مجلة البعث الأسبوعية

نتائج منتخبنا لكرة القدم تكشف المستور وتضع النقاط على الحروف: تجربة المدرب الأجنبي فاشلة.. وتلك هي الأسباب التي تمنع التعاقد مع مدرب وطني!!

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

مرة أخرى نعود للحديث عن المنتخب الوطني الذي قدّم أسوأ ما يمكن في عالم كرة القدم، وخرج بأداء لا يليق وبنتيجتين قاسيتين؛ وكما قلنا فالخسارة أمر طبيعي في عالم كرة القدم، لكن بمثل الصورة التي شاهدناها فإن المشهد كان مريعاً.

ونعود إلى المربع الأول الذي تحدثنا فيه عن الوعود وما شابه ذلك، وعن تصريح رئيس الاتحاد الرياضي العام بأن على اتحاد كرة القدم الاستقالة إن لم يتأهل إلى كأس العالم التي ستقام بقطر، ونعتقد هنا أن الموضوع لا يحتاج إلى الانتظار حتى لا نفقد الفرص المتاحة في التأهل إلى المونديال.

 

مؤتمر موسع

اللجنة الأولمبية السورية اجتمعت مع اتحاد كرة القدم على مرأى من وسائل الإعلام – وهذا أمر إيجابي جداً – بغاية مفادها تسليط الضوء على الحقائق، فتبين للجميع أن المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام يقدم لاتحاد كرة القدم كل ما يلزم ولا يتدخل في قراراته.. وحتى قرار الإيفاد، الذي تضمن “كوكتيلاً” من الفنيين والإداريين والمرافقين، لم يشطب المكتب التنفيذي منه أي اسم.

إذاً، الكرة في ملعب اتحاد كرة القدم؛ وأعتقد أن مثل هذه المثالية في التعامل تبدو غير مقبولة، لأن الأخطاء التي صدرت، وتصدر، سواء بحق المنتخب الوطني، والنشاطات والقرارات والعديد من الإجراءات، تحتاج إلى ضبط ومراجعة وتدقيق باعتراف المكتب التنفيذي، ذاته، الذي أبدى العديد من الملاحظات على عمل اتحاد كرة القدم ونشاطاته؛ لذلك، فالموضوع لا يحتاج إلى الكثير من الانتظار، ولا بد من إجراءات حاسمة قبل وصول الأمور إلى طريق مسدود.

المؤتمر كان ينقصه وجود المدرب التونسي نبيل المعلول الذي تابعه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد دافع – عن بعد – عن خياراته دون مواجهة حقيقية، وليعد بالمستقبل الجيد للمنتخب؛ وهذه إحدى سلبيات التعاقد مع المعلول الذي يحضر إلى دمشق على مزاجه، ويغيب على مزاجه؛ ومنذ أن وقع العقد مع اتحاد الكرة صار الرجل الأقوى الذي لا يزاحمه أحد، ولا يغلبه أحد، ولا يستطيع أحد فرض رأيه عليه، لأنه متمسك ببنود عقد كتبها كما يهوى ويشتهي.

وإذا قيل في المؤتمر أنه لا أحد يعرف تفاصيل عقد المدرب التونسي، فمن يعرف هذه البنود؟ فهل وقع العقد في المريخ؟ ومن صدّق عليه فصار جاهزاً ونافذ المفعول؟ وهذه سلبية لا تبشر بالخير، فهل يتم تمرير العقود من تحت الطاولة؟

 

بنود كارثية

بعد التدقيق والتمحيص، وبعد يومين من الاجتماع، صرح رئيس المنظمة الأم لوسائل الإعلام أن الراتب الشهري للمدرب التونسي 45 ألف دولار، وفي العقد مكافأة التأهل إلى كأس العالم مقدارها مليون ومئتي ألف دولار، ومكافأة التأهل إلى كأس آسيا تبلغ 85 ألف دولار.

وإذا أردنا أن نجري حسبة بسيطة، سنجد أن المدرب وقع العقد قبل سنة وشهرين من الآن، أي له بذمتنا حتى الآن 540 ألف دولار، وإذا استمر حتى نهاية التصفيات الآسيوية في الصين فسنضيف على المبلغ 45 ألف دولار، وهذا المبلغ الذي يصل إلى 585 ألف دولار غير محق لأن المدرب لم يداوم في هذه الفترة كلها، وبقي أغلبها متنقلاً بين بلاده وبين الخليج، محللاً للمباريات الكروية، لذلك نسأل: هل اتحاد الكرة وقع بالفخ، أم إنه يجهل أصول التعاقد؟ ولو أنهم قالوا: “هذه من أموال كرتنا المجمدة”، فهي أموالنا أولاً وأخيراً، سواء قبضناها أم قبضها المدرب التونسي!!

المسألة التالية هي مكافأة الفوز في حال التأهل إلى كأس آسيا، وهذه سقطة كبيرة من اتحاد كرة القدم، لأن منتخبنا متأهل إلى كأس آسيا، إن لم يكن متصدراً فوصيفاً، وحتى أصحاب المركز الثالث في بعض المجموعات سيحصلون على التأهل حسب نظام المسابقة، فكيف يقدّم اتحاد كرة القدم هذا المبلغ لمدرب لم يحقق أي نقطة في التصفيات حتى الآن، بينما نمنعه عن المدرب الوطني الذي حقق 15 نقطة كاملة، ولم يتعادل أو يخسر في المباريات الخمس التي لعبها؛ ونحن لا ننسى تجاهل اتحاد كرة القدم لهذا الإنجاز وهذه الانتصارات، وبدل أن يشكر المدرب على صنيعه اتهمه بأن أداء المنتخب كان سيئاً، فتمت إقالته بجرة قلم، لأنه مدرب وطني لا يستطيع أن يعترض، أو أن يشتكي، وخصوصاً أن المدربين الوطنيين يدربون المنتخبات الوطنية على بياض دون شروط وقيود، أما المدرب الأجنبي فلا نستطيع أن نفعل معه شيئاً، لأنه قيد كل قرار يمكن أن يصدر بحقه بشروط جزائية لم يفصح أحد عنها، أو عن قيمتها، ولو أن الموضوع سهل لتمت إقالته، ولكن المخفي أعظم!!

وهناك أمر آخر ينتظرنا، وقد وصلنا من مصادر موثوقة أن كل مباراة سنلعبها في الصين مع المالديف وغوام والصين سينال المدرب التونسي مكافأة كبيرة عن الفوز في كل مباراة منها!!

ونحن نتساءل: كيف نبخل على كوادرنا الفنية والإدارية بالأجور والرواتب وأذن السفر، ونتحدث عن عدم إمكانية تحقيق ذلك، ونجد أن الكرم الحاتمي موجود بسخاءعلى الغريب؟! وكيف تصرف مئات الملايين على مدرب وملاعبنا بحاجة إلى هذه الأموال لكي تصبح نضرة وخضراء نفتخر بها، ولا نخجل بمنظرها؟! ويحق لنا أن نتساءل: أيهما أشد ضرورة، بناء البنية التحتية لملاعبنا وصالاتنا، أم الوصول إلى كأس العالم؟!

 

حديث آخر

وسائل الإعلام التي حضرت الاجتماع طرحت أسئلة عديدة تعبر عن ألم الشارع الكروي، والأسئلة ابتعدت عن الشق المالي لأنه غير معروف بتفاصيله، واتجهت إلى الشق الفني، فرئيس اتحاد كرة القدم دافع عن المدرب، وأكد أنه يتحمل مسؤولية اختياره، وأنه يراهن عليه، وأن المنتخب بحاجة إلى بعض الوقت، والغريب أن العذر تمثل بأن سبب سوء المستوى يعود لأن أغلب لاعبي المنتخب من الدوري، وهو سيء بطبيعة الحال – كما يقولون ويعترفون – لذلك نسأل: أين البدلاء؟ مع العلم أن لدينا أكثر من مئة لاعب موزعين في لبنان والأردن والعراق ودول الخليج، ولدينا الكثير من اللاعبين الذين وعدونا بهم ويلعبون في الدوريات الأوروبية، لكن لم نجد، خلال أكثر من عام، أية محاولات جدية لاستدعاء هؤلاء اللاعبين وتجربتهم، وزاد الأمر سوءاً معاقبة عمر خريبين؛ وهناك عوامل خارجية أخرى تمثلت بإصابة عمر السومة، وعدم استطاعة لاعبينا في الكويت الالتحاق بالمنتخب بسبب إجراءات فيروس كورونا.

 

بين مدربين

في ذات السياق، ما زالت العلاقة الأكثر جدلية تتجه إلى المقارنة بين المدرب الوطني والمدرب الأجنبي، وأيهما الأنسب لكرتنا؟

وللإجابة على هذا السؤال، لا بد من استعراض واقع كرتنا وتجربتها مع المدربين الأجانب، مع العلم أن “مزمار الحي لا يطرب”، أي أننا لا نفكر إطلاقاً بالمدرب الوطني إلا في الحالات الطارئة والإسعافية!!

والتجارب السابقة دلّت على فشل التعاقد مع المدربين الأجانب على اختلاف مشاربهم ومدارسهم، رغم أنهم كلفونا الكثير من المال؛ ولدينا – كواقع ملموس – العديد من المدربين الوطنيين الذين أثبتوا كفاءتهم الخارجية، ولديهم الكثير الذي يمكن أن يضيفوه إلى منتخبنا؛ ولسنا بوارد استعراض الأسماء حتى لا يقال أننا ندعمهم إعلامياً، لكن القائمين على كرتنا زاهدون بالتعامل معهم والثقة بهم، لأمرين اثنين:

أولهما أن العديد من هؤلاء المدربين عليهم “فيتو”، لأسباب شخصية ليس إلا!! فهذا لا نحبه، وهذا لا يبجلنا، وهذا لسانه طويل، والقضية هنا شخصية بحتة، وليس لها أي سبب آخر.

وثانيهما أننا نبخل في التعويض المالي للمدرب الوطني، فندفع له من طرف الجيبة، بينما ندفع للأجنبي عشرات الأضعاف، إن لم يكن أكثر.

وإضافة لذلك، فإننا نتعامل مع المدرب الخارجي كـ “خواجة” ننفذ له رغباته ومصاريفه من درجة النجوم الخمس في أولويات العمل، بينما نقنن على المدرب الوطني ونرفض أغلب طلباته، ونزهد في احترامه والتعامل معه.

وما دمنا نتعامل بمثل هذه العنجهية مع مدربينا الوطنيين، فلن نحصل على اسم فني يتألق في الخارج؛ وتجربة المدرب الوطني نجحت في الكثير من البلدان العربية، كالعراق ومصر ودول المغرب العربي، وصار مدربوها سفراء لكرتهم في الخارج، وكل ذلك لم يحدث لولا أن تلقى هؤلاء المدربين الدعم من اتحاداتهم الوطنية.

وإذا أردنا أن نكون واقعيين، فإننا بمثل هذه الظروف لا نحتاج أكثر من مدرب وطني، لأنه الأدرى بواقعنا والأعلم بأحوالنا وأحوال لاعبينا ونفسياتهم، ونفسيات من يقود كرة القدم، ولأن إمكانياتنا لا تتناسب مع المدرب الخارجي، فليس لدينا الملاعب الصالحة – على سبيل المثال – وليس لدينا روح المبادرة؛ أي نحن لا نقرر مع من نلعب، ونحن نطلب من المنتخب الذي لديه رغبة باستقبالنا لنلعب معه، فليس لدينا حق الاختيار ما دمنا لا نستطيع استضافة أي منتخب!!

وأي مدرب خارجي لا يستطيع أن يقدم لكرتنا شيئاً ولو كان بدرجة كلوب أو مورينو أو غوارديولا، لأن التدريب علم ومقومات وإمكانيات، وهذا أمر نفتقده؛ لذلك لا داعي لهدر المال على مدرب لا نستفيد من اسمه وجنسيته. ومن الممكن – إذا أردنا تطوير كرة القدم – أن تتعاقد الأندية مع مدربين اختصاصين في القواعد من أجل تنمية مهارات اللاعبين وتنمية طاقاتهم وصقل موهبتهم، وهذا يجب أن يبدأ مع الأندية المملوءة بالمواهب كالاتحاد والكرامة والوحدة وحطين وتشرين، وربما النواعير والطليعة؛ وبالوقت ذاته، يمكن لمدربينا في القواعد أن يستفيدوا من هذه المعايشة، فبلدنا مملوء بالمواهب، وهم فطريون في كرة القدم، وأكثر ما يلزمنا هو العناية بهذه القواعد، والعناية بمدربي القواعد.

ومع أننا نحلل ونفند الأسباب ونقترح الحلول، منذ أكثر من أربعين سنة، إلا أن أحداً، وللأسف، لم يبدأ بالمعالجة الناجعة، والعمل على علاج كرتنا، رغم أن الحلول باتت معروفة للجميع، وهي ليست صعبة ولا مستحيلة، لأننا نراها مطبقة عملياً في البلدان القريبة منا، والتي كنا يوماً ما نعلمها الرياضة، ونعلمها ما هي كرة القدم. وللأسف، علينا أن نعترف أن كرة القدم هي التي تقودنا، ولسنا نحن من يقود هذه الكرة الجميلة.