ثقافةصحيفة البعث

في دورته الـ 23.. كتّاب “الأدب الوجيز” يتجاوزون الأزمات ويتخطون المسافات

في كلّ مرّة يدهشنا أعضاء رابطة أو ملتقى الأدب الوجيز، من حيث حبّهم لما يقدّمونه وشغفهم به، ومتابعة بعضهم البعض من خلال صفحة الملتقى على شبكة التّواصل الاجتماعي “فيسبوك”، والتزامهم بالمشاركة ولو كلّفهم القدوم من محافظات أخرى مشقّة مادّية ومعنويّة، وكما دورات سابقة وفي جلسته الثّالثة والعشرين التي استضافها المركز الثّقافي العربي بـ “أبو رمانة” مؤخّراً، تكبّد المشاركون مشقّة القدوم من اللاذقية وطرطوس وحماة وحمص والسّويداء، طبعاً بالإضافة إلى المشاركين الموجودين في دمشق وريفها، في الوقت الذي ينأى بعض المثقّفين بأنفسهم عن كلّ النّشاطات حتّى ولو كانت بجوار منازلهم بحجّة المواصلات والوقت والتّعب وما إلى ذلك، ومثلهم فعل الدّكتور يوسف حطيني المستقر في الإمارات منذ سنوات، إذ أبى إلّا المشاركة بهذه الدّورة من خلال إهداء كتابه – الصّادر عن دار “توتول” بدمشق – “القصيدة القصيرة جدّاً.. جذورها وتداخلاتها وملامحها” لمن حضر وشارك، فكانت الشّاعرة سمر تغلبي بحملها نسخ الكتاب وأداء الأمانة لا تقلّ حبّاً ونشاطاً عن أعضاء الملتقى. فرصة استغلّها مدير الجلسة الزّميل والأديب علي الرّاعي للتّذكير بأدباء كان لهم السّبق في خوض غمار هذا النّوع الأدبي، ومنهم الدّكتور حطيني وعماد ندّاف وغيرهما.

وعلى خلاف الدّورة السّابقة، اقتصرت المشاركة على الومضات الشّعرية والقصّة القصيرة جدّاً، على الرّغم من وجود بعض القصص التي يمكن عدّها قصّة قصيرة، بينما تنوّعت المواضيع بين السّياسية والاجتماعية والعاطفية والاقتصادية، ليثبت بذلك مشاركون كثر أنّ هذا النّوع الأدبي قادر على تحمّل جميع مواضيعهم واستيعابها وإيصال رسائلهم وأفكارهم التي يبرعون بالتقاطها ونسجها وحياكة دهشتها، لكن يؤخذ على البعض ضعفه في الإلقاء واللغة، وهنا لابدّ لنا من تبرير ذلك برهبة المنبر لمن يشارك للمرّة الأولى والارتباك ومشقّة السّفر والوصول على الوقت تماماً.

ومن القصص القصيرة جداً نختار بدايةً “جلدُ الذات” لهدى إبراهيم أمون: شحَّ الخيرُ في البلدة، كثُرَ المهاجرون وانهمرت دموعُ الوداع، أنعشت الأراضي المقفرة، وكلّما جرى جدولُ دمعٍ جديد، كَثُرَت السنابلُ وارتقى عمرانُ المنازلِ، تزاحمَ الناسُ يلهثونَ نحو الوداع.

ومن دون عناوين، قدّمت الشّاعرة طهران صارم بعضاً من قصصها القصيرة جدّاً، تقصّ: جارتنا.. صباح كلّ عيد تفتح النّافذة، وتحدّق بجارنا الأرمل النّحيل يسير نحو المقبرة.. يحمل عودين من الآس.. تنتظره وتنتظره وحين يعود.. تغلق النّافذة كرصاصة، وتلعن زوجته الميتة.

وبصدمة أنثى أحبّت حدّ الموت، تقصّ صارم: لم نكن أصدقاء بما يكفي.. لأتمنى لك السّعادة حين ودّعتني.. كنّا أكثر من ذلك بكثير.. فتمنيت لك الموت حين هجرتني.

صلاح الأسعد المشارك الوحيد في هذه الدّورة، ولولاه لقلنا إنّها جلسة أنثوية بامتياز، ليكون بذلك تميّزه مضاعفاً، يقصّ تحت عنوان “سقوط”: أدركتِ الخمسينَ وهي المصرّةُ على عدمِ تجاوزِ الخطّ الأحمر.. أمامَ مطعمٍ للشّواء التفَّ على عنقها.

“كمين” عنوان قصّته الثّانية، يقول: انهارَ جدارُ الثّقة.. تصارعَ المتخاصمون على حجارته، دعاهم مَن عبثَ بأساساته.. إلى ضبطِ النّفس.

ومن الومضات الشّعرية التي شاركت فيها أمل الهندي نختار النّص الآتي:

على القشور ترسم الوجوه الضّاحكة

لا أقشر حزني النّاضج

كي لا تسقط الضّحكة

من الّلوحة.

ومن النّصوص التي قدّمتها رجاء الرّاعي نختار:

أضرمت الحرائق في الحروب

لتأكل نفسها

ومن رماد حطامها

رتلت ملامح وعدك الآتي

بـ”العهد الجديد”

فما لنا من سبيل سوى

الرّؤيا.. قيامة.

نجوى صليبه