اقتصادصحيفة البعث

واقع شاذ في لعبة “الاستيراد والتصدير” بين المستهلك والمنتج؟!

عبد اللطيف شعبان

الاستيراد والتصدير عمليتان بطابع اقتصادي لا غنى عن وجودهما لدى أية دولة، فالواقع الاقتصادي يفرض الحاجة لهما بأحجام تتباين بين حين وآخر وفقاً لما تتطلبه هذه المادة أو تلك، وحالة الريادة الاقتصادية للبلد تكون في أعلى أوجها عندما تتمكن السياسة الاقتصادية الحكيمة للبلد من التحكم بالاستيراد والتصدير، بما يضمن تحقق المنفعة الوطنية العاجلة والآجلة على مستوى سلعة معينة، وبالمحصلة على مستوى جميع السلع، استيراداً أو تصديراً.

كثيراً ما أظهر واقع الحال أن أغلب المنتجين في القطاعين الزراعي أو الصناعي تضرروا كثيراً من معاناتهم في صعوبة استيراد بعض وسائل أو مستلزمات الإنتاج التي يحتاجونها، لا بل ويعانون من ضعف جودة بعضها، ما أثر سلباً على كمية ونوعية إنتاجهم، والطامة الكبرى تلك المعاناة اللاحقة التي يتعرّضون لها في تسويق منتجاتهم، أكان ذلك نتيجة إنتاج فائض عن حاجة السوق وضعف القدرة التصديرية لجزء منه، أو نتيجة مزاحمة السلع المماثلة لإنتاجهم ما كان منها مهرّباً أو مستورداً من الخارج، بحجة أن الإنتاج لا يغطي حاجة السوق من الناحية الكمية أو النوعية، ما يؤدي لانخفاض أسعار المنتج المحلي عن الكلفة الحقيقية، وهذا ما أوقع الكثير من المنتجين في خسائر كبيرة تسببت في إخراج العديد منهم من ميدان الإنتاج لمواسم أو سنوات، والمؤسف أن بعضهم خرج من الإنتاج كلية، ومازالت هذه المعاناة مستمرة، وخطرها الكبير يتراكم يوماً بعد يوم، وحتى تاريخه لا يبدو وجود سياسات اقتصادية حكيمة تحد من هذا الخطر.

الطامة الكبرى تتجلى في تتابع تفاقم الخسائر الناجمة عن ذلك، خاصة في الإنتاج الزراعي والحيواني نتيجة للغلاء المتتابع في مستلزمات الإنتاج، وتكرر خلل توفرها زماناً ومكاناً، وواقع الحال يظهر قصور التجار عن استيراد مستلزمات ومعدات الإنتاج، مع الشكوى المرافقة من غلائها وضعف جودة بعضها، وقصورهم اللاحق في تصدير فائض الإنتاج حال حصوله، بالتوازي مع مسارعتهم ومهارتهم في استيراد السلع البديلة والكمالية، فالسوق تغرق بكثير من المواد التي لا حاجة ماسة لها، لكن وجودها في السوق يتسبب في تخصيص نفقات أسرية باتجاهها، خاصة بعض حاجات الأطفال والنساء نتيجة إغراء منظرها.

مشكلة المستهلك (حجم كبير من المستهلكين) أنه لم يع منعكسات الاستيراد والتصدير عليه، فهو يرى أن وجود كم كبير من السلع أمام عينيه يمنحه حرية اختيار ما يريد، ويرى أن استيراد السلع الاستهلاكية يضمن له الحصول على السلعة التي يحتاجها أو يرغبها، وبالسعر الأرخص حال كان سعر السلعة المنتجة محلياً عالياً بسبب ارتفاع كلفة إنتاجه، ويغرب عن باله أن استيراد السلع وطرحها في السوق بأسعار منخفضة يمهّدان للتأسيس للمزيد من استهلاكها، وبالتالي يؤسسان لاستمرارية هذا الاستهلاك ولو بأسعار مرتفعة جداً لاحقاً، ومثال ذلك مشروب المتة، ومشروب التبغ اللذان تغص السوق بعشرات الأنواع المستوردة منهما، وإنتاج التبغ المحلي يتعرّض للضمور تدريجياً، واستيراد لحم الفروج ولحم الماشية بأسعار مخفضة يؤدي لمزاحمة المنتجين المحليين وإخراجهم من ميدان الإنتاج، ولاحقاً يتحكم المنتج الخارجي والمستورد بالسعر الذي يريد، فلأكثر من مرة تراكم إنتاج العديد من السلع، ومنها الفروج والبطاطا بما يزيد عن حاجة السوق، وتقاعس التجار عن تصدير الفائض، ما تسبب في ضعف الإقبال على الإنتاج في مواسم جديدة، وحال كانت كمية المنتج المحلي قليلة، سارع التجار لاستيراد سلع مماثلة من الخارج بحجة تغطية حاجة السوق، ما خفف من عائدات الكثير من المنتجين، وتسبب في عزوفهم عن الإنتاج في الموسم اللاحق، ومهّد لغزو السوق بالمنتج الأجنبي وبالكمية والنوعية والسعر الذي يفرضه المستورد.

عمليتا الاستيراد والتصدير حاجة وطنية، ولا بد من وجودهما وتشكّلان كفتي الميزان التجاري، لكن العقود الماضية شهدت ضعف حكمة الفريق الاقتصادي في الموازنة بينهما، واستمرارية هذا الضعف واضحة للعيان من خلال تتابع تردي الوضع الاقتصادي الذي سيتردى أكثر ما لم يتم استدراك الأمر، والكرة بين يدي مجموعة اللاعبين، والندم بعد الفوت أمر من الموت.

 

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية