دراساتصحيفة البعث

في ذكرى تحرير القنيطرة.. إصرار على تحرير كامل تراب الجولان

محمد غالب حسين

في السادس والعشرين من حزيران تنداح بي الذاكرة ثمانية وأربعين عاماً خلت إلى يوم السادس والعشرين من حزيران 1974، حين تقدّم القائد المؤسّس حافظ الأسد محفوفاً بزحوف أبناء الشعب، وقبّل علم الوطن، ورفعه شامخاً عالياً في سماء مدينة القنيطرة إيذاناً بتحريرها مع عدة قرى ومزارع في الجولان ومنطلقاً لتحرير كلّ ذرة من تراب الجولان.

واليوم بحضرة ذكرى الفرح الجولاني، ولأن الجولان لنا ونحن الجولان نذكر اليوم أملاً لا يخامره شك أن نحرّر أخوات القنيطرة وكل شبر من تراب الجولان، فتشمخ هامات شقائق النعمان، ويزداد السنديان تجذراً، والدوالي خضرة.

نهضة كبرى

لقد شهدت القنيطرة بعد التحرير ولادة جديدة ونهضة شاملة، وخاصة في مجال الإعمار، حيث تمّ رفدها بمنظومة خدمية متكاملة، إضافة لبناء مستشفى الشهيد ممدوح أباظة الذي يعتبر صرحاً طبياً علاجياً، ناهيك عن بناء المجمع الحكومي مقراً لمحافظة القنيطرة، وأبنية حديثة لكل المؤسّسات والشركات والمديريات والدوائر بالمحافظة. وترافق ذلك مع توفير مستلزمات النهضة الزراعية لجهة بناء السدود، ومشاريع التشجير المثمر.

وقد منح القائد المؤسّس حافظ الأسد محافظة القنيطرة وأبناءها جزيل اهتمامه، وأوعز للحكومة بتقديم جميع أنواع الدعم للمحافظة، وتمويل مشاريعها الاقتصادية، والخدمية، والزراعية، والتربوية، وتنفيذها بالسرعة القصوى. وصاغ ذلك كله نهضة كبرى بالجزء المحرّر من المحافظة دعماً لسكانها بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتجلّت الخدمات الناجزة بكل بلدات المحافظة وقراها ومزارعها في المجالات التربوية والصحية والهاتفية والكهربائية والزراعية والتنموية.

ذكريات وشهادات

مازالت ذاكرة أبناء الجولان تختزن ذكريات مهمّة ومفصّلة عن حرب تشرين التحريرية، وحرب الاستنزاف لأن أرض الجولان كانت مسرحاً لأحداثها وبطولاتها، وأبناء الجولان أكثر اهتماماً بتفاصيلها، لأنهم عاشوا أيامها وعرفوا دقائقها وعاصروا ذلك اليوم الوطني الجولاني الأغر يوم السادس والعشرين من حزيران عام ١٩٧٤ .

وتحدث الشّيخ خالد الحمادة من قرية جبا عن ذكرياته قائلاً: “إن تحرير مدينة القنيطرة كان ثمرة مباركة لحرب تشرين التحريرية الخالدة وبطولات الجيش العربي الباسل في جبل الشيخ وبطاح الجولان التي شهدت أشرس معارك الدبابات في العالم، بعد أن قام جنودنا الأباة بتدمير خط آلون الذي قام الاحتلال الإسرائيلي بتحصينه واجتازوه نحو عمق الجولان. كان صباح تحرير مدينة القنيطرة متوهجاً بالعزة والفخر والانتصار، فقد تنادى أبناء الوطن من كل حدب وصوب ورحّب بهم أبناء محافظة القنيطرة ليشهدوا لحظة فاعلة في التاريخ حين دخل القائد المؤسّس حافظ الأسد محاطاً بزحوف أبناء الوطن ويرفع علم الوطن عالياً شامخاً بسماء القنيطرة مؤكداً أن الوطن أسمى من كل شيء، والنصر للشعوب المدافعة عن حقها باستعادة أرضها المحتلة مهما كانت قوة الأعداء المحتلين”.

أما الباحث الجولاني فوزي عطية المحمد من قرية راوية الجولانية فاستذكر نشوة النصر وفرحة تحرير المدينة قائلاً: “كنت آنذاك طالباً في المرحلة الثانوية، حيث كان الوطن والشعب والأمة على موعد مع النصر مع ملحمة العرب الكبرى في العصر الحديث. وهنا نستذكر بكل المحبة والإكرام القائد حافظ الأسد الذي عمل لاستعادة الجولان السوري المحتل من خلال إعداد الجيش العربي السوري تدريباً وتنظيماً وتسليحاً ليوم التحدّي والنصر. في ذكرى تحرير مدينة القنيطرة نقرأ صفحات خالدة ناصعة من تاريخنا الوطني مدوّنة بأحرف من نور ملونة بأقواس النصر وتيجان الغار والفخار”.

من جانبها استذكرت فاطمة العلي من قرية السماقة الجولانية نبع البالوع بقريتها وبرعت بتوصيف شجيرات السماق، وعندما وصلت ليوم تحرير القنيطرة توهّجت عيناها وقالت: “منذ الصباح كانت آلاف الباصات والسيارات التي تضمّ عشرات الألوف من المواطنين متجهين لمدينة القنيطرة. وصلنا بعد طول انتظار، أحسست نفسي في بحر من البشر، هذا يغني وتلك تتصور وثالث ارتقى مرتفعاً وينظر لعمق الجولان. وفجأة ساد صمت جميل، لقد وصل الرئيس حافظ الأسد، وحيّا المواطنين مبتسماً فرحاً، ورسم شارة النصر، وتعالت الهتافات والزغاريد والأغنيات عندما بدأ علم الوطن يشمخ مرتفعاً بساحة مدينة القنيطرة”.

كما نستذكر بهذه المناسبة بفخر الأهل الأباة في الجولان السوري المحتل بقرى مجدل شمس ومسعدة والغجر وعين قنية وبقعاثا الذين رفضوا الاحتلال الإسرائيلي، وما صدر عنه من قرارات احتلالية زائلة، وإجراءات عدوانية باطلة، وهم يعلنون على الدوام الانتماء الراسخ الثابث للوطن الأم سورية، والتمسّك بالهوية العربية السورية، والاعتزاز بها، والولاء لقائد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد، والثقة الأكيدة التي لا يخامرها شك بتحرير كامل تراب الجولان.

ونقول لهم بهذه المناسبة إن الاحتلال إلى زوال، وسيعود الجولان لوطنه وشعبه وأهله، ويرتسم الأقحوان باقات فرح في روابيه، وتزداد مياه بحيرة طبرية صفاءً، وتشدو العصافير تجليات الانتصار، وتشمخ قامات الرجال، ويزهو الميس للأعالي، وتتفجّر العيون والغدران من جديد، وتتعالى أهازيج الحصادين، وتحلو الأماسي المقمرة في الجولان.