اقتصادصحيفة البعث

قرض الـ 20 ملياراً “المتعثّر” وقرض الـ 5 ملايين “المتعسّر”!!

علي عبود

قد تبدو المقارنة عبثية بين من يطلب قرضاً بـ 20 مليار ليرة، ومن يطلب قرضاً بـ 5 ملايين ليرة، لكن المقارنة تتحول إلى مهزلة عند الحديث عن الشروط المطلوبة من الطرفين، فالتسهيلات لا محدودة لطالب قرض العشرين ملياراً، في حين التعقيدات المطلوبة من طالب قرض الـ 5 ملايين لا تحتمل إلى حد سيفكر صاحبه جدياً بالتوقف عن استجراره!

ولو لم يكشف المدير العام للمصرف العقاري عن “مفاوضات جارية لتسديد قرض متعثر تتجاوز قيمته 20 مليار ليرة”، لشككنا بأن شخصاً ما، سواء كان تاجراً أو مستثمراً أو رجل أعمال أو “حوت مال”، يمكنه شفط 20 مليار ليرة بسهولة دون أية ضمانات جدية، في حين توضع شروط تعجيزية لموظف يطلب قرضاً لا يتجاوز المليون، أو  لمستثمر يحتاج لقرض بـ 5 ملايين للإقلاع في مشروع صغير أو متناهي الصغر!

ما السر في تقديم قروض بالمليارات لأشخاص محددين دون غيرهم من عامة الناس، أو من أصحاب المشاريع الإنتاجية؟.

لا يمكن مناقشة التسهيلات المقدمة لكبار رجال الأعمال وحيتان المال دون التطرق لصلاحيات مجالس إدارات المصارف العامة، فهذه الإدارات تتشدد بمنح القروض التي تقع في إطار صلاحياتها، أي ضمن السقوف التي يحددها المصرف المركزي، والشروط هنا حسب الأنظمة القانونية النافذة، وتُطبق على الجميع سواء كانت تنص على تسهيلات أو تعقيدات!.

الأمر يختلف بالنسبة لقروض المليارات، فهي من صلاحيات رئيس الحكومة حصرياً، بدليل أن لا المصرف المركزي ولا المصارف الحكومية تعلن عن منحها، ولمن، وما شروطها؟ ولا ندري إن كانت هذه القروض تتم باتصال شفوي هاتفي إلى مدير المصرف، أم بموجب كتاب رسمي سري ممنوع على مديري المصارف تعميمه أو نشره علناً!

أليس مستغرباً ألا تتابع المصارف عمليات مسار قروض المليارات، وتسأل أصحابها بين عام وآخر على الأقل: أين أنفقتم القرض؟

طبعاً لم يجرؤ أي مدير مصرف حكومي أن يستفسر من المتنفذ وعن قرضه، ولماذا توقف عن تسديد الأقساط، لأنه يخشى غضب  من أمر بمنح القرض، في حين لا يتردد أي مصرف بتنفيذ الإجراءات القانونية بحق من اقترض مليوناً فقط إن تخلّف عن تسديد قسط واحد؟!

المسألة الآن ليست بإقناع مقترض الـ 20 ملياراً بتسديدها للمصرف العقاري، وليس باعتبار هذا “الإقناع” إنجازاً لإدارة المصرف في إطار معالجة القروض المشفوطة، فهو عملياً إنجاز باهر للمقترض وليس للمصرف!.

من المهم جداً جداً الإشارة هنا إلى أن مبلغ الـ 20 ملياراً حين قام المصرف الحكومي بإقراضه لرجل أعمال أو حوت مال كان يشتري 425.5 مليون دولار حتى عام 2011، في حين لا يساوي هذا المبلغ الذي سيسترده المصرف في القادم من الأشهر أو السنوات سوى 7 ملايين دولار، نعم فقط 7 ملايين دولار!! ومع ذلك احتاج الأمر إلى مفاوضات مضنية من إدارة المصرف لإقناع “المتعثر” بتسديده، والذي لم يعد يساوي سوى 1.64% من القرض، وحتى إذا حسبنا الغرامات وفوائد التأخير فإن مقترض الـ 425.5 مليون دولار لن يرد منها أكثر مما قيمته 20 مليون دولار في أحسن الأحوال!.

طبعاً، المصرف لم يخسر قرشاً واحداً، فالخاسر الوحيد هنا هم المودعون، فالمصارف لا تقرض أحداً من خزينة الدولة، وإنما من أموال الناس، والمقترض هنا يعيد جزءاً هزيلاً مما شفطه من المودعين وليس من أموال المصارف العائدة للحكومة!.

ولو كانت قروض المليارات من خزينة الدولة لقام أي رئيس حكومة لاحق بملاحقة سلفه لأنه قام بتبديد وهدر المال العام!.

ولا نستغرب أن من اقتنع بتسديد قرضه “الدسم” بعد أن تقزّم إلى قرض هزيل لا يشكّل بالنسبة له سوى الفتات يستعد حالياً لشفط قرض جديد، خاصة إذا كان لايزال في عداد المتنفذين!.

الخلاصة: قروض المليارات تحولت إلى “متعثرة” لأن أصحابها رفضوا تسديدها على مدى العشرين عاماً الماضية، في حين قروض اًصحاب المشاريع الصغيرة التي لا تتجاوز الـ 5 ملايين كانت ولاتزال من القروض “المتعسرة”، لأن الحصول عليها يتطلب تنفيذ مجموعة من الشروط تكاد تكون تعجيزية!.