مجلة البعث الأسبوعية

لماذا لا نكون مع أمريكا .. ونخلص ؟؟..

د. مهدي دخل الله

سؤال لا يُطرح علناً في سورية ، لكنه يدور في صدور عدد كبير من الناس ، بمن فيهم النخب . ولدى هؤلاء مسوغات وذرائع قوية . يقولون : نعترف بأن أمريكا مصدر الشر والهيمنة والظلم ، لكنها القوة الأقوى والحاكم بأمره في كل أنحاء العالم ، وهي تسيطر على المنطقة العربية حولنا من محيطها إلى خليجها ، كما أنها قوة شرسة ضربت العراق وليبيا واليمن ، وهي تضرب سورية بقسوة ما بعدها قسوة ، وغالبية الأنظمة العربية – كلها ما عدانا – متصالحة مع هذا الوحش المنفلت من عقاله ، بما في ذلك السلطة الفلسطينية .. فلماذا علينا ( أن نحمل السلم بالعرض) ، ونكون وحيدين عربياً في مواجهة الشر الأكبر ؟… فلنكن واقعيين !..

حسناً : فلنناقش الموضوع بموضوعية وهدوء .

أتساءل : هل ثمن اتّباع أمريكا أرخص من ثمن رفضها دفاعاً عن استقلال الرأي والموقف ؟؟.. فلنقارن أية واقعية هي الأكثر وقعاً .

قضت أمريكا على من قالت عنه حكماً استبدادياً في العراق للدفــاع عن ( الشعــب العراقــي المسكيــن )  ، وجلــب ( الديمقراطية له ) ، وقضت على حكم صدام حسين هناك ، منذ عشرين عاماً . حسناً .. أين المن والسلوى في العراق اليوم ؟ أين التنمية والديمقراطية والأمن والسلام ، والعراق عضو في أوبك وبلد غني ؟.

لننتقل إلى ليبيا ، أين السلام والكرامة هناك بعد أحد عشر عاماً من القضاء على الدولة ؟ كيف يعيش الشعب الليبي الذي هو واحد من أغنى شعوب العالم بسبب كثرة نفطه وقلة عدده ؟.. ألا يتقاتل الليبيون يومياً ( والمنقذ الأمريكي ) يتفرج وكأن الأمر لا يعنيه ؟..

ثم ما هي البنى التحتية العظيمة التي أسهمت أمريكا في بنائها عند أتباعها من العرب ؟ أين ما يشبه سد الفرات والسد العالي ، وهما من أهم البنى التحتية في المنطقة ؟ هل كانت الشعوب العربية التي تشبه سورية في إمكاناتها ( الأردن ، تونس ، لبنان ، مصر ، المغرب ، السودان ، اليمن ) تعيش في مستوى أفضل من الشعب السوري ، أم أن العكس هو الصحيح ( ما عدا الأغنياء الذين لا يشكلون أكثر من 5% من الشعب ) ؟..

ثم.. إليكم هذا الحدث الذي نشرته الصحافة الأردنية : عندما فتحت الحدود مع الأردن ، قبل سنتين أو ثلاث ، اتفق عدد من رجال الأعمال الأردنيين مع أولاد عمهم السوريين في درعا على مشاريع للعمل المشترك ( وللعلم فإن حوران تمتد من جنوب دمشق وحتى شمال معان في القسم الجنوبي من الأردن ) . قام أحد موظفي السفارة الأمريكية في عمّان بدعوة الأردنيين المذكورين ، وهددهم بلهجة متعالية ، ومنعهم من العمل مع أولاد عمومتهم في سورية . وبالطبع ، توقف الأردنيون عن المتابعة .

أطرح سؤالاً واضحاً : تصوروا لو أن تاجراً سورياً أراد أن يتعامل مع تاجر أخر في أي دولة من هذا العالم وفق القانون السوري ، ثم دعاه موظف في سفارة الدولة المسيطرة في دمشق ( سواء كانت أمريكا أو الصين أو روسيا أو فرنسا أو حتى نيكاراغوا .. ) ، ومنعه من المتابعة ، هل هناك سوري واحد يقبل ذلك ؟.. هل يقبل السوري أن يشارك السفير الأمريكي مشاركة آمرة في تشكيل حكومتنا وإداراتنا في كل مرة ؟.. ليس الاستقلال وليست الكرامة مبادئ أخلاقية فحسب ، وإنما هي قوانين تتعلق بالحياة نفسها …

 

mahdidakhlala@gmail.com