مجلة البعث الأسبوعية

ماذا لو لم تحصل الحرب ؟

د. مهدي دخل الله

سؤال افتراضي لأن الحرب فد حصلت فعلاً . لكن مغزى السؤال يتلخص في الإشارة إلى خسائر الحرب و (أو) كشف الأسباب الحقيقية وراء هذا الهيجان المنفلت من عقاله ضد بلد صغير مسالم … ومقاوم ، اسمه سورية ..

الجواب سأقوله فوراً : لو أن الحرب لم تحصل لكان بلدنا اليوم مدرسة تحتذى ، لأن سورية أثبتت ما كان يعتقده غالبية التيارات مستحيلاً ، لقد أثبتت :

1- أن الاستقــلال الناجــز ، سياسيــاً واقتصاديــاً ، ممكن .. فنحــن بلــد فريد في أن قراره (من رأسه) لا يجرؤ أن يتدخل فيه سفير أو هاتف من وزير خارجية دولة عظمى .. وفيما يخص الاقتصاد نحن بلد فريد في أنه استطاع تحقيق نمواً دون ديون وارتهان للبيوتات المالية العالمية على الرغم من أننا بلد فقير بالموارد الطبيعية مقارنة مع العراق وليبيا والجزائر وإيران ودول الخليج العربي ومصر (قناة السويس) ..

2- أن من الممكن لبلد أن ينمو بوتيرة معقولة على الرغم من أنه بلد مقاوم ولديه جيش قوي . وهذا الموضوع يلتهم جزءاً مهماً من الدخل الوطني .. (على سبيل المثال : من أسباب نجاح اليابان الاقتصادي أن ليس لديها تكاليف دفاع عسكرية بسبب منعها من تأسيس جيش بعد الحرب العالمية الثانية … المادة /9/ من الدستور الياباني بعد اتفاق ماك آرثر – هيروهيتو ، وقبول اليابان إعلان بوتسوام ) ..

3- أن البلد ممكن أن يرفع دخل الفرد بوتيرة معقولة على الرغم من وجود وتيرة مرتفعة لزيادة السكان (حوالي 3% سنوياً ). وقد ارتفع نصيب الفرد من الدخل الوطني إلى ما يعادل 800 دولار سنوياً ، إضافة إلى دائرة واسعة من الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية ودعم للمواد الأساسية . علما أن الراتب الوسطي للموظف كان حوالي ما يعادل 500 دولار ، مع مواد تموينية رخيصة جدا و دعم لقطاعات النقل والخدمات الأخرى .

4- أن مستوى الخدمات الاجتماعية كان أعلى نسبياً من مستوى تطور الاقتصاد العام .. لايوجد بلد في العالم، كسورية ، يستطيع موظف صغير أو عامل أن يربي عشرة أولاد ويصبح نصفهم أطباء والنصف الآخر مهندسين أو محاميِّين .. ولا يوجد بلد في العالم آباء بعض وزرائه ورؤساء حكومته وسفرائه موظفون بسيطون جداً أو مزارعون ..

باختصار… هذه الحروب المنفلته من عقالها ضد بلد صغير ، حروب عسكرية و إرهابية و مالية و لوجستية و اقتصادية و إعلامية و نفسية و ديبلوماسية و سياسية ، لم يكن هدفها إنهاء (( النظام )) وإنما كان ذلك مجرد مقدمة لتحقيق الهدف الأساسي الذي هو إنهاء الظاهرة السورية .

ويمكننا أن نتصور لو أن الحرب لم تندلع كيف ستكون صورة سورية اليوم بعد عقد من استمرار وتيرة النمو في جميع الاتجاهات . لاشك أنها ستكون مثالا محفزا للشعوب في الوطن العربي ، وأوسع من ذلك كي تتطلع هي الأخرى بقوة إلى نموها الشامل والمستقل … فهل بقي هناك من يستغرب لماذا كل هذه الحروب ضد بلد صغير ؟؟..