دراساتصحيفة البعث

“إسرائيل” تعيق وصول المساعدات إلى غزة

سمر سامي السمارة

خلصت المذكرة السرية، التي قدّمها مسؤولون في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إلى أن “إسرائيل” تنتهك توجيهات البيت الأبيض من خلال منع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المحاصر.

وأفاد مراسل الشؤون الدولية كولوم لينش في صحيفة ديفيكس، بأن المذكرة السرية تنص على أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “تقدّر” أن حكومة الكيان الصهيوني “لا تظهر حالياً الامتثال اللازم لمذكرة البيت الأبيض الصادرة في 8 شباط التي تطالب وزير الخارجية بالحصول على ضمانات من الحكومات التي تتلقّى مساعداتٍ عسكرية أمريكية باستخدام هذه المساعدات بما يتوافق مع قانون حقوق الإنسان”.

وتعرب مذكرة الوكالة عن “مخاوف جدية” من أن استشهاد ما يقرب من 32 ألف شخص، تقدّر الحكومة الإسرائيلية نفسها أن ثلثيهم تقريباً من المدنيين، يرقى إلى مستوى “انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي”.

وللإشارة، فإن عدد الشهداء الآن تجاوز 34,300 فلسطيني من غزة، وما لا يقل عن 77,293 مصاباً، فضلاً عن أن 11,000 آخرين الآن في عداد المفقودين ويُعتقد أنهم مدفونون تحت أنقاض مئات الآلاف من المباني المدمّرة.

وتشير المذكرة إلى أن “تدهور الأمن الغذائي في غزة لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث، حيث تجاوزت حدّته في الأشهر الستة الماضية، الانخفاضات الطويلة المدى التي أدّت إلى إعلان المجاعتين الوحيدتين الأخريين في القرن الحادي والعشرين، واللتين حدثتا في الصومال عام 2011 وجنوب السودان عام2017”.

وتابعت المذكرة: “لتقديم الرعاية الصحية والتغذية والمياه والصرف الصحي والنظافة الكافية، سيكون هناك حاجة إلى وقف فوري للأعمال العدائية ووصول المساعدات الإنسانية بشكل مستدام، وفي غياب هذه الظروف التي يفرضها العدوان، تشير جميع الأدلة المتاحة إلى أن تزايد انعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية والمرض ستؤدّي إلى زيادات سريعة في عدد الوفيات غير الناجمة عن الصدمات، وخاصة بين النساء والأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة”.

وخلال شهادتها أمام الكونغرس في وقت سابق من هذا الشهر، ردّت مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، سامانثا باور، بالإيجاب على سؤال النائب الأمريكي جواكين كاسترو، عمّا إذا كانت “المجاعة تحدث بالفعل” في غزة.

قالت: “نعم”، “في شمال غزة، كان معدل سوء التغذية قبل 7 تشرين الأول صفراً تقريباً، وهو الآن واحد من كل ثلاثة أطفال، واحد من كل ثلاثة أطفال يعاني سوء التغذية”.

وتشترط المذكرة التي أصدرها بايدن في بداية شهر شباط، أنه على جميع متلقي المساعدات العسكرية الهجومية تقديم ضمانات كتابية موثوقة ومؤكدة بأن الدولة المتلقية ستستخدم أي مواد دفاعية من هذا القبيل بما يتوافق مع القانون الإنساني الدولي، وأي قانون دولي آخر، حسب الاقتضاء، وأن الدولة ستسهّل ولن ترفض أو تقيّد أو تعرقل بشكل تعسفي، بشكل مباشر أو غير مباشر، نقل أو إيصال المساعدات الإنسانية الأمريكية والجهود الدولية التي تدعمها حكومة الولايات المتحدة لتقديم المساعدة الإنسانية.

في الواقع، لم تمنع “إسرائيل” المساعدات من دخول غزة فحسب، حيث يلقى الأطفال حتفهم هناك ويتأرجح الملايين على حافة المجاعة بسبب سوء التغذية والجفاف، بل هاجمت القوات “الإسرائيلية” العاملين الفلسطينيين والدوليين في المجال الإنساني أثناء محاولتهم إيصال المساعدات، كما هاجمت سكان غزة اليائسين الذين كانوا يحاولون الحصول عليها.

وحسب مراقبين فإن هذه الهجمات وهجمات الطائرات دون طيار، بما في ذلك “مجزرة الدقيق” التي استهدفت تجمّعاً لمواطنين طال انتظارهم وصول شاحنات تحمل مساعدات في منطقة “دوار النابلسي” جنوب مدينة غزة، والتي أسفرت عن استشهاد سبعة من موظفي منظمة “المطبخ المركزي العالمي”، كانت متعمّدة.

وتعدّ عرقلة وصول المساعدات الإنسانية والقصف العشوائي والعدوان المستمر على أهالي غزة، عنصراً رئيسياً في قضية الإبادة الجماعية التي قدّمتها جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية ضد “إسرائيل” وأيدتها أكثر من 30 دولة.

وفي 26 كانون الثاني، أصدرت محكمة العدل الدولية حكماً أولياً خلص إلى أنه على “إسرائيل” الالتزام بتجنّب كل ما يتعلق بالقتل والاعتداء والتدمير بحق سكان غزة، وأن تضمن توفير الاحتياجات الإنسانية الملحّة في القطاع بشكل فوري، لكن إسرائيل لم تلتزم بالتنفيذ.

في الشهر الماضي، زعمت إدارة بايدن، أن استخدام “إسرائيل” للأسلحة التي زوّدتها بها الولايات المتحدة يتوافق مع القانون الدولي، وهو تقييم انتقده الكثير من المراقبين، بما في ذلك المحلل السياسي الفلسطيني الأمريكي يوسف منير، الذي وصفه بأنه “فضيحة مطلقة”.

تحدّى المدافعون عن حقوق الإنسان والفلسطينيون وأكثر من عشرين عضواً ديمقراطياً في الكونغرس ادّعاءات إدارة بايدن بأن “إسرائيل” تستخدم الأسلحة التي زوّدتها بها الولايات المتحدة وفقاً للقانون المحلي والدولي، مشيرين إلى استخدام قنابل تزن 2000 رطل يمكن أن تمحو أحياء مدينة بأكملها في المناطق المكتظة بالسكان وغيرها من الممارسات غير قانونية، وفي كانون الأول، اعترف بايدن بأن القصف الإسرائيلي كان “عشوائياً”.

ودعا منتقدون، من بينهم أعضاء تقدميون في الكونغرس، إلى فرض حظر على الأسلحة الأمريكية إلى “إسرائيل”، ومع ذلك، وقّع بايدن مؤخراً أكبر حزمة مساعداتٍ أمريكية على الإطلاق لـ”إسرائيل” وتجاوز الكونغرس مراراً وتكراراً لتسريع المساعدة المسلحة للحليف الرئيسي الذي يتلقّى بالفعل ما يقرب من 4 مليارات دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية سنوياً، كما وافقت إدارة بايدن على أكثر من 100 صفقة بيع أسلحة لـ”إسرائيل” منذ تشرين الأول.