الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

إشارتا تعجّب

عبد الكريم النّاعم

الإشارة الأولى 

من خلال متابعتي المتواضعة لما يُنشر على صفحات التواصل الاجتماعي، ومن خلال ما نشرتُه من قصائد، لاحظتُ أنّ عدد الإعجابات للقصائد العموديّة ينال إعجابات أكثر من القصائد الملتزمة بنظام التّفعيلة، وهذا يدلّ على أنّ رنّة العمود التي يختزنها القارئ، منذ الصفوف الأولى في مدارسنا قد لازمتْه، وربّما لم يكن ما حصّله أفضل بكثير حتى وهو يدرس إجازة الأدب العربي في الجامعة، لأنّ ما تزوّده به جامعاتنا، بحسب مُطالعتنا ومتابعتنا، تشير إلى أنّه لم يختزن جديّاً إلا ما يؤهّله للنجاح، وهو نجاح قد يحتاج للتوقّف، إذ أنّ معظم خريجي كليّة الآداب لا يستطيع أن يقرأ ارتجالاً نصّاً مؤلّفاً من عشرة جُمل دون أن يخطئ نحويّاً، وتلك سمة تدلّ على مدى التدهور في تعليمنا بعامّة، حتى لتنطبق علينا مقولة المصائب لا تأتي فُرادى، وما ذكرناه يشكّل مناخاً مساعداً للخراب الذي ضرب بلدنا، فثمّة مقدّمات مهّدت لِما حدث، وكانت عاملاً مساعداً فيها، وإنْ كان عن غير قصْد، وهي من نقاط الضعف التي تساعد العدو للاستفادة منها.

إشارات الإعجاب التي تتوالى متكاثرة تكاثر الفطْر تنهال على نصوص على درجة عالية من الرداءة، ولاسيّما ما يُسمّى منها قصيدة نثر، هذا الباب العريض الذي يتّسع اتّساع جهنّم، وهذا يدلّ على جهل مركّب، كما يشير إلى مدى الانحدار الثقافي، وكم تنثال الإعجابات حين تكون الكاتبة أنثى، حتى لكأنّ عقدة الكبت المتحكّمة تبحث عن فسحة لتنفث ذلك البخار المكبوت، ويضاعف المشكلة أنّ ثمّة مواقع، لا أعرف شيئاً عنها تمنح شهادات مزخرفة، وتزيّنها بتطييبات، ما أظنّ أنّها بريئة، وقد تكون تؤدّي دوراً مرسوماً لها في سياق تنفيه الثقافة، التي تُعتبَر شرطاً من شروط النهوض من الكَبْوة، علماً أنّ ما يُنشر لشعراء مشهود لهم يلتزم نظام التفعيلة فيه من الشعرية والجماليّة ما لا يتلمّسه إلاّ صاحب ذائقة إبداعيّة.

الإشارة الثانية

نشرت وزارة التعليم أنّها ستعتمد في التّواصل مع الطلاّب على الكتاب الإلكتروني، لمنع الاعتماد على الملخَّصات المُخيّبة، وهذا يفترض أنّ جميع الطلاّب لديهم كمبيوترات في بيوتهم، وأنّ التيّار الكهربائي متوفّر دائماً، ونحن الذين نعاني من الكهرباء ما لا يخفى على أحد، كما يفترض أنّ طلاّبنا جميعاً قد اتّبعوا دورات تؤهّلهم لاستخدام الكمبيوتر، وللحصول على الكتاب الرقمي، وتخزينه، والعودة إليه ساعة يحتاجه، فهل ما ذكرناه يتماشى مع الواقع؟!!.

ما أدري مَن الذي قدّم هذا الاقتراح، ولا على أيّة أسس أُقرّ، إلاّ إذا كان ذلك نقلاً عن بعض البلدان المتقدّمة التي لا تعرف شيئاً عن انقطاع الكهرباء، وهذا يذكّرنا بما نُقل إلى ساحة التربية والتعليم حين استفاد البعض من مناهج معتمدة في بلدان تختلف جذريّاً، من حيث ثقافة البيت، ومن مستوى التغذية التي تلعب دوراً رئيسياً في قدرات الطالب، كما يختلف عدد الفصل الواحد، فكم هو الفرق بين فصل فيه عشرة طلاب مثلاً، وفصل فيه خمسون طالباً، وكم الفرق مؤلماً بين أعلى راتب يتقاضاه المعلّم في تلك البلدان، وبين راتب لا يكفي لتقطيع الأسبوع الأول من الشهر؟!.

أنا أعتقد أنّ ما نحتاج إليه هو أن نبحث عن حلول تناسب البيئة الاجتماعيّة والثقافيّة والغذائيّة للمجتمع الذي نعيش فيه، لا أن يكون دور البعض مجرّد النّقل غير المسؤول، إذْ لو وُجدت مسؤوليّة في بعض ما يُتّخذ من قرارات لما كانت تلك الفجوات التي تمرّ منها كلّ الرياح القادرة على اقتلاع حتى الجذور العميقة الضاربة.

aaalnaem@gmail.com