ثقافةصحيفة البعث

شمس الدين العجلاني.. شمس الذاكرة السورية

أراد أصدقاء ومحبّو الكاتب الراحل شمس الدين العجلاني الذين اجتمعوا في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة) أن يكون يوم ميلاده مناسبة للحديث عنه بندوة تكريمية أدارتها م. إلهام سلطان، وشارك فيها الشاعران د. جهاد بكفلوني وأ. محمد حسن العلي والإعلامي مصطفى المقداد، للتأكيد على أن الزمن مرّ وهو مقيم في حنايا صدورهم وخفقات قلوبهم، وقد أرادوا أن يعبّروا بطريقتهم الخاصة عن حبّهم له من خلال استذكار ما تركه من سيرة عطرة وإنجازات تُحسَب له شاعراً وصحفياً وباحثاً وموثقاً، مؤكدين أن غيابه شكّل خسارة كبيرة للوسط الثقافي والصحفي والإعلام التوثيقي في سورية، وهو الذي قال “أنا من تعمّد بمياه بردى، وخرج في العراضة الشامية.. أنا من غنّى زيّنو المرجة والمرجة لينا ونادى يا شيخ رسلان يا حامي البر والشام.. أنا من ارتدى الياسمين دثاراً، والغوطة فراشاً، وتحت أقدام قاسيون ولدتُ وعشتُ وعشقتُ وأنجبت.. أنا من سلالة الحب والعشق”.

عاشق دمشق

ولقناعة الشاعر جهاد بكفلوني أن الشعر خيرٌ وأبقى شدا بقافيةٍ عجنها بدم القلب للراحل قال فيها: “إنك في باصرتي وفي نبض قلبي نشيدٌ أستظهره صباح مساء لأنه يجري كما تجري مياه بردى، ولأنك شامخٌ كشموخ قاسيون أستذكر ابنك الشهيد ثائر”. وبيّن بكفلوني أن الراحل كان شمساً أشرقت حياة، وعاشقاً لدمشق، وهو الذي رقد في ثراها، وقبل أن يودّع الحياة شاءت عيناه الباكيتان أن تودعا ابنه الشهيد المراسل الحربي ثائر العجلاني الذي كان نجماً في سماء الإعلام ودفع ثمن موقفه في حب الوطن.

مشروع ثقافي متكامل

وبيّن الإعلامي مصطفى المقداد في حديثه عن الراحل أنه عندما كان صحفياً مبتدئاً يتلمّس طريقه في العمل التقى العجلاني بحكم عمله، فاستقبله الراحل استقبالاً لم ينسَه ولم يغب عن ذاكرته، وفي كل مرة كان يلتقي الراحل كان يقدّم له ما هو جديد دون أن يتكلم به مباشرة، وهذا كان فناً يتقنه الراحل بحرفية ومهنية عالية، حيث كان يدفع نحو العمل بشكلٍ فعّال ومؤثر، ويظهر أنه لا يتدخل به، وهي حالة لمدراء المكاتب الصحفية قلّما نجدها، لذلك تعدّدت فيما بعد اللقاءات بينهما واستمرت حتى رحيله، مذكراً بآخر ما كتبه الراحل عبر صفحات جريدة “الوطن” عندما كان يعدّ لمشروع يتحدث فيه عن أبواب دمشق ولم يسعفه الزمن إلا أن يتحدث عن باب شرقي، وهو الذي كان يسعى لتوثيق الكثير من المعارف المتداولة التي درجت على ألسنة المتابعين والصحفيين في محاولة لإعادة الزهو إلى تاريخنا المجيد. وأكد المقداد أن ما تكلم به عن باب شرقي يفصح عن مشروعه الثقافي الكبير لمتابعة ما بدأه منذ عقود، وهو الذي وثق لمحطات مهمّة من التاريخ، ولكن لم يقيّض لهذا المشروع الاستمرار برحيله، داعياً إلى متابعة هذا المشروع، خاصة وأن منزله يضمّ مكتبة تضمّ عشرات الآلاف من الوثائق التي تحتاج إلى أيدٍ وعقول تعمل عليها ليبقى شمس الدين العجلاني منارة ليس للذكرى إنما معلماً نستهدي به في قادمات الأيام للخروج من النفق المظلم الذي بناه الإرهابيون. وأشار المقداد إلى واحد من كتب العجلاني الذي تحدث فيه عن شيوخ الصحافة في سورية وصدر بالتعاون مع اتحاد الصحفيين، منوهاً بأن العجلاني رحل على باب الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وهو المكان الذي كان يعمل فيه ليوثق بالصورة كما كان يوثق بالكلمة.

عاشق دمشق

ووصفه الشاعر محمد حسن العلي بأنه أحد عشاق دمشق وقامة ثقافية وإرث حضاريّ في مجال العمل بمهنة المتاعب، وكان حريصاً على وضع النقاط فوق الحروف، داعياً للاعتزاز بتاريخنا وتوثيق كلّ النضالات وسجلات الكفاح التي سجلها الشعب السوري، منوهاً بكتابه “التغريبة الدمشقية” الذي تحدث فيه عن معشوقتيه دمشق وزوجته، وهو الذي لم يفرّق بينهما، وكانتا تبادلانه الحب نفسه.

أيقونة وذاكرة وطن

وتحدثت عقيلته م. هدى الحمصي عضو القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي عن مسيرة الراحل الذي ولد في بيت دمشقيّ كبير في حيّ العمارة، وقد كان مميزاً في طفولته، فكان يعزف على القيثارة ويكتب على قصاصات الورق، وكان لأساتذته الدور الأكبر في تشجيعه على الكتابة، ورحل وكان ما زال يحتفظ بما دوَّنه أحدهم حين كتب مخاطباً الراحل: “ستكون أديباً وشاعراً وصحفياً مميزاً” منوهة بأنها تعرّفت إليه وكان في سن 26 ومنذ ذلك الزمن وهو يكتب الشعر والقصائد التي لم ينشر بعضها، مؤكدة أنه عشق الكلمة والشعر والكتابة، والعشق الأكبر له كان لدمشق وهو أرقى وأجمل أنواع العشق برأيها، مشيرة إلى حرصه على أن تكون كل كلمة يكتبها موثقة، وهذه الملكة كان يمتلكها منذ أن كان صغيراً وكبرت لتحفظ إرثه وإرث أولاده، موضحة أن الإرث الثقافي والتراثي والوثائقي والشعري للراحل في الحفظ والصون، وستقوم بإخراجه إلى حيّز الوجود لأن الكلمة لا تموت، والعجلاني هو أيقونة وذاكرة وطن خسره وعائلته الكبيرة والصغيرة، وهي كانت أكبر الخاسرين برحيله.

تضمّنت الندوة عرض فيلم وثائقي لخّص سيرة الراحل الذي ولد في دمشق عام 1950 ورحل منذ عامين بعد أن قضى سنوات طويلة في العمل الصحفي والتوثيقي لتاريخ سورية، وقد صدرت لشمس الدين العجلاني كتب عدة، منها: “مقالات على مائدة التطبيع‏، المزاعم الصهيونية في هيكل سليمان‏، الاعتداء الفرنسي على دمشق-دار البرلمان السوري”، ومن إصداراته الأخيرة كتاب “شْوام شيوخ الصحافة” الذي وثّق فيه حياة 20 صحفياً أسّسوا سورياً للصحافة في البلدان العربية.

أمينة عباس