اقتصادصحيفة البعث

بعناية وزير “تنمية المنطقة الجنوبية”!

قسيم دحدل

لا يمكن لأحد إنكار أن بلدنا بلد زراعي بامتياز، حيث كانت الزراعة تشكّل أكثر من خُمس الناتج المحلي الإجمالي الوطني، حقيقة أدت للتركيز – حتى عام ألفين – على استثمار الحكومة بكثافة في القطاع الزراعي لتحقق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية الرئيسية بهدف تجنَّب الاعتماد على المساعدات الخارجية، الأمر الذي مكننا من الوصول إلى “احتياطي استراتيجي” من القمح وصل إلى نحو 3.5 مليون طن، أي ما يكفي البلاد بأكملها لمدة عام كامل.

ليس هذا فحسب، بل استطاعت سورية أن تكون – قبل الخريف المزعوم عربياً – واحدة من كبار المصدّرين للحبوب والفاكهة والخضروات، والعديد من المنتجات الغذائية إلى الدول المجاورة ودول الخليج، حتى إنها وصلت للمراتب الأولى في إنتاج عدد من المحاصيل الزراعية.

اليوم للأسف الشديد ليس كما سلف، لأسباب عدة، وإن كنَّا نتفهم الموضوعي منها ونأخذه بالحسبان حين الحديث عن الواقع الحالي لزراعتنا، إلا أن ما لا يمكن فهمه، خاصة بعد مرور أكثر من سنتين على الاستقرار النسبي بالغ الأهمية، وعودة الدولة وسيادتها على مساحات كبرى بما فيها من موارد لاسيما المائية، عدم الوصول لإمكانية تحقيق إدارة مثلى وناجعة لتلك الموارد، واستثمارها لأقصى الحدود، حيث مؤشرات الأمن الغذائي العالمي عامة، والمحلي خاصة تنبئ بتحديات جمة، إن لم نستنفر لها بشكل فاعل وواسع فإن التخوف مما لا تحمد عقباه سيلقي بظلاله القاتمة على مستقبلنا الزراعي وأمننا الغذائي.

ونكاد نجزم أن أهم ما يجب القيام به سريعاً ودون أي إبطاء العمل على صياغة إدارة مواردنا المائية المتاحة بما يكفل الاستفادة القصوى من كل قطرة مطر تهطل ضمن المساحة المتاحة، حيث كابوس التغيير المناخي حقيقي لا فزاعة.

هنا نسأل على سبيل المثال لا الحصر: هل من المنطقي والمقبول أن تظل آلاف مؤلفة من الدونمات الزراعية في المنطقة الجنوبية، وتحديداً الجنوبية الشرقية، رهينة توفر المياه التي تهدر في أماكن لا تبعد عن تلك المنطقة سوى عشرات الكيلومترات؟!

مساحات مزروعة بالقمح والشعير لو أُتيحت وتوفرت لها رية أو ريتان (إنعاش فقط) في نيسان لكانت مشاهد سهولها تثلج صدر اقتصادنا، وتسر خاطر أمننا الغذائي، وتحمي مئات الفلاحين من العوز والحاجة، وبالتالي هجرة تلك المساحات وتركها فريسة التصحر!.

السؤال الذي يجب أن تعطى الإجابة عنه أولوية، والموجّه إلى وزير تنمية المنطقة الجنوبية خاصة، ووزارة الموارد المائية أيضاً: لماذا لا يتم ضخ المياه (رفعها ثم تسييلها لا تخزينها) للمناطق الجنوبية الشرقية من المنطقة الغربية بمحافظة درعا والقنيطرة خلال فترة الفيض بدلاً من أن تذهب هدراً (تخريباً أو إهمالاً!) إلى الأردن؟! ولماذا لا يتم الاستثمار الأمثل زراعياً لحوض الأزرق، بينما يتم ذلك في الأردن الذي يشاطئنا الحوض؟!

رية أو ريتان فقط لو تم تأمين ذلك لكانت بيادر قمحنا وشعيرنا تضحك، ولكن على ما يبدو أن هناك من لا يريد لتلك السهول والبيادر مجرد الابتسامة حتى!!

لا نريد تعبئة المياه في عبوات لبيعها، كما ذكر وزير تنمية المنطقة الجنوبية حين أعلن عن مشروع لأجل ذلك في القنيطرة عام 2018، نريد تحقيق أقصى قيمة مضافة من تلك المياه العذبة لنطبق الآية الكريمة: “وجعلنا من الماء كل شيء حي”.

Qassim1965@gmail.com