مجلة البعث الأسبوعية

في قراءة لـ”مشروع الصك التشريعي الموحد للنقابات المهنية”.. رغم وجود تباين حاد في الآراء حول الخصوصية والاستقلالية والرقابة.. الكل مجمع على أسبابه الموجبة

البعث الأسبوعية- قسيم دحدل

بانتظار موافاة مجالس نقابات المهن العلمية الحكومة، بملاحظاتها على مشروع الصّك التشريعي الخاص بـ “بالقانون الموحد للنقابات المهنية”، وبانتظار ما ستسفر عنه الملاحظات من تعديلات مقترحة عليه قبل صدوره، يمكننا القول: إن الأسباب الموجبة الواردة في الصك مبررة، وفيها من الأسباب والحجج القانونية والعملية ما يدعم ويطور العمل النقابي خاصة وأنه يتقاطع كثيرا فيما بين النقابات وفقا لمضمون ما قدمته الحكومة للنقابات لقول رأيها وتبيان وملاحظاتها عليه..، وبناء عليه من الواجب أن يخرج هذا الصك للنور بالسرعة المطلوبة وليس بالتسرع المرفوض ودون إقصاء لرأي أحدا ما دام في الصالح العام للمجتمع والدولة.

ومن المفيد والهام أن نورد ما جاء في الأسباب الموجبة: أنه و« نظراً لتطور عمل النقابات وأهمية العمل الذي تقوم به على نحو أصبحت معه رديفة للجهات العامة في تقديم خدمات للمواطنين، الأمر الذي اقتضى معه تأطير عملها وتنظيمه وفق أحكام عامة، وبغية إزالة التباين في الأحكام الناظمة لعمل كل نقابة مع مراعاة خصوصية عمل كل منها وطبيعة المهنة التي تنظمها، وتوحيد مراجع الطعن بالقرارات الصادرة عن أجهزة النقابة وعن مجلس التأديب».

إذاً هي أسباب، برأينا وبرأي العديد من المطلعين على القانون المشروع، من منتسبي النقابات المهنية، مقبولة ومبررة وإيجابية بعموميتها، لكن ورغم ذلك هناك من يأخذ على الصك عددا من الملاحظات  والتحفظات التي تستحق المناقشة والدراسة لأنها خلافية فعلا، إن كنا نريد الاتزان والتوازن فيما يُطرح.

زهير تيناوي عضو لجنة الموازنة في مجلس الشعب، والنقيب السابق لنقابة المهن المالية والمحاسبية في حديث لـ “البعث الأسبوعية ” قدم مداخلته في مضمون المشروع مبينا ما عليه وما له استنادا للمادة العاشرة من دستور الجمهورية العربية السورية، حيث أكد أهميته القصوى، قائلا: سأنطلق في تقويمي لمضمون المشروع بناء على ما ورد في المادة العاشرة التي نصت على أن:” المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والجمعيات هي هيئات تضم المواطنين من أجل تطوير المجتمع وتحقيق مصالح أعضائها وتضمن الدولة استقلالها وممارسة رقابتها الشعبية ومشاركتها في مختلف القطاعات والمجالس المحددة في القوانين وذلك في المجالات التي تحقق أهدافها ووفقا للشروط والأوضاع التي يتبعها القانون”.

 

لا بد من نصوص واضحة..!

استنادا لهذا النص أقرأ – والكلام لتيناوي- أن النقابات عبارة عن تنظيمات مستقلة لها عملها وخصوصيتها وأهدافها ونشاطاتها وأعضاءها، وبالتالي لا يمكن أن يطبق على هذه الخصوصية وعلى النسيج المتنوع من أطياف المجتمع، نظام واحد موحد، مبينا أنه واستنادا لاستقلالية كل نقابة في نظامها من خلال خصوصيتها والأهداف والممارسات والأعمال المناطة بها ومن خلال أعضائها ومهامها، جاء المشروع الموحد، غير منسجم مع أهداف النقابات المختلفة، هذا من ناحية أما من ناحية أخرى هناك نقابات حديثة العهد عمرها 5 أو 10 أو 20 سنة، وهناك نقابات قديمة أنشئت وأحدثت مع قيام ثورة الثامن من أذار وعمرها يزيد عن الـ 50 سنة، لذلك طبيعة نشاطات هذه النقابات القديمة تختلف مع طبيعة وأهداف النقابات الحديثة العهد، وعليه من الصعوبة بمكان أن يتم العمل على تطبيق نظام موحد عليها كلها.

ومن الناحية التنظيمية قال: لا شك هناك قواسم مشتركة كثيرة بين كافة النقابات، سواء من حيث الانتخابات والترشيحات وأعضاء مجالس الإدارة واللجان وشروط الانتساب والاشتراكات والرسوم السنوية وما يخص المؤتمرات( العام والفروع)..إلخ، وهذه كلها قواسم مشتركة كثيرة ويمكن تحقيقها من خلال نظام موحد ( النظام الداخلي) لها، أما إذا أخذنا الأهداف فأهداف النقابات تختلف من نقابة لأخرى ولا بد أن يكون هناك نصوص واضحة وصريحة في مشروع القانون أو القوانين التي تخص كل نقابة، وعليه فالخصوصية ضرورية  ومطلوبة لكل نقابة لأن كل منها عبارة عن تنظيم مهني علمي اجتماعي هدفه يختلف من نقابة إلى أخرى.

 

لا إعفاء..!

وأضاف تيناوي، لا شك أن النقابات تؤدي دورا اجتماعيا هاما وتضم شرائح من المجتمع وكافة هذه الشرائح تنضوي تحت سقف ومظلة تلك النقابات، لذلك لا بد من إعفاء أعمالها ونشاطاتها من الضرائب والرسوم الجمركية سواء المحلية وغير المحلية، لأن النقابات ليس هدفها ربحي ولا تجاري بل هدفها تقديم خدمات لأعضائها المنتسبين ضمن المهنة وهذا الموضوع هام وضروري كثيرا.، لكن مشروع القانون الموحد لم يأت على موضوع الإعفاء…

 

مراعاة الخصوصية

ولفت تيناوي إلى أن المشروع الجديد ألغى منصب نائب الرئيس وأناط بأمين السر مهام النائب، وقائل في ذلك: أنا أعتقد أن موضوع نائب الرئيس هام جدا، والأعمال التي يقوم بها الأمين تختلف كلها عن الأعمال التي يقوم بها النائب، لذلك لا بد من وجود نائب للرئيس بهدف إدارة أعمال النقابة وهذا ما ينسجم مع الأنظمة الحالية الموجودة.

وأردف، أنا لا أؤيد كثيرا وجود أنظمة موحدة للنقابات، لكن أنا مع تحديث الأنظمة الداخلية لكافة النقابات وتحديث لوائحها التنفيذية بما يتناسب والتطورات الاقتصادية والاجتماعية والمالية التي طرأت في العشرة أو العشرين سنة الأخيرة؛ وموضوع التحديث هام وضروري وإعادة النظر ببعض المواد كذلك، إذ لا ضير إذا كانت هناك قواسم ومواد مشتركة أن تكون موحدة لكافة النقابات وهذه تتعلق بالأمور التنظيمية والتنفيذية اليومية لعمل النقابات، وعليه أنا أؤكد – يقول تيناوي-على موضوع الأهداف وطبيعة مهام كل نقابة وأعتقد أنه يجب أخذ خصوصية كل نقابة بعين الاعتبار في هذا.

يحد من الاستقلالية..!

وبالنسبة لاستقلالية النقابات يقول: لا شك أن مشروع القانون المقدم لتوحيد أنظمة النقابات من شأنه أن يحد من استقلاليتها باعتبار النقابات منظمات شعبية مهنية علمية مستقلة لا علاقة لمؤسسات ووزارات الدولة بها، وهذا لا يعني أن يكون فيها انفلات مالي وإداري أو تنظيمي، لكن الاستقلالية والنظام الخاص فيها يفرض عليها رقابة وتدقيق وتنظيم لأعمالها، أما أن يكون عليها هيمنة من قبل السلطة التنفيذية فهذا يتناقض ولا ينسجم ويتعارض مع أحكام المادة 10 من الدستور؛ منوها إلى أنه وحتى على صعيد التحقيق والتدقيق والتفتيش لا يحق لأية سلطة رقابية سواء كانت الهيئة المركزية أو الجهاز المركزي للرقابة المالية من تدقيق أعمال النقابات لأن لها سلطات خاصة تتبع لها أجهزة رقابية ومؤتمر عام هو من يراقب أعمالها السنوية ويصادق عليها.

 

إيجابيات مشروع القانون

وفي مقابل الملاحظات السابقة الفائقة الحساسية،  يرى تيناوي أن المشروع أتى على عدد من المواد العامة والإيجابية ومنها : فصل أجهزة النقابة، أي أن هناك لجان الرقابة المركزية والفرعية إضافة إلى أنه يجوز إحداث أجهزة نقابية أخرى يحددها النظام الداخلي، لأنه في الأنظمة المعمول بها حاليا لا يوجد ذلك وهذه إيجابية…

وأوضح أن مهمة هذه اللجان التدقيق ومراقبة أعمال النقابات وأنشطتها وأدائها المالي والتنظيمي والمحاسبي، وهذه إيجابية هامة أيضاً، إضافة إلى توسيع عدد أعضاء المؤتمر، فالتوسع الذي أتى عليه المشروع الجديد هو إضافة إلى زيادة أعضاء لجنة الرقابة المركزية، إمكانية حضورها وأعضاء خزانة التقاعد مؤتمر النقابة المركزي، في حين كانت المؤتمرات المركزية سابقاً، تقتصر على مجالس إدارة الفروع والأعضاء المتممين وأعضاء الإدارة المركزية وأعضاء مجلس الإدارة السابق.

 

عدم الجمع

والمشروع الجديد أيضاً أدرج في مواده عدم جواز الجمع بين أي عضوية مجلس من مجالس إدارة الفروع أو المجلس المركزي واللجان كلجنة خزانة التقاعد ولجان الرقابة المركزية وهذه إيجابية مهمة أيضاً هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لم أجد مبررا – والكلام لتيناوي- لاشتراطات المشروع الجديد تفرغ ثلاثة أعضاء من مجلس الإدارة : الرئيس وأمين السر والخازن، لأن ذلك يعتبر نفقات إضافية تتحملها النقابات وبشكل خاص الفقيرة والحديثة العهد منها، أي إرهاق النقابة من الناحية المالية، كون كافة أعضاء مجلس الإدارة يحملون شهادات علمية عالية.

 

إيجابية مجالس التأديب..

كذلك أفرد مشروع القانون فصلاً كاملاً عن مجالس التأديب والعقوبات التأديبية وهذا لم يكن موجودا سابقا في الأنظمة وفي قوانين وإحداث النقابات، حيث أعطى هذا الموضوع أهمية بحيث يتم تشكيل هذه المجالس من قبل رئيس مجلس الدولة في الجمهورية العربية السورية، وكذلك أفرد العقوبات التأديبية حسب المخالفة وهذه نقطة إيجابية من شأنها الحد من المخالفات والأعمال غير المشروعة.

المرحلة تقتضي التعديل

مشروع القانون والذي أحالته رئاسة مجلس الوزراء إلى الأمين العام المساعد بتاريخ 5-7 -2022 للإطلاع والرأي ومن ثم تعميمه على النقابات، والذي تم إعداده من قبل اللجنة المشكلة بالقرار 1489 تاريخ 5/9/2021، وأرسل لمجالس النقابات لموافاتها بملاحظاتهم عليه، لقي – ووفقا لعدد من أعضاء النقابات- عند قادة النقابات امتعاضا لأنه يقلص صلاحيتهم الواسعة والتي يساء استخدامها في بعض الأحيان، كما امتعضوا لأنه يحدد مدة بقائهم في المنصب بدورتين انتخابيتين أقصاهما 8 سنوات في حين أن لدينا نقابيين مستمرون بالمنصب منذ 30 سنة، حسبما يؤكد الخبير القانوني المحامي عارف الشعال لـ” البعث” الذي قال:

علما أنه من المعروف أن نقابات المهن العلمية (أطباء، مهندسون، محامون، صيادلة، أطباء أسنان، محاسبون قانونيون، مهندسون زراعيون..إلخ)، تمارس نشاطها في الدولة وفق قوانين تنظم عملها وهيكلها وكيفية إدارتها والوصول لهذه الإدارة، وذلك منذ عشرات السنين عندما تأسست النقابات، ولكل نقابة منها قانونها الخاص، بمعنى أنه قد حان الوقت ليحل الأفضل والأشمل وفقا للأسباب الموجبة، محل تلك القوانين المتعددة، طالما أن الكثير مما فيها متشابه، وبالتالي تقتضي المرحلة التغيير الهادف الذي يطور عمل النقابات ويوحدها خدمة للمصلحة العامة والخاصة معا.

 

تلافى الكثير الثغرات والعيوب

الشعال أكد أن هذا المشروع جعل لكل النقابات هيكل تنظيمي واحد وحدد صلاحية كل مؤسسة من مؤسسات النقابة سواء من حيث مجلس النقابة أو مجالس الفروع أو الهيئات العامة أو المؤتمر العام للنقابة، وهو في الواقع شبيه للموجود حالياً، ولكن حينما تتوحد الهياكل التنظيمية بقانون واحد يسهل على الحزب وعلى الحكومة التعامل معها لأنها تعرف تكوينها العام وليست مضطرة للدخول بمتاهة قانون كل نقابة لمعرفة تكوينها وصلاحياتها المستقلة عن النقابة الأخرى.

وأضاف، من جهة أخرى ساهم مشروع الصك المطروح، بشكل كبير في تلافي الكثير من العيوب والثغرات الموجودة بقوانين النقابات كما خفف صلاحياتها الكبيرة وجعلها بيد القضاء الإداري أو تحتاج لموافقة مجلس الوزراء وهكذا لم تعد نقابة المحامين – مثلا – تتحكم بسعر الوكالة الذي تفرضه على الناس بدون موافقة مجلس الوزراء، حيث قامت النقابة مؤخرا برفع قيمة الوكالة لتبلغ نحو 35 ألف ليرة وهو يعادل نصف راتب موظف ولا شك أنه يرهق المواطن من أجل رفد صناديقها بالمال.

 

تحديد

الجدير ذكره أن المشروع القانون حدد شروط الانتساب والعضوية، وحدد أجهزة النقابة وميعاد وشروط انعقاد المؤتمر العام، وشروط مزاولة المهنة وحقوق أعضاء النقابة وواجباتهم، كما حدد مدة ولاية كل مجلس بأربع سنوات ميلادية قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، كما نص على ضرورة تفرغ أعضاء النقابة لأول مرة، وعلى تشكيل مجلس التأديب بقرار من رئيس مجلس الدولة وأعضائه. وكل ذلك كان له صدى إيجابي لدى غالبية منتسبي النقابات المهنية.

 

على الطرف المقابل، أورد عدد من أعضاء النقابات بعض الملاحظات الأولية على مشروع الصك التشريعي، وخاصة ما يتعلق باستمرار عدم استقلالية النقابات وأجهزتها، من خلال الدور المناط للسلطة التنفيذية على عملها وأدائها وغيرها من جهات، وبرأيهم أنه كرس تدخل السلطة التنفيذية بالنقابات عبر عدد من النصوص، حيث أبقى صلاحية مجلس الوزراء في حل مجالس النقابات أو المؤتمر العام، كما يحق لرئيس مجلس الوزراء تشكيل مجلس نقابة مؤقت لمدة سنة يمارس صلاحيات المجلس الأصيل.

 

كذلك ووفقا للملاحظات التي طرحت أُخذ على المشروع أنه أعطى القانون للهيئة المركزية لرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية، التفتيش على أعمال النقابة بطلب من رئيس مجلس الوزراء، وبناء على اقتراح الوزير المختص، وهو أمر له إيجابياته وسلبياته أيضاً برأيهم.

 

وبرأي عدد من الأعضاء أيضاً، كان من المفترض بمشروع الصّك الجديد أن يعمل على تكريس استقلالية النقابات عن أية سلطات أخرى، وبما لا يتعارض مع الأسباب الموجبة أعلاه، باعتبار أن العمل على الصكوك التشريعية يأخذ ما يكفي من الجهد والوقت، والعمل على تعديلها يحتاج إلى عامل زمن طويل نسبياً، ومن الأجدى أن يتم تعديل بعض نصوص الصّك التشريعي بما يتوافق مع هذه الاستقلالية وتكريسها منذ الآن.

 

بكلمة

أما في رأينا فنقول: إن المطالبة بالاستقلالية التامة، أمر له محاذيره، إذ من غير المعقول غياب سلطة عليا واستبعادها عما يتم في النقابات، لأن احتمالية التفرد بمواضيع مصيرية تخص الأعضاء – مثلا –  أمر وارد حيث تُتيح الاستقلالية التامة والكاملة التحكم ومصادرة القرار والرأي النقابي العام الذي يجب أن يصب أولا وأخيرا في مصلحة توجهات الدولة، لذلك لا بد من البحث في صيغة توافقية للعلاقة التي تحكم التعامل ما بين الجهات الحكومية والرقابية وبين النقابات، لناحية السلطة والتبعية والاستقلالية.