تحقيقاتصحيفة البعث

غياب للأضاحي وشح في الضبوط التموينية خلال أيام العيد!

لم يختلف مشهد التحضير لعيد الأضحى عنه في عيد الفطر، ففارق شهرين لم يزد فيهما سوى الازدحام على مراكز استلام الحوالات من المغتربين، رافقها زيادات متتالية لأسعار جميع السلع والخضار والفواكه تحت ذريعة “الدنيا عيد”، ليحظى التّجار للمرة الألف بالعيدية رغماً عن المواطن المضطر لشراء حاجياته اليومية وليس مستلزمات العيد، وخلافاً لما هو متعارف عليه في عيد الأضحى المبارك لم تتصدّر الخراف المعروضة للبيع المشهد العام في الساحات وعلى أطراف الطرقات، إذ باتت “أضحية العيد” وتوزيعها على الفقراء حكراً على ما ندر من المواطنين، ولاسيّما بعد أن فقدت موائدهم على مدى أشهر العام اللحوم بأنواعها وألوانها!.

تعددت الأسباب؟

ولم تختلف حجج تجار المواشي عن باقي التّجار ممن وجدوا بشماعة الحرب، وارتفاع سعر الدولار والعقوبات الاقتصادية، وتهريب المواشي، وعدم قدرة الجهات المختصّة على ضبط عمليات التهريب وغيرها من الحجج التي لا تسمن ولا تغني من جوع والتي حفظها المواطن عن ظهر قلب، ولم يعد بحاجة لسماعها مراراً وتكراراً، وخاصّة بعد أن استغنى عن شراء مستلزمات العيد من لباس وحلويات وغيرها من الطقوس التي كانت تلازم جميع منازل السوريين قُبيل كل عيد، ليكون المطلوب اليوم الحفاظ على الأسعار وعدم رفعها تحت حجة الأعياد، فجيوب المواطنين ممن فقدوا نكهة الفرح منذ سنوات لم تعد قادرة على تحمّل المزيد من الأعباء ورفع الأسعار بحجة العيد الذي لن يمرّ على منازلهم التي أصبحت فيها أيام العيد شبيهة بأيام السنة العادية الخاوية من أي معالم للفرح.

قرارات غير مرئية

وعلى عكس الواقع الملموس تصدّر صفحة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك الحديث عن الجهود الكثيرة التي بُذلت لضبط سوق اللحوم خلال الفترة الماضية، حيث أعلنت محافظة دمشق عن السماح بذبح الأضاحي في محلات الجزارة خلال عيد الأضحى، وفق شرط الحصول على رخصة ذبح نظامية مؤقتة من مديرية الشؤون الصحية، وتقديم تعهد بممارسة الذبح ضمن الشروط الصحية، وذلك بهدف تنظيم عملية ذبح الأضاحي وما ينتج عنها من آثار ومخلفات على مستوى المحافظة، إضافة إلى المخالفات المرتكبة عند عمليات البيع وذبح الأضاحي على الطرقات، لتفضح أيام العيد عدم تقيّد الغالبية العُظمى بهذا القرار الذي اصطف جنباً إلى جنب مع القرارات السابقة على عينك يا وزارة، إذ ارتفعت أسعار اللحوم في محافظتي دمشق وريفها قبيل العيد بنحو 40%، ليصل سعر العجل إلى نحو 6 ملايين ليرة، في حين تجاوز سعر كيلو لحم الخاروف في بعض المناطق الـ50 ألفاً، ووصل سعر كيلو لحم العجل إلى 40 ألف ليرة، الأمر الذي أدّى إلى تراجع حركة البيع والشراء ليفضّل تجار اللحوم فساد اللحوم وخسارتهم على بيعها بسعر مقبول، ولاسيّما أن رفع أسعار اللحوم بقرارات ذاتية من التجار قبيل العيد بات عرفاً سنوياً ولزاماً على التجار التقيّد به والانصياع له، وعلى الرغم من محاولاتنا الوصول إلى أرقام الضبوط المخالفة للتسعيرة خلال الأسبوع الماضي، إلّا أنّنا لم نلقَ أي ردّ سوى الدخول في دوامة الانتظار ريثما تكون الإحصائيات بأرقام دقيقة لا تمت للواقع بصلة، ولاسيّما أن الأسواق المحلية لم تشهد أي أثر إيجابي ملموس لدوريات حماية المستهلك التي أغرقت الأسواق بتواجدها وتصريحاتها حول ضبط المخالفات في التسعيرة التي شهدت صعوداً منقطع النظير، ناهيك عن ازدهار عمليات تهريب المواشي قبيل العيد إلى الدول المجاورة التي تشهد إقبالاً على شرائها عكس الحال في بلدنا.

رؤية تنموية

وعلى الرغم من ازدياد عمليات تهريب المواشي إلا أن أسعار الغنم في مناطق ريف محافظتي حماة وحمص شهدت انخفاضاً قليلاً نتيجة كثرة العرض مقابل الطلب المحدود من قبل قاطني المنطقة الذين يقتصر مصدر دخلهم على الزراعة، ففي الوقت الذي لم يستطع فيه مربو الأغنام تأمين العلف وكلف رعاية الماشية، وجد سكان تلك المناطق ضالتهم في شراء هذه المواشي بسعر مقبول بعد أن انقطعت السبل بأصحابها في الاستمرار بتربيتها، وتكبّدهم خسائر مستمرة في تأمين الغذاء والطبابة وغيرها من المستلزمات، إذ وجد أكرم عفيف “خبير زراعي” أن انخفاض سعر الأغنام والمواشي في الأرياف لم يرافقه انخفاض في سعر اللحوم المُباعة للمستهلك، رافضاً الحديث عن القطاع الحيواني الذي انتهى برأيه، فتكلفة تربية 500 رأس غنم مليون ليرة يومياً، لافتاً إلى أن خسارة القطاع الحيواني لم تنعكس إيجاباً على المستهلك وسط تدهور القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني. وألقى عفيف اللوم الأكبر على غياب الرؤية التنموية عند صاحب القرار، إضافة إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، رافقها إلغاء شراء الأضاحي منذ سنوات طويلة، وقدّم الخبير الزراعي جملة من الحلول التي تبدأ بالبحث عن البدائل وتحويل المشاريع الكبيرة في تربية المواشي إلى مشاريع أسرية، يرافقها وضع خطط لتأمين توفر الأعلاف للمربين خلال جميع أوقات العام، وتسهيل الإقراض للمربين وللمشاريع الأسرية، ذلك أن الأسرة تستطيع أن تربي في الحدّ الأدنى من التكاليف، كذلك ضرورة تحسين الواقع الأسري والتوجّه نحو الإنتاج الأسري.

ميس بركات