ثقافةصحيفة البعث

موسيقا التانغو بمشاركة من الأرجنتين وأرمينيا وسورية

مغنية التانغو مارييل دو بوتيت سفيرة الثقافة في بلد آستور بيازولا الأرجنتينية “مار دي بلاتا” وصاحبة ألبوم “لنركض للحب” شدّت جمهور الأوبرا بغنائها التعبيري وتدرجات مقامات صوتها الانفعالية، فصوّرت معاني الأغنيات بأدائها، في الحفل الكبير الذي أُقيم على مسرح الأوبرا بحضور رسمي وجماهيري لافت، ولاسيما لأرمن سورية.

وقد جمع بين سورية والأرجنتين وأرمينيا بتمازج ثقافي يعكس الجذور العميقة بين الأطراف الثلاثة بامتداد العلاقة بينهم منذ القدم، كما قال سفير دولة الأرجنتين في سورية سيبستيان زافالا في المؤتمر الصحفي الذي سبق الحفل: “هناك عامل كبير أغنى الثقافة الأرجنتينية باستيعابها أكبر نسبة مهاجرين من أصول سورية وأرمنية”، فشاركت مغنية التانغو على المسرح زوجها المؤلف الموسيقي والمايسترو وعازف الباندونيون الأرجنتيني والتر ريوس صاحب جائزة الشخصية المميزة لمدينة بونيس آيرس، والذي ألّف الموسيقا التصويرية لأفلام أرجنتينة عدة، كما شاركت فرقة كادانس الأرمنية المؤلفة من خمسة عازفين على البيانو والغيتار والأكورديون والكمان والكونترباص التي عزفت مؤلفات آستور بيازولا (1921-1992)، ثم توسّعت ببرامجها وجالت العالم، فامتزجت موسيقاها مع مجموعة من الموسيقيين السوريين للوتريات والإيقاعيات المنوعة اللحنية والخشبية بدور الدرامز المميز بقيادة جماعية للمايسترو ميساك باغبودريان. فنقلت هذه التشكيلة سحر موسيقا التانغو لأجمل مقطوعات آستور بيازولا وأشهرها بإبداعه الفائق بدمج عناصر موسيقا التانغو الحزينة رغم الفرح، الملقبة بأحزان راقصة بين موسيقا التانغو التقليدية والجاز والموسيقا الكلاسيكية.

كما عزفت مقطوعات أخرى ضمن الحفل الذي استمر قرابة ساعتين، فشغلت الافتتاحية مقطوعة آستور بيازولا “الفصول الأربعة” التي استوحاها من مدينة بونيس آيريس محوراً أساسياً بالحفل، برؤية خاصة للنسخة التي أعدّها الموسيقي الأرمني قبلكارين أنانيان الذي أدخل تقنيات حديثة إلى الموسيقا، فبدأت بالخريف ثم الشتاء ثم الربيع ثم الصيف، وأخذ الأكورديون دوراً أساسياً بالتداخل الموسيقي وبالعزف المنفرد للعازف ميرزوهان يغانيان، ومضت الألحان بمرافقة الوتريات بنغمات رقيقة للآلات الأساسية لفرقة كانداس وخاصة البيانو –صوفي ميكابيليان– والكمان–فارذازاد خاتشوفيان- واتسمت المقطوعة بتغييرات لحنية وانتقالات سريعة ذات زخم قوي خاصة بحركة فصل الشتاء.

الباندونيون

أما برنامج الحفل فبدأ بمقطوعة المؤلف الأرجنتيني أنيبال ترولو (1914-1975) تشي باندونيون بمشاركة العازف الأرجنتيني والتر ريوس على آلة الباندونيون التي أهداه إياها آستور بيازولا، وتعدّ نوعاً من آلات الأكورديون وأصغر حجماً منها، وهي من الآلات الشعبية الخاصة بالأرجنتين والأورغواي وليتوانيا والأساسية بموسيقا التانغو. ثم تغيّرت أجواء الحفل بغناء مارييل دو بيت مقدمة عام “3001” لآستور بيازولا كلمات أورانسيو فيرير مع نغمات البيانو والوتريات والأكورديون والإيقاعيات ودور الدرامز، وقد أوحى غناء مارييل الانفعالي بصوت أعلى من الموسيقا بالصراع الدرامي.

ملك الأغنية الأرمنية

وبعدها عزفت أغنية عشق أرمنية من التراث الأرمني للشاعر سايات نوفا الذي لُقب بملك الأغنية الأرمنية (1712-1795) بدأت بنغمات البيانو والوتريات ومضت الألحان مع تداخل البيانو والأكورديون، ودور الغيتار –هاكوب تشاغا تسبانيان– كما تابعت مارييل بغناء العودة إلى الجنوب لآستور بيازولا كلمات بينو سولاناس، مع البيانو بشكل خاص وبألحان عاطفية بين آلات الفرقة، وبإبهار موسيقي عزف والتر روس على الباندونيون مع مشاركة الفرقة بمقطوعتين من مؤلفاته اليوم التالي، ثم أمسية في تموز التي بدأت بنغمات حزينة على التشيللو والباندونيون وامتدادات وترية ليتصاعد اللحن، وعادت مارييل بغناء اسمي ماريا كلمات هوراكو فيري للمؤلف بيازولا، وتميزت بجمالية اللحن.

الرقصة السينمائية

وتعود الموسيقا الآلية لمؤلفات بيازولا، فعزفت موسيقا الأغنية التي حقّقت شهرة في أرجاء العالم “وداعاً جدي (أبي)” ذات الألحان الحزينة وزاد من تأثيرها عزف والتر روس، ثم المقطوعة القريبة من عشاق التانغو “”libertango بحضور خاص للأكورديون، واختُتمت بموسيقا الرقصة العاطفية التي يتوحد بها العاشقان مع الموسيقا، الرقصة الأكثر شهرة بالعالم والتي وُظفت بالسينما العالمية “lacumparsita” تخللها فاصل البيانو.

الطبيعة الجغرافية

ترافق الحفل مع معرض للصور الضوئية افتتحته السيدة وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح والسفير الأرجنتيني في دمشق سيباستيان زافالا في البهو لمجموعة لوحات صوّرت الطبيعة الجغرافية لجزر مالفيناس والبحرية وتجمعات البطريق على شواطئها، كما وزعت منشورات منها كتيب تاريخي عن جزر المافيناس التي اكتشفت عام 1520 وعاشت صراعات مع الاستعمار وسيطرة المملكة المتحدة عليها، ومازالت المسألة قائمة في منظمة الأمم المتحدة، وما زالت المملكة المتحدة ترفض المفاوضات.

لغة مشتركة

ومن مسرح الأوبرا تحدث المايسترو أندريه معلولي المدير العام لدار الأوبرا عن هذا الحفل الذي وصفه بالحدث الكبير واستغرق التحضير له وقتاً طويلاً، وتمّ بالتعاون ما بين دار الأوبرا والسفارة الأرجنتينية في دمشق وأجنحة الشام للطيران، وأعرب عن سعادته بتحقيق هذا العمل الذي حفل بتعاون الأرجنتين وأرمينيا وسورية لتقديم لغة حب مشتركة، لغة الموسيقا، من سورية التي احتضنت مختلف الثقافات في تاريخها العريق، وشكر سعادة السفير الأرجنتيني في دمشق لتعاونه ومواكبته نشاطات الأوبرا، كما شكر السيدة وزيرة الثقافة لاهتمامها الموسيقي.

مارييل والموسيقيون السوريون

وأعجبت مغنية التانغو مارييل دو بوتيت بتفاعل الجمهور معها، وعبّرت عن سعادتها بالحبّ المتبادل وإحساسها بأنها مع عائلتها في سورية، وشكرت بشكل خاص المايسترو ميساك باغبودريان وجميع الموسيقيين السوريين المشاركين ووصفتهم بالرائعين، وأثنت على صبرهم أثناء التحضير للحفل. كما أعرب المؤلف الموسيقي والتر روس عن سعادته بالحفل وفرحه بلقاء جمهور الأوبرا الذي جعله متحمساً للعزف.

ملده شويكاني