ثقافةصحيفة البعث

علاء السيد يضيء على العمق التأريخي للأرمن ويعري “السلطان الأحمر”

حلب – غالية خوجة

استضاف مسرح نظاريان بحلب – العزيزية، المحامي الباحث علاء نديم السيد بدعوة من الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية، ليناقش “العمق التأريخي للأرمن في حلب وأثر الإبادة”، مرتكزاً على عدة محاور، أهمها المجازر المتلاحقة التي تعرّض لها الأرمن عبر التاريخ منذ عصر دولة الخزر وانتهاءً بالإبادة الممنهجة التي قامت بها تركيا مطلع القرن العشرين، عارضاً الحقائق والوثائق والخرائط والصور النادرة عن هذا التأريخ، لافتاً إلى ألفيتين من السنين تربط الأرمن بحلب، وتشكيلهم لحالة متناغمة مع الواقع الاجتماعي السوري الفسيفسائي، خصوصاً، في حلب التي همت بأهاليها لاستقبالهم واحتضانهم، كعادتها مع جميع من يشعر فيها بالمحبة والأمان.

أرمينيا ابنة العصور الأولى

أمّا عن تأريخ الأرمن وممالكهم ومسيرة حياتهم على الأرض، فأخبر السيد “البعث”: تأريخ أرمينيا ممتد منذ العصور الأولى، ولها علاقات مع كل من اليونان وفارس وروما وبيزنطة والأمويين والعباسيين، كما أن لكنيستها الأرمنية المشرقية عمقها الواضح، وأذكر أن أهم مملكتين أرمنيتين هما مملكة ديكران الأرمنية الأولى، والمملكة الأرمنية البقردونية. وأضاف: كما تنبع أهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي للهضبة الأرمنية، خصوصاً، على طرق التجارة العالمية، وقرب هذه الهضبة نسبياً من حلب وارتباط التّجار الأرمن بالتجار في حلب منذ 2300 عام، كما ارتبط العالم بحلب من خلال طريق الحرير وأهميته القديمة، والتي هي قيد التجديد في مرحلتنا الراهنة.

الأتراك الخزر والمجازر

وماذا عن الأتراك والأرمن؟.. أجاب: الأتراك الخزر ارتكبوا سلسلة المذابح بحق الأرمن منذ ألف عام حتى وصولهم للمجازر التي ارتكبتها كتائب السلطان عبد الحميد عام 1895، والتي أفرد لها فصلاً موثقاً في كتابي الصادر حديثاً “أوهام الذات المقدسة- السلطان عبد الحميد الثاني”، والذي أثار جدلاً واسعاً، ومنع في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي أقيم مؤخراً، وألفت إلى أصول القبائل التركية الخزرية التي تحوّلت لقبائل الأتراك السلاجقة ثم العثمانيين، وتحول قسم منها للديانة اليهودية، وهم هؤلاء الأتراك الخزر أصحاب المجازر.

تسمية أطلقها على نفسه 

وعندما سألته: لماذا هذا العنوان بالذات؟.. أجاب: الاسم الغريب للكتاب، ومنه “الذات المقدسة”، مستمد من التسمية التي أطلقها السلطان عبد الحميد على نفسه في الدستور الأول الذي أقرّه بعد توليه الحكم، وهي صفة تنافي طروحاته التي زعم فيها أنه خليفة للمسلمين، فلا يجوز أن يطرح الخليفة الإسلامي نفسه كذات مقدسة، ولن ينسى التأريخ الإنساني كيف أبيد الأرمن في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وكيف صارت سورية وطنهم، وكيف كانت حلب وما زالت المدينة العريقة التي تحتضن الأرمن وكلّ من يستظل بظلها الحنون.

أمّا هدف الكتاب فهو توضيح الرؤية وتسليط الضوء على تفسيرات مختلفة غير تقليدية للأحداث التاريخية المرتبطة بموضوع الكتاب الذي اعتمدت فيه على 86 مصدراً ومرجعاً، وضمنته 595 إشارة توثيقية مرجعية، لأنني حرصت أن يكون مرجعاً علمياً مؤلفاً من 316 صفحة، ومقسماً إلى تمهيد وسبعة فصول.

تعرية مخطط الدم والإخوان والصهاينة 

واسترسل: بشكل مفصل ودقيق أوضح في التمهيد عملية قيام الأحزاب السياسية الإسلامية التركية الداعمة لتنظيمات الإخوان المسلمين في البلاد العربية، منذ نهاية الستينيات عبوراً بالقرن العشرين وصولاً إلى زمننا الحالي، والتي لمعت صورة السلطان عبد الحميد من خلال عشرات الكتب، وابتداع فكرة أنه رفض بيع فلسطين لهرتزل الصهيوني خلافاً للواقع، وذلك في مواجهة أتاتورك الذي اختارته الأحزاب العلمانية التركية، وأشير إلى رفض شعوب الشرق الأوسط الحكم السياسي التركي المخالف لقومية هذه الشعوب، وللحكم التركي الحالي وحزب العدالة والتنمية الإخواني، كما ترفض التدخل في شؤونها في كل بقعة من هذه الأرض، سواء في سورية أو ليبيا أو الصومال أو لبنان أو الخليج العربي، لذا كان لا بد من تعرية المخطّط الإخواني.

السلطان الأحمر 

وعن فصول الكتاب، قال: درست شخصية عبد الحميد في الفصل الأول معتمداً على مصادر موثقة كتبها معاصروه قبل تلميعه، ليتبيّن أنها شخصية مهزوزة، وفي الفصل الثاني، حاكمت الإنجازات المنسوبة لهذا السلطان المهزوز محاكمة عقلانية لنكتشف أن تلك الإنجازات الاقتصادية والعسكرية والعلمية هي ظاهرية فارغة، وتناولت في الفصل الثالث كيف تخلّى عبد الحميد عن مواطنيه من أهالي البوسنة والهرسك وتركهم للنمسا مما أدى لاحقاً لمذابح البوسنة والهرسك.

وتابع: ناقشت في الفصل الرابع كيف يمتطي سلاطين تركيا مفهوم الخلافة للسيطرة عقائدياً على الشعوب الإسلامية رغم عدم وجود أي انتماء إسلامي حقيقي لديهم، وناقشت في الفصل الخامس موضوع رسالة عبد الحميد لشيخه أبو الشامات، والتي روّجت لها الأحزاب الإسلامية كوثيقة تثبت دور عبد الحميد في حماية القدس، لكنني أثبت أن هذه الوثيقة مزورة مع صورته الموهومة المروجة لبطولته الزائفة ودعاية أن اليهود خلعوه تبعاً لهذا الترويج. وتابعت في الفصل السادس مناقشتي التوثيقية العلمية للعلاقة السياسية والاقتصادية المتينة التي كانت تربط عبد الحميد باليهودي العالمي البارون روتشيلد وكيف منحهم عبد الحميد الفرصة لاستيطان القدس وفلسطين بصمت وهدوء، كما شرحت علاقة عبد الحميد الحقيقية بهرتزل الصهيوني، واختتمت كتابي بالفصل السابع موثقاً المجازر التي ارتكبها عبد الحميد بحق الأرمن، وذلك قبل المجزرة الأرمنية الكبرى بخمسة عشر عاماً مما أدى لوصمه بالسلطان الأحمر، وهذا كان مما تطرقت إليه في محاضرتي أيضاً.