدم عبر الزمن.

– دعم وتعزيز المحور العالمي في المنطقة والعالم المقاوم للهيمنة والتفرّد والاستبداد والاحتلال والاستيطان.

– تقديم درس لشعوب العالم ولقادته في أنّ الإيمان بالحقوق والواجبات والتضحية في سبيلها هو قوّةٌ وشرف ونجاح أيضاً. وقد سدّدت سورية ضريبة مسبقة باهظة عن أحرار العالم.

– في إمكانية النجاح في تحطيم خطط ومؤامرات وخرائط جيوسياسيّة لقوى كانت تظنّ نفسها عظمى لا تنكسر، وإذ بها تنكفىء خائبةً أمام شعوبها وشعوب العالم، ليتأكّد أنّ دخول الامبريالية في الطور الوحشي قابله وهزمه نهوضٌ وتحدٍّ واتحاد عالمي واسع كان الصمود السوري أحد أهمّ أعمدته.

ومع أنّنا نقرأ يومياً تعليقاتٍ عن أسباب اعتراف مسؤولين في المنطقة والعالم بالخطأ والفشل – ويحمّله إلى المسؤولين السابقين – وضرورة التراجع عما اقترفوه بحقّ سورية شعباً وجيشاً وقائداً، فإنّ قسماً من هذه التعليقات لا يغفر لهؤلاء الخطأ ولا الجريمة، فمثلاً في العددين الأخيرين من النيوزويك الأمريكية كثيرٌ من هذا القبيل، وفي عدد أول أمس خطاب إلى الأمريكيين بأنّ: (مهمّة بلادهم فاشلة في سورية ولا يجب تحويلها إلى كارثة، بل باتت قيمةً مشكوكاً فيها.. لقد انتصر الأسد في الحرب، وهذه معلومات ليست جديدة، وعلى صانعي القرار عندنا أن يتعاملوا مع هذا الواقع كما هو، وليس كما يرغبون في أن يكون، نظراً لكون تسليح وتدريب الإرهابيين ضد الأسد هو الهدف الأساسي للتدخّل الأمريكي… إذن، لا تزال الاستراتيجية الأمريكية وراء العصر). ومع الأيام سنسمع كثيراً من هذا القبيل في المنطقة والعالم.

بالنتيجة: علينا أن نبادر إلى كتابة السرديّة الحقيقيّة للعدوان علينا، فعلى مؤسّساتنا التربوية والأكاديميّة والثقافيّة والإعلاميّة.. أن تفتنّ في صياغة هذه السرديّة وتلقينها للناشئة حتى لا يُعبث بعقولها مرّة أخرى في زمن للنيوليبرالية فيه نصيب، ومع أنّنا نأمل بواقع محليّ وإقليميّ ودوليّ أفضل، لكن عندنا : الأمل بالعمل.