زواياصحيفة البعث

واشنطن تحوم حول الحِمى وقد ترتع فيه..

ماذا تريد الإدارة الأمريكية الحالية من الاستمرار في استفزاز روسيا حتى بعد بلوغ الأزمة في أوكرانيا مرحلة مفصلية خطيرة؟ وهل تدلّ خطط الرئيس الأمريكي جو بايدن لتزويد أوكرانيا بأربع طائرات مسيّرة قادرة على حمل صواريخ Hellfire  على تخبّط لدى إدارته، أم أن هذا الأمر يتم السير به عن سابق إصرار وتصميم؟.

لا يختلف اثنان على أن الأزمة الأوكرانية الحالية أتاحت لحلف شمال الأطلسي “الناتو” التمدّد نحو الحدود الروسية أكثر من أيّ وقت مضى، فقد تمكّن الحلف بقيادة واشنطن من استثمار الحالة الأوكرانية وهي دولة من خارج الحلف في زيادة ترسانته العسكرية بالقرب من حدود روسيا، كما أنه تمكّن مؤخراً من إقناع دول كانت تقف إلى وقت قريب على الحياد بضرورة الانضمام إلى الحلف، أو لنقُل إنه أوجد ذريعة لحكومات هذه الدول لطلب الانضمام، وهذا ما حصل مع كل من فنلندا والسويد اللتين تعدّان آخر خطوط التماس بين الحلف وروسيا، بعد ضمان تغلغل الحلف إلى أوكرانيا وإن بشكل غير مباشر عبر تنصيب حكومة تابعةٍ للغرب هناك ومناوئةٍ لروسيا في آنٍ معاً.

هذا كله بالإضافة إلى أن واشنطن تمكّنت عبر تعميم فكرة “الرهاب الروسي” من إجبار الدول الأعضاء الرافضة لزيادة إنفاقها العسكري في الحلف على القبول بفكرة زيادة الإنفاق على التسلّح، الأمر الذي حوّل أوروبا بشكل أو بآخر إلى أكبر مستودع للأسلحة والذخيرة في العالم حالياً، حيث بلغت المساعدة الأمريكية العسكرية المقدمة لأوكرانيا 4.6 مليارات دولار منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في 24 شباط 2022، ويُفترض طبعاً أن تتم تغطيتها حسب المعطيات الأخيرة من صادرات القمح الأوكراني التي يجري الحديث عنها بشكل محموم حالياً.

وهذا يعني أن هذه المساعدات العسكرية المقدّمة لأوكرانيا يتم تمويلها بداية من البنتاغون الذي يشتري هذه الأسلحة من شركات السلاح الأمريكية، ثم تقوم الإدارة الأمريكية ذاتها بسحب هذه المبالغ من قيمة القمح والصادرات الأوكرانية الغذائية الأخرى، الأمر الذي يؤدّي إلى إفراغ أوكرانيا من احتياطياتها من الحبوب ليس لمصلحة الدول الفقيرة، بل لمصلحة الخزينة الأمريكية، وبالتالي حرمان هذه الدول من الغذاء ورفع مستوى انعدام الأمن الغذائي في العالم الذي بلغ أصلاً مستويات قياسية على خلفية الحظر المفروض بسبب انتشار وباء كورونا في العالم، وهذا بحدّ ذاته تحريض للدول الفقيرة على روسيا.

وبالعودة إلى مسألة تزايد وتيرة نشر الصواريخ الأمريكية على الحدود الروسية، حذرت موسكو من أن أي محاولة لنشر صواريخ في جزيرة بورنهولم الدنماركية يمكن أن تصيب أهدافاً روسية في منطقة كالينينغراد، ستُشكّل تصعيداً غير مقبول للصراع، حيث تم نشرها هناك للقيام بمهمة ضرب محتملة لمناطق في كالينينغراد في أقصى غرب روسيا.

ومن هنا جاء تحذير رئيس الوفد الروسي خلال مباحثات فيينا حول قضايا الأمن العسكري وضبط التسلح، كونستانتين غافريلوف الولايات المتحدة وتابعيها من أن أي خطوة من هذا القبيل “ستعدّ هجوماً عسكرياً على بلدنا وستؤدّي حتماً إلى تصعيد غير مقبول للصراع”.

وإذا كانت الولايات المتحدة لا تستطيع أن تضمن عدم قيام النظام في كييف مثلاً باستهداف الأراضي الروسية بالصواريخ التي سترسلها إليه، والتي يصل مداها إلى مئات الكيلومترات، فما الذي يمكن أن يحدث لو تم ذلك وأصرّ الجانب الروسي على تنفيذ تهديده باستهداف مراكز صنع القرار في كييف، أو ردّ مباشرة على الجهة التي قدّمت هذه الصواريخ لأوكرانيا، هل تستطيع الإدارة الأمريكية عندها أن تقول إنها لم تكن تتصوّر أن يبلغ هذا الأمر حدّ الصراع المباشر مع موسكو بعد أن حذّر أغلب المسؤولين الروس من ذلك، أم أنها تعتقد أنها إن لم تتمكّن من هزيمة روسيا باستخدام أوكرانيا، فإنها ستقاتل روسيا حتى آخر جندي أوروبي؟ وتخرج منتصرة بعد انهيار الطرفين؟.

وختاماً هل تملك واشنطن القدرة على الطواف حول حمى الحرب دون أن ترتع فيها؟..

يبدو أن الأمر بات مفتوحاً على جميع الاحتمالات.

طلال ياسر الزعبي