مجلة البعث الأسبوعية

جدل بين المالية والمنظرين حول اعتمادات الدعم الاجتماعي في موازنة 2023! 

البعث الأسبوعية ـ علي عبود

ما أن تعلن الحكومة عن مشروع الموازنة العامة للدولة حتى يندلع نقاش حاد بين الباحثين والمحللين والأكاديميين الاقتصاديين حول أرقام الدعم الاجتماعي، ففي حين تؤكد وزارة المالية بأن أرقام الدعم ارتفعت يبرهن الاقتصاديون بالأرقام أن الدعم الاجتماعي ينخفض من موازنة إلى أخرى، وبالتالي نسأل: هل أرقام الدعم الاجتماعي في موازنة 2023 ارتفعت أم انخفضت؟

وبغض النظر عن الإعتمادات المرصودة في الموازنة سواء كانت كبيرة أم صغيرة فإن السؤال المهم: ماذا تنفق الحكومة فعليا من الدعم الاجتماعي على ملايين الأسر السورية؟

وبما إننا لن نعرف حجم الإنفاق الفعلي وليس الورقي قبل إنجاز قطع حسابات موازنة 2023 ، والتي ستكون استنادا لتجارب العقود الماضية في عهد حكومة أخرى، فإن الجدل حول أرقام الدعم الاجتماعي يبقى جدلا نظريا بحتا، لكنه يؤشر إلى نهج الحكومة بالتخلي تدريجيا عن تقديم الدعم للشرائح المهمشة في المجتمع.

 

انعكاس الدعم على المواطن

ولا يهتم المواطن بأي جدل حول سياسات الدعم الحكومية، فهو منشغل بكيفية تأمين مادون الحد الأدنى من مستلزمات عيشه اليومي بدخل تنخفض قوته الشرائية مع كل تعديل لسعر الصرف!

ولو سألنا: أي مواطن لأجاب عن انشغال الحكومة بوضعه المعيشي: أين هذا الدعم الذي “يمنّنونا” به على مدار الساعة؟

بالنسبة للأسرة السورية التي اختفى الكثير من السلع الأساسية عن موائدها اليومية، فالدعم يتراجع أكثر فأكثر والدليل التالي:

ـ مخصصات الأسرة من اسطوانات الغاز انخفض من 12 اسطوانة إلى 3 اسطوانات سنويا.

ـ مخصصات الأسرة من المازوت انخفضت من 1000 ليتر بسعر 8 ليرات لليتر الواحد إلى 100 ليتر سنويا كحد أقصى بسعر 500 ليرة لليتر الواحد

ـ تقلص توزيع مادتي السكر والرز  المدعومتين من مرة شهريا إلى أقل من ثلاث مرات سنويا عبر ما يسمى ببدعة “الدفعات” مع رفع سعر الكيلو غرام الواحد من كل منهما بنسبة 100%.

ـ إلغاء توزيع مادة الشاي واقتصار توزيع الزيت مرة أو اثنتان سنويا!

ـ تحرير أسعار المحروقات أدى إلى رفع أسعار جميع السلع والخدمات إلى درجة انكمش معها الاستهلاك وتراجع الإنتاج!

ـ التعليم المجاني لم يعد مجانا لأن مستلزمات التعليم من ألبسة وكتب وقرطاسية تحتاج إلى قرض مصرفي، والطبابة لم تعد أيضا مجانية بارتفاع أسعار الأدوية إلى مستويات تفوق القدرة على شرائها للمصابين بأمراض مزمنة.

بعد كل هذا تسأل ملايين الأسر: أين هذا الدعم الاجتماعي أمام واقع يومي لا نستطيع فيه تأمين الحد الأدنى من مستلزمات العيش الكريم؟

ماذا نستنتج من تصريح وزير المالية؟

صحيح أن وزارة التجارة من جهة، واللجنة الاقتصادية من جهة أخرى، هما المسؤولان عن ضبط الأسواق ورفع الأسعار، ولكن وزارة المالية هي المسؤول الفعلي عن رصد إعتمادات الدعم الاجتماعي، فعلى أساس ما ترصده تقوم الجهات الحكومية الأخرى بإنفاق الدعم على المواطنين بأشكال وصيغ مختلفة، وبالتالي السؤال: ماذا عن إعتمادات الدعم الاجتماعي في موازنة 2023 .. التي أقرها مجلس الوزراء هل ارتفعت أم تقلصت؟

يؤكد وزير المالية أن (الدعم الاجتماعي الإجمالي الذي سوف تتحمله الحكومة خلال العام القادم يقدّر بنحو 13565 مليار ليرة، مقابل 9181 مليار ليرة في عام 2022 وبالتالي فإن الدعم الاجتماعي الإجمالي لم ينخفض أبداً، بل ازداد خلال العام القادم بمقدار 4384 مليار ليرة، بنسبة 47,7 بالمئة، وهذا ما يؤكد استمرار الدولة بتقديم الدعم الاجتماعي للمواطنين.

ونستنتج من كلام الوزير إن المواطن سيلمس تحسنا كبيرا في أوضاعه المعيشية بنسبة لا تقل عن 47% .. فهل هذا الانطباع صحيح؟

نظريا، لا يمكن الجزم فيما إذا كانت أرقام الدعم الورقية والبالغة 13565 مليار ستنفق فعلا، بل السؤال الذي لم ولن يجيب عليه وزير المالية: ما نسب الإنفاق من إعتمادات الدعم الاجتماعي في الموازنات السابقة؟

ما القوة الشرائية لمليارات الدعم؟

لنبقى في الجانب النظري ونسأل:ما القوة الشرائية لمليارات الدعم الاجتماعي؟

ونتبعه بسؤال أكثر أهمية: هل زاد الدعم الاجتماعي (الورقي) في موازنة 2023  فعلا بنسبة 47.7 % عن مثيله في موازنة 2022؟

حسنا، يمكن معرفة الأجوبة على هكذا أسئلة بسهولة في حال استندنا إلى سعر الصرف المعتمد في موازنتي 2022 و 2023، فوفق سعر الصرف فقط يمكن الوقوف على القوة الشرائية لمليارات الدعم.

اعتمدت موازنة 2022 على سعر صرف للدولار بـ  2512 ليرة، وبالتالي فإن قيمة الدعم الاجتماعي في موازنة 2022 البالغة 9181 مليارا تساوي 3.65 مليار دولار تقريبا، واعتمدت موازنة 2023 سعر صرف للدولار بمبلغ 3000 ليرة، وبالتالي فإن قيمة الدعم البالغ 13565 مليارا يساوي 4.52 مليار دولار، وبالتالي فالزيادة الفعلية الورقية للدعم الاجتماعي لا تتجاوز 0.87 مليار دولار أي بنسبة 23 % فقط ، وهذه الزيادة في حال إنفاقها فعليا، بالكاد تغطي عدد الأسر الجديدة الناتجة عن عقود الزواج في عام 2022، والزيادة في عدد أفراد الأسر القائمة.

وللاقتصاديين حديث آخر

وإذا كانت الوقائع المدعومة من معاناة ملايين الأسر السورية تؤكد هزالة الدعم الاجتماعي، فهذا يدفعنا للاستنتاج أما أن الدعم أقل بكثير من الحاجات الأساسية، أو أن هذا الدعم لا ينفق منه سوى القليل، ومع ذلك فإن المحللين، وتحديدا أساتذة الاقتصاد لهم حديث مناقض تماما لما أعلنه وزير المالية.

يرى الدكتور حسن حزوري أستاذ الاقتصاد بجامعة حلب “أن أرقام الدعم الاجتماعي وضعت بشكل عشوائي ، بعيدة كل البعد عن الأساليب العلمية والموضوعية .. والتضخم الحاصل كانت نتيجته أن المبالغ المعتمدة بمجملها هي أقل من العام الماضي كقوة شرائية”.

ورأى الحزوري أن مبلغ الدعم الاجتماعي انخفض بمقدار 600 مليار ليرة على عكس تصريح وزير المالية الذي قال فيه إن الدعم الاجتماعي لم ينخفض بل زاد أكثر من 47% !

وكشفت الباحثة الاقتصادية د. رشا سيروب  أن دعم الدقيق التمويني انخفض بنسبة 37.5% عن العام السابق.، وأن كتلة الرواتب والأجور لم ترتفع عن العام السابق، فالزيادة عبارة عن تضمين محاسبي للزيادات التي طرأت على رواتب العام الحالي لأنها لم تكن مدرجة في موزانة 2022، حيث جرت العادة أن تصدر الزيادة بعد صدور الموازنة.

 

الخلاصة:

أكد وزير التجارة الداخلية الدكتور عمرو سالم أن هناك 4 ملايين بطاقة دعم يستفيد منها ما يقارب 14 مليوناً ومئة شخص تقريباً، فإذا فكرنا بتحويل قيمة الدعم إلى دعم مادي أو بدل دعم فإن القيمة الكلية ستفوق قيمة الميزانية الكلية للدولة و هذا شيء غير ممكن، ونستنتج من كلام الوزير إن الدعم الاجتماعي الفعلي المرصود في الموازنات السنوية الذي يسد حاجات ملايين الأسر محدودة الدخل سيبقى ورقيا، وما ينفق منه فعليا هزيل جدا!!