زوايا

كالمستجير من الرمضاء بالنار

تزايد الحديث مؤخراً عن إمكانية إنشاء حلف في المنطقة على غرار حلف شمال الأطلسي “ناتو” برعاية أمريكية، وخاصة بعد تأكيد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أنه سيدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار نظيره الأطلسي على أن “يتم ذلك مع الدول التي لديها التفكير نفسه”، على حدّ قوله.

فما هي الدول التي تمتلك التفكير نفسه؟ وما هو الدافع لتشكيل مثل هذا التحالف إن كان الأمر على هذا النحو من البساطة؟.

الحديث عن “ناتو” شرق أوسطي أو تحالف عسكري إسرائيلي عربي ليس جديداً، فقد انطلق الحديث عنه على خلفية زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى الرياض ولقائه ولي العهد محمد بن سلمان حيث كان الطرفان يسعيان إلى تحقيق هدف مرحلي انطلاقاً من هذا العنوان، فترامب يبحث عن تحقيق شعاره “أمريكا أولاً” الذي ترجمه بالحصول على الأموال السعودية بصفته حامياً، وابن سلمان يبحث عن تغطية أمريكية له في سبيل الوصول إلى الحكم في المملكة.

والحقيقة أن مثل هذا الحديث يحمل طابعاً طوباوياً في الوقت الحالي، ففي ظل التغيّرات المتسارعة في العالم على خلفية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وما أفرزته من تداعيات أبرزها انحسار دور حلف الناتو سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وبداية تشكّل نظام عالمي جديد لن يكون فيه للحلف الأطلسي دور قوي على الأغلب، وذلك لأن قدرة الحلف على التأثير في نتيجة الحرب باتت محدودة على خلفية هزائمه المتكررة على الساحة الأوكرانية، فضلاً عن أن العقوبات التي فرضتها دول الحلف على موسكو جاءت بنتائج عكسية على اقتصادات هذه الدول، كل ذلك يمكن أن يقود إلى شيء آخر وهو أن الحلف ذاته بات منشغلاً بمشكلاته الداخلية وليس في وارد القدرة على التأثير في المنطقة، لذلك أصبح يبحث عن أسلوب آخر يسمح له بالخروج من المنطقة وإيكال مهمّته فيها إلى جهة أخرى، بحيث تمثل “إسرائيل” دور الولايات المتحدة في قيادة هذا التحالف، وهذا دونه صعوبات كثيرة أبرزها أن شعوب الدول العربية المنضوية ضمن هذا الحلف لن تتقبل ببساطة أن تكون تابعة لحلف تقوده “إسرائيل” في مواجهة ما يسمّى زوراً “التمدّد الإيراني” في المنطقة، لأن هذا التمدّد لو حدث فعلاً لن يكون مبنياً على قوة إيران بل على عجز هذه الدول عن الحصول على أسباب القوة لردع هذا التمدّد، وبالتالي فإن مثل هذا الحلف سيكون مؤشر عجز وليس مؤشر قوة بالنسبة إلى الشعوب.

كذلك من المستغرب أن تقوم الولايات المتحدة في هذا التوقيت بالذات بدعم قيام مثل هذا الحلف، في الوقت الذي لم تتمكّن فيه سابقاً من إحداث هذا الأثر، فالواقع يشير الآن إلى انحسار الدور الأمريكي في العالم أجمع وليس في المنطقة فحسب، وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية تحاول دغدغة مشاعر دول المنطقة بإمكانية الحصول على نصر على عدوّ مصطنع لها هو إيران التي تريد جعلها بديلاً لإسرائيل، ليس خدمة لهذا الكيان المؤقت فقط، بل محاولة منها لإظهار أنها لا تزال قادرة على التأثير في العالم في ظل صعود قوي لروسيا والصين على الساحة الدولية ينذر بإمكانية انفراط عقد هذه الدول وانضوائها على خلفية الضعف الأمريكي تحت جناح العملاقين الصاعدين.

وحديث الإعلام الإسرائيلي عن أنّ زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للشرق الأوسط “لا تتعلق بحلف ناتو شرق أوسطي، بل بمجرد ترتيبات وتفاهمات ضمن إطار القيادة الوسطى الأميركية”، يؤكد أن العودة الأمريكية المفاجئة إلى المنطقة ليست لدعم دولها، وإنما هي محاولة للإبقاء على هيمنتها على أتباعها قبل أن ينفرط عقدهم وينضمّوا تلقائياً إلى القوى الدولية الجديدة، كما أن غاية ما يسعى إليه هذا الراعي من خلال الحلف هي إنعاش سوق السلاح الأمريكي والحصول على امتيازات نفطية جديدة، أو دفع دول المنطقة إلى زيادة إنتاجها النفطي لتغطية العجز في الطاقة على خلفية العقوبات على روسيا.

وفي المحصلة، يبدو المستجير بالراعي الأمريكي في الوقت الحالي، أيّاً كان المسوّق لهذا الحلف أو الناطق باسمه في المنطقة، كمن يستجير من رمضاء الخوف المصطنع من إيران، بنار العجز الأمريكي، ولا قيمة حقيقية لأيّ تحالف جديد ما دام جميع هؤلاء عاجزاً عن خدمة الجميع.

طلال ياسر الزعبي