ثقافةصحيفة البعث

بعد الغزو الثقافي.. ثقافة التفاهة

لم يعد الغزو الثقافي الذي كان يتمّ بنظريات وتيارات وشخصيات ثقافية هو ما نشكو منه اليوم، ويبدو أننا سنترحم على أيامه في عصر غزتنا فيه التفاهة وكل ما هو استهلاكي، وهو ما أجمع عليه د. إبراهيم زعرور رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب والأديب عماد الدين إبراهيم مدير الفضائية السورية ضمن سلسلة ندوات الغزو الثقافي التي اعتاد أن يديرها الإعلامي محمد خالد الخضر في المركز الثقافي العربي– أبو رمانة.

لغة القوة والهيمنة

رأى د. إبراهيم زعرور أن الحديث عن موضوع الغزو الثقافي هو الأخطر في تاريخ البشرية وتاريخ الوطن العربي حسب الباحثين والاستراتيجيين والدارسين والمهتمين، لأن الغزو الثقافي هو احتلال للعقل وهيمنة عليه، وهو استلاب للإرادة ويستهدف الذاكرة والموروثات والقيم والجوانب الحضارية المهمة في تاريخ كل شعب بهدف تدمير الأمة بحضارتها والشعب في روحانياته ومشروعه الوطني والقومي والذهاب إلى ما هو أخطر وهو تفتيت وتدمير وتقسيم وتجزئة المجتمع على أسس دينية ومذهبية وطائفية تحت مسميات لاعلاقة لها بالحياة والواقع، في حين أن الإنسان مهما كانت عقيدته هو الأساس، والديانات والأيديولوجيات والمعتقدات هي لخدمته، وأي خروج عن ذلك هو محاولة لتقديم مسوغات من أجل تدمير المجتمعات البشرية، في حين أن هوية الأمة قضية أساسية وجوهرية، مبيناً أن الغزو الثقافي يحتلّ عقول الجميع في ظل انتشار تقنية المعلومات المفتوحة وتحول العالم إلى قرية فضائية تتحكم بها وسائل التواصل والجوال الذي أصبح صديق أطفالنا وشبابنا الذين هجروا الكتاب في ظل تسيّد لغة القوة والهيمنة والسيطرة على كل شيء، وهذا برأيه انعكس سلباً على الأدب لأنه جزء من المنظومة الثقافية، حيث لم يعد له مكان أمام إغراءات العالم المفتوح ووسائل التواصل والمحطات الفضائية التي تروج بشكل وحشي لثقافة الاستهلاك وتغييب القيم والموروثات ومحاربة اللغة العربية.

نظام التفاهة

وأشار الأديب عماد الدين إبراهيم إلى أننا بتنا في هذه المرحلة نترحم على أيام الغزو الثقافي الذي كان يتمّ من خلال نظريات معرفية أو ثقافية كانت تشكل خطراً علينا، فلم نعد نغزى ثقافياً بل نعيش بما يُسمّى ثقافة التفاهة، والإعلام هو المنبر الأساس عبر تقديم برامج تافهة، الهدف منها تسطيح العقل، وهي إحدى أهداف الهيمنة الأميركية للسيطرة لإبعاد إعمال العقل، حتى في البرامج التي تحمل عناوين ثقافية ولاعلاقة لها بالثقافة، مشيراً إلى أنه وعلى الرغم من وجود كتب نبّهت إلى ذلك ومنها كتاب “نظام التفاهة” الذي بيَّن فيه مؤلفُه آلان دونو كيف تُصدّر التفاهة بكل أشكالها إلى دول العالم، وخاصة في المجال الإعلامي من خلال البرامج السطحية التي تعمّم التفاهة تحت مسميات الحرية وحرية الفرد والتي توجد لها مبررات عقلية وصحية ونفسية كثيرة، ولكن بالنظر إليها نرى أنها مقنعة ووراءها أهداف شريرة هي إبعاد إعمال العقل لدى الناس، وقد نجحت قوة المال في أن تفرضها، ولذلك رأى إبراهيم أنه علينا الحذر من التعاطي مع هذا الإعلام وأن نتجنبه ونقدّم رسالتنا القومية العروبية أو الوطنية، مؤكداً أن الطرف الوحيد في منطقتنا المهيّأ لمواجهة هذا الغزو التافه ربما يكون محور المقاومة، فهو الوحيد المؤهل لطرح وجهة نظر تحمل رسالة وطنية وإنسانية، منوهاً بأن الإنسان يصبح إنساناً عندما يعمل عقله ولا يضعه جانباً، وهو عندما يلتفت إلى شهواته ومتعه وسعادته الرخيصة سيتحول إلى كائن بيولوجي، وشتان بين الإنسان البيولوجي والإنسان المفكر. ودعا إبراهيم إلى مواجهة هذا الغزو، كلّ منا بطريقته وأسلوبه وموقعه، ورأى أن أفضل طريقة يسلكها الجميع هي “أعمل عقلك النقدي في كل ما يُقدّم إليك لأن الآخرين يريدونك غبياً وعندما تصبح ذكياً تكون قد انتصرت عليهم”، مؤكداً من خلال عمله الإعلامي ضرورة أن نرفع في كل ما يُقدّم في إعلامنا الوطني شعار “تقديم ما يرضي عامة الناس وأهل الاختصاص”، حيث لا يكفي إرضاء طرف واحد، وهذا لا ينجح به إلا الصحفي والإعلامي النبيل، وهي مهمة صعبة برأيه لأن من مظاهر الغزو الإعلامي اليوم أن نسبة المشاهدات أصبحت معياراً لاستمرار البرنامج أو توقفه في مجتمع نسبة الأمية فيه عالية ليكون السؤال: كيف سيقيّم هؤلاء ما سيشاهدونه؟ منوهاً بما أورده أحمد أبو زيد مجيباً عن هذا التساؤل حين قال في كتابه “مستقبليات”: “الخوف أن يصبح الإعلام الجديد أداة لنقل وتوصيل الرسائل المناوئة للثقافة الراقية والفكر المنفتح المستنير والقيم الرفيعة، وأن يوجه خطابه بدلاً من ذلك إلى ممالأة الجماهير التي ينقصها الوعي بمشكلات العصر وانعكاساتها على المجتمعات التي تعيش فيها والتي يمكن أن تخضع بسهولة للتأثيرات السلبية لتلك البرامج الإعلامية الرافضة لكل القيم والمبادئ الإنسانية الرفيعة، وتثير هذه التطورات الشكوك حول الدور الذي سوف يطلع به الإعلام الجديد، وأن الاتجاهات السطحية التي تسيطر الآن على السياسات الإعلامية تسعى لتحقيق أكبر من الربح المادي للشركات الرأسمالية الكبرى”.. ومن خلال موقعه كمدير للفضائية السورية بيّن إبراهيم أنه حاول في الدورة البرامجية القادمة تخصيص مساحة واسعة من الإرسال للبرامج الثقافية بثوب جميل وجذاب وبرامج فنية راقية للارتقاء بالذائقة العامة انطلاقاً من إيمانه أن رسالة الإعلام الوطني يجب أن تكون حواملها على مقدار عظمة رسالته الوطنية من خلال تقديم رسائل إعلامية راقية ترضي الجميع ضمن الإمكانيات المتاحة.

أجندات خاصة

يتجلّى نظام التفاهة كذلك في الغرب، وخاصةً في الولايات المتحدة، وأشار إبراهيم إلى أن جورج بوش الابن عندما أصبح رئيس الولايات المتحدة قال: “لقد امتد بي العمر حتى أرى أغبى أولادي رئيساً للولايات المتحدة، في حين أن كل من يلتقي بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني يقول إنه لم يرَ شخصية غبية مثله، كما أكدت الدراسات الأميركية أن دونالد ترامب أغبى الرؤساء الذين وصلوا إلى البيت الأبيض، ورأى إبراهيم أن هذا الوضع استدعى سؤالاً هو لماذا يصل التافهون إلى مواقع القرار؟ والجواب برأيه أن هناك من يعمل على إيصال التافهين إلى مواقع القرار لتمرير أجنداتهم الخاصة.

أمينة عباس