دراساتصحيفة البعث

إنه عصر الجنوب العالمي

عناية ناصر

شهد تشرين الثاني الماضي اهتماماً عالمياً بمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ 2022، في شرم الشيخ، حيث يُشار إلى الاجتماع بشكل أكثر شيوعاً باسم “كوب27”.

جاء الاجتماع في وقت يواجه فيه العالم التأثير غير المسبوق لتغيّر المناخ، والذي تسبّب في انتشار، وزيادة حجم وتواتر حالات الجفاف والفيضانات والكوارث الأخرى. وفي ظل هذه الخلفية، سئمت دول الجنوب وتعبت من المناقشات المطولة والمماطلات التكتيكية، وأوضحت هذه البلدان منذ البداية أن العالم لم يعد قادراً على قضاء المزيد من الوقت في التملص من القضايا الحقيقية.

لاقى السخط والغضب والاستياء الذي وجهه الجنوب العالمي للعالم المتقدم خلال المؤتمر صدى واسعاً، لكن حتى اليوم، لا يزال الالتزام الذي تمّ التعهد به، في عام 2009، خلال مؤتمر المناخ في الدانمارك، بتقديم مبلغ 100 مليار دولار سنوياً، حبراً على ورق.

أثار هذا التطور خطاباً غاضباً مع الأسئلة المثارة حول سبب استمرار البلدان المتقدمة في دعم التصنيع باستخدام الطاقة القذرة بدلاً من إزالة الكربون من إنتاجها، والاستفادة من الطاقة النظيفة لتصنيعها للعالم. في الأيام الأولى من “كوب 26″، خصّصت الحكومة الاسكتلندية 2 مليون جنيه إسترليني للخسائر والأضرار، وأدى هذا إلى تصعيد التركيز على التمويل والخسائر والأضرار، وممارسة المزيد من الضغط على البلدان المتقدمة الأخرى للسير على خطا اسكتلندا.

وفي وقت لاحق، دعت البلدان النامية بشكل جماعي إلى إنشاء مرفق “غلاسكو” لجمع وتوجيه الأموال إلى البلدان النامية الضعيفة لدعم جهودها لمعالجة الخسائر والأضرار.

لكن في نهاية المطاف، ثبت أن الصدمة من البلدان المتقدمة أقوى من التغلب عليها، ولم يتمّ إنشاء المرفق. بدلاً من ذلك، تمّ إنشاء حوار “غلاسكو” كمنصة لمناقشة ترتيبات التمويل. وتجدر الإشارة إلى أن الخسائر والأضرار ليست مجرد موضوع لحوار لامتناه، فهي قضية شائكة تعبّر عن التجربة اليومية والكابوس الحيّ لملايين الأشخاص، وخاصة في البلدان النامية. ونظراً لحجم الاضطراب، كان من المحتّم أن تحتل الخسائر والأضرار مركز الصدارة في مؤتمر شرم الشيخ، حيث اعترض عليها المتحدثون من دول الجنوب، وسعوا إلى معالجتها بمستوى من الجدّية التي تدلّ على الإنصاف والإلحاح والاهتمام.

في مرحلة ما، تمّ تذكير الغرب مرات عدة، بأن أفريقيا تساهم بأقل من 3٪ فقط من التلوث المسؤول عن تغير المناخ، لكنها تأثرت بشدة بالأزمة التي تلت. لذلك، كان من الإنصاف والعدل والملائم أن يتخذ مؤتمر “كوب27″ التدابير اللازمة للاعتراف بالاحتياجات والظروف الخاصة لأفريقيا بموجب اتفاق باريس، بما يتماشى مع الاتفاقية والقرارات ذات الصلة التي اعتمدتها مؤتمرات الأطراف السابقة.

في مواجهة الكارثة الوشيكة -أصبحت إشاراتها التحذيرية كارثية بالفعل- قيل لشمال الكرة الأرضية إن العمل الضعيف لن يكون حكيماً، وعدم القيام بأي عمل سيكون أمراً خطيراً . بدلاً من ذلك، يجب أن يركز الخطاب على الإنجاز، وحول كيفية تنفيذ الالتزامات التي تمّ التعهد بها، وقد تم التأكيد على أن الدول المتقدمة يجب أن تكون على مستوى التحدي الحالي، وتتخذ قرارات صعبة، ولكنها ضرورية لمواجهة كارثة المناخ. وأوضح دول الجنوب الكرة أن هذا يعني الوفاء بالتزامات الإنفاق للتخفيف والتكيف، وحشد التدفقات المالية المتزايدة للمتضررين، وبدا أن الضغط الهائل الذي مورس على البلدان المتقدمة يؤتي ثماره.

وبعد ما يقرب من أسبوعين من المؤتمر الطويل، اتخذت الأطراف في”كوب27” قراراً تاريخياً -بعد ما يقرب من ثلاثة عقود من التأخير المتعمد وعدم اتخاذ أي إجراء- ووافقت على إنشاء وتشغيل صندوق الخسائر والأضرار، ولاسيما للدول الأكثر عرضة للآثار الضارة المترتبة على أزمة المناخ، ومن المتوقع أن يشهد الصندوق دعم هذه البلدان للخسائر الناجمة عن الجفاف والفيضانات، وارتفاع مستوى البحار والكوارث الأخرى التي تُعزى إلى تغير المناخ. لكن ليس من الواضح من الذي يجب أن يدفع للصندوق، ومن أين ستأتي هذه الأموال وأي البلدان ستستفيد؟.

إن مثل هذا التطور قد ينهي القضية الشائكة التي كانت واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل على طاولة المفاوضات، كما أنه يبرز السؤال التالي: هل ستمارس أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية نفوذها أخيراً في إدارة العالم؟ وكيف سيشكل الجنوب العالمي الكرة الأرضية في المستقبل؟ من الواضح أن هذا هو الحال مع ازدهار التعاون بين بلدان الجنوب في مجالات مختلفة مثل التجارة والأمن الإقليمي وتطوير البنية التحتية والاقتصاد، من بين مجالات أخرى، كما يمكن القول إن هذا هو عصر الجنوب.