مجلة البعث الأسبوعية

د. نايف الياسين: سننشر الكتاب الجيد، الذي لا يُطبع ليقبع في المستودعات

تمام بركات

الهيئة العامة السورية للكتاب مؤسسة عامة ذات طابع ثقافي تتبع لـوزارة الثقافة، تعنى بنشر الكتب المؤلفة والمحققة والمترجمة في مختلف مجالات المعرفة والثقافة والعلوم، وكذلك الإسهام في تطوير الحركة الفكرية والثقافية ونشاطات القراءة وصناعة الكتاب، إضافة إلى تعريف المجتمع العربي السوري بالحركات والاتجاهات الفكرية والثقافية والأدبية المحلية والعربية والعالمية، وتنمية المدارك الفكرية والوطنية والقومية والإنسانية، والعقلانية في التفكير

البعث الأسبوعية التقت الدكتور نايف الياسين، المدير العام للهيئة العامة للكتاب، والذي باشر عمله فيها منذ شهر أيار 2022:

هل ترى داعياً موجباً لوجود هذه الهيئة كجهة، تنفق عليها الدولة دون عائد مادي تقريباً، أو بعبارة أخرى ماذا تضيف هذه الهيئة للحياة الاجتماعية والثقافية السورية؟

إن وجود هذه الهيئة مهم بالتأكيد، ولو لم تكن موجودة لوجب تأسيسها، ولا تقاس أهمية وجود مثل هذه الهيئات بالعائد المادي الذي تحققه، لا سيما في هذا الوقت بالذات، وقد يتطلب الأمر منا التأكيد على أن الكتاب ليس سلعة رفاهية، بل هو حاجة أساسية للفرد وللمجتمع، فلا علم، ولا تربية، ولا ثقافة، ولا تطور ولا تنمية دون الكتاب.

وأقول في هذا الوقت بالذات، لأن معظم دور النشر الخاصة تحجم عن نشر الكتاب الذي لا يحقق ربحاً، ونحن نعلم أن هذا العامل لا يحدد بالضرورة أهمية الكتاب، هذا، إضافة إلى محدودية القدرة الشرائية للقارئ السوري. ومن هنا، لا بد من وجود هيئة حكومية غير ربحية تقدم كتاباً على درجة عالية من الجودة وبسعر معقول، ولا شك أن وجود الكتاب الجيد في أيدي القراء يحفز التفكير ويثير حواراً ثقافياً صحياً، ويشكل مادة للعالم، والباحث والناقد والأديب، وبالتالي يغني الحياة الاجتماعية والثقافية.

قيل إن الكاتب في عصر المأمون كان يحصل على أجر مقداره وزن كتابه ذهباً، بينما الآن يعمد البعض من الكتّاب لاتباع طرق مختلفة وملتفة أحياناً لنشر كتبهم، كالوسائط والمعارف الشخصية اللتين تعتبران من أكثر الانتقادات حدة بحق الهيئة خلال مراحل عديدة، كيف تصفون هذا التحول بين ما كانت عليه حال الكاتب وما هي عليه الآن؟

لا شك أن المردود المادي الذي يحققه الكاتب، والباحث، والمترجم ليس مُرضياً على الإطلاق، وفي هذا المجال فإن الهيئة والكاتب على الجانب نفسه؛ ولو كان الأمر عائداً للهيئة لضاعفت هذا العائد مرات لكن هذا الأمر له، من حيث الجوهر، أسباب كثيرة تتجاوز الهيئة، بل تتجاوز جميع الجهات القائمة على صناعة الكتاب هذا أمر يتعلق بقيم المجتمع وأولوياته، والأهمية التي يوليها للمعرفة، والثقافة، وبالتالي للقراءة والكتاب.

أما اللجوء إلى الواسطة والمعارف لنشر كتاب، فهذا نتيجة ثقافة مجتمعية سائدة، بل طاغية، وليس من المفاجئ أن ترى معظم المنتقدين من بين الذين يلجؤون إلى نفس الأساليب، فبالنسبة للبعض، تكون الأمور مستقيمة إذا نُشرت كتبهم، ومعوجّة إذا نُشرت كتب غيرهم.

من حيث المبدأ، الكتاب الجيد ليس بحاجة لواسطة، وإذا اعتذرت جهة عن عدم نشره، سيجد جهة أخرى تنشره، واقع الحال هو أن عدداً كبيراً من المؤلفات التي تقدم إلى الهيئة ليس على درجة كافية من الجودة، سواء من حيث اللغة، أو المنهجية، أو المحتوى، أو الأهمية بالنسبة للقارئ، والنوع الطاغي مما يقدم هو المجموعات الشعرية، وجزء كبير منها لا يقدم جديداً إبداعياً، ولا يغني الذائقة الفنية والأدبية للقارئ، بل نادراً ما يجد قارئاً.

لو أنك من الذين ينتقدون أداء الهيئة، كيف يمكن أن تنتقدها؟

أنتقدها إذا نشرت كتاباً سيئاً، وإذا كان بإمكانها أن تنشر كتاباً جيداً وأحجمت عن نشره.

ما هي السياسة العامة التي ستتخذونها لتفعيل دور الثقافة بشكل أكثر حتمية وقدرة على تغيير ثقافة الهدم التي سادت العديد من نفوس السوريين؟

رؤيتنا الآن جعل الكتاب الصادر عن الهيئة كتاب واجب القراءة، من حيث جودته، وسياستنا جعل الهيئة موئلاً لجميع الكتاب، والمترجمين والباحثين الجادين والجيدين، ومعيارنا في النشر جودة الكتاب لا عدد ما ننشر من عناوين، وأدعو جميع الحريصين على الثقافة إلى التعاون معنا لتقديم منتج ثقافي يليق بإرث سورية والثقافة السورية، ونولي قضية إعلاء الفكر البنّاء ونشر الفكر التنويري أهمية كبرى، ونأمل أننا بنشر الكتاب الجيد ومن خلال إقامة معارض الكتب والأنشطة الثقافية المرافقة لها نسهم في إغناء الذائقة الفنية والأدبية ونسمو بالممارسة الفكرية البناءة.

وفي سبيل تحقيق ذلك، نركز بشكل خاص على منشورات الطفل ونعطيها الأولوية، فالطفل أملنا في تغيير واقعنا إلى الأفضل وبناء مستقبل مشرّف، ومن المؤكد أننا إذا غذّينا ثقافة القراءة واحترام الكتاب لدى الطفل نساهم في بناء إنسان أكثر قدرة على التصدي لمشكلاته والتحديات التي تفرضها ظروفه.

وأولويتنا الثانية هي الترجمة، فثمة عدد هائل من الكتب القيّمة التي تستحق الترجمة، والتي يمكن أن تفيد المثقف، والباحث، والطالب، ومهما فعلنا في هذا الصدد نبقى مقصرين، وهنا أيضاً، ومن خلالكم، أدعو جميع المترجمين الأكفاء، ومن جميع اللغات، إلى التواصل مع مديرية الترجمة في الهيئة لاختيار أحد كتب الخطة الوطنية للترجمة، أو التقدم بكتب يقترحون ترجمتها.

خير جليس في الأنام كتاب. كيف تسعى الهيئة لأن تجعل من هذه الحكمة عنواناً لمرحلة جديدة في سورية؟ وأيضاً كيف ستنافس الهيئة العامة السورية للكتاب دور النشر الأخرى، وكيف ستنهض بالثقافة السورية؟

سنبذل كل جهد ممكن لنشر الكتاب الجيد الذي يكون فعلاً خير جليس لا الذي يُطبع ليقبع في المستودعات، الكتاب الذي يغني فكر وذائقة القارئ، ويطور تفكيره النقدي، ويسهم في نماء الفرد والمجتمع.

أما فيما يتعلق بالتنافس مع الدور النشر الخاصة، لا أعتقد أن ما يحدث يمكن أن يسمى تنافساً، بل يمكن أن يتسم عملنا بالتكامل لا بالتنافس. في كل الأحوال، لدينا نقاط قوة تتمثل في عدم سعينا إلى الربح، فالهيئة مؤسسة غير ربحية، وبالتالي نستطيع إنتاج الكتاب الذي نعتقد أنه جيد، بصرف النظر عن عائده المادي، بينما لا تستطيع دور النشر الخاصة فعل ذلك.

خلال السنوات الماضية، كانت دور النشر الخاصة تشارك في معارض الكتاب في الدول العربية، بينما لم تكن الهيئة تتمكن من ذلك بسبب الظروف التي نعرفها جميعاً، وأيضاً بسبب عدم قدرتنا على تحمل التكاليف، لكننا تغلبنا نسبياً على هذه العقبة من خلال توكيل دار نشر خاصة تشارك نيابة عن الهيئة في جميع المعارض المقامة، وباتت كتب الهيئة تصل إلى القراء في البلدان العربية، حالياً. ومن خلال وكيلنا، نعلم أن كتب الهيئة تحظى باهتمام واحترام كبيرين من القراء العرب.

كما تعثّر توزيع كتب الهيئة داخلياً في الفترة السابقة لسببين رئيسيين تمثلا في توقف الشركة السورية لتوزيع المطبوعات، التي كانت توزع كتب ودوريات الهيئة، عن العمل ومشكلة عدم توفر الوقود الكافي لتقوم الهيئة بالتوزيع على المحافظات.

لكن بالتعاون مع مديريات الثقافة في المحافظات، نقوم بتزويد منافذ البيع كلما استطعنا ذلك، ونعمل حالياً على آلية لتوكيل مكتبات في جميع المحافظات تستجر كتب ودوريات الهيئة وتبيعها لجمهور القراء.

تعاني الهيئة العامة السورية للكتاب من غياب أي بحوث مسحية واستطلاعية ترصد لها الصدى الذي تحققه كتبها عند القراء رجع الصدى” كعدد (الكتب المباعة، الكتب المطبوعة، الكتب المرتجعة). كيف ستعرفون في المرحلة المقبلة إذا حققت كتب الهيئة الهدف المراد من طبعها؟

هذا غير دقيق، لدينا جميع البيانات التي ترينا عدد الكتب المطبوعة والمباعة، ونعرف الكتب المرغوبة أكثر من غيرها لكن للأسف لم يكن يتم العمل دائماً بناء على هذه المعرفة.

وبناء على ما نعرفه من هذه البيانات، نريد أن نركز على أن نكون مدفوعين بمدى أهمية وفائدة الكتاب والإقبال عليه أكثر من مجرد تلبية رغبة الكاتب بالنشر.

قمتم مؤخرا بتوزيع جوائز الهيئة العامة السورية للكتاب لعام 2022 هل من خطة لدى الهيئة للتركيز على الفائزين ومتابعتهم بشكل متواصل والترويج لأعمالهم؟

إن إقامة حفل لتوزيع هذه الجوائز برعاية السيدة وزيرة الثقافة يشكل بحد ذاته تسليطاً للضوء على الأعمال الفائزة وترويجاً لها. وستقوم الهيئة بطباعة الأعمال الفائزة ونشرها. فالفائز ينال الجائزة، وينشر عمله، ويتلقى تعويضاً مالياً لقاء نشر العمل أيضاً. ومن المؤكد أن هذا يلفت الانتباه إلى موهبته ويمهد له الطريق لمزيد من التأليف والنشر.

أحد أسباب عزوف العديد من الكُتاب عن الطبع لدى الهيئة، هو المقابل المادي الزهيد، هل من خطة لهذا الحال أيضا؟

هذا صحيح جزئياً، فقد يجد مؤلفو الدراسات الجادة والمترجمون الجيدون وعدد قليل جداً من الروائيين والشعراء من يدفع لهم مقابلاً أكبر مما تدفعه الهيئة، بينما نعلم جميعاً أن العدد الأكبر من الشعراء والروائيين يدفعون هم بأنفسهم مبالغ كبيرة لدور النشر الخاصة مقابل طباعة أعمالهم وتوزيعها.

على كل حال، الهيئة تقر بأن التعويضات التي تدفعها لا تتناسب مع الجهد والوقت الكبيرين المبذولين في عملية التأليف والترجمة، وتتمنى لو كان بوسعها أن تضاعفها مرات. لكن علينا أن ندرك أن بلادنا تمر في ظروف غير عادية، وهذا ينعكس على عمل الهيئة كما ينعكس على كل مجالات العمل الأخرى.

ورغم هذه الظروف رُفعت التعرفة التي تدفعها الهيئة مرتين وبمعدل ضعفين خلال السنتين الماضيتين، وسنعمل على رفعها كلما كان ذلك ممكناً.

نحن نؤمن بأهمية الكلمة ونعلي شأنها وشأن كل من ينتج الكلمة الجميلة، النيّرة، الناضجة، البناءة، ولن ندخر جهداً لإنصافه وتقدير جهده.