مجلة البعث الأسبوعية

لا يساوي الحبر الذي كُتِب به

البعث الأسبوعية – محمد غالب حسين

قبل واحد وأربعين عاماً أصدر الكنيست الصهيوني في الرابع عشر من شهر كانون الأول عام ١٩٨١م، ما يُسمّى بقرار ضمّ الجولان إلى الكيان الصهيوني، وتطبيق القوانين الاسرائيلية عليه، وفرض الهوية الصهيونية على أبناء الجولان السوري المحتل بقرى مجدل شمس ومسعدة والغجر وعين قنية وبقعاثا.

ومع أن القرار العدواني الاحتلالي الاسرائيلي وُلِد ميتاً، ولا يساوي الحبر الذي كُتِب به، إلا أن الأهل الأباة في الجولان السوري المحتل، رفضوا القرار رفضاً قاطعاً، وأعلنوا الانتماء الأصيل لوطنهم الأم سورية، والاعتزاز بهويتهم العربية السورية، لأنها رمز كرامتهم وفخرهم، ونسبهم وجذورهم وانتسابهم.

الإدانة الدولية

وبعد ثلاثة أيام من صدور القرار اجتمع مجلس الأمن الدولي بناء على طلب من الجمهورية العربية السورية لدراسة مآلات القرار الاسرائيلي وتداعياته، وأصدر المجلس القرار رقم ( ٤٩٧ ) تاريخ : ١٧ / ١٢ / ١٩٨١ م الذي ينص على ما يلي:

–    قرار اسرائيل بضم الجولان السوري المحتل لاغٍ وباطل، وليس له أي أثر قانوني دولياً.

–   مطالبة ” إسرائيل” بإلغاء قرارها فوراً.

–  تستمر نصوص اتفاقية جنيف المؤرخة في ١٢/ ٨ / ١٩٤٩، والمتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب بانطباقها على الجولان .

– في حال رفض ” إسرائيل” تنفيذ هذا القرار، يجتمع مجلس الأمن الدولي بصورة عاجلة للنظر في اتخاذ التدابير اللازمة، استناداً لميثاق الأمم المتحدة والصلاحيات المنوطة بالمجلس.

وبتاريخ ٥ / ٢ / ١٩٨٢ تقدّمت سورية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرار يدين “إسرائيل” لضم الجولان، وعدم تنفيذها لقرار مجلس الأمن الدولي رقم ( ٤٩٧ )، وقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار الإدانة بأغلبية ساحقة، وينص على مايلي :

– إن قرار “إسرائيل” بضم الجولان السوري المحتل لاغ وباطل، وليس له أي صحة قانونية على الإطلاق.

– تطالب الجمعية العامة للأمم المتحدة “إسرائيل” أن تلغي قرارها فوراً .

– في حال عدم إلغاء “إسرائيل” للقرار، ترجو الجمعية من مجلس الأمن الدولي العمل بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة القاضي باتخاذ الإجراءات اللازمة.

إدانة جديدة

كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثلاثين من تشرين الثاني ٢٠٢٢ قراراً يعلن عدم امتثال “إسرائيل” لقرار مجلس الأمن رقم 497 للعام 1981، الذي يطالب “إسرائيل” بإلغاء قرارها بفرض قوانينها وولايتها وإدارتها في هضبة الجولان السورية المحتلة.

وأكد قرار الجمعية العامة أن القرار الإسرائيلي الصادر في (14) كانون الأول عام 1981م بضم هضبة الجولان السورية المحتلة باطل ولاغ، وليس له أثر قانوني، كما أكده مجلس الأمن في قراره (497) تاريخ 17/ 12/ 1981م، داعياً “إسرائيل” إلى إلغاء القرار.

وأكد القرار مجدداً أن استمرار احتلال هضبة الجولان، وضمها بحكم الأمر الواقع يشكلان حجر عثرة أمام تحقيق سلام عادل وشامل ودائم في المنطقة، ويطالب “إسرائيل” بالانسحاب من كامل الأراضي المحتلة إلى حدود الرابع من حزيران 1967 تنفيذا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

موقف بطولي وطني

أما الرد الحازم الجازم والقاطع المانع فقد جاء من أبناء الجولان العربي السوري المحتل بقرى مجدل شمس ومسعدة وعين قنية والغجر وبقعاثا الذين رفضوا القرار الصهيوني والاحتلال الإسرائيلي، معتبرين قرار الكنيست الصهيوني بضم الجولان لاغٍ وباطل، ولا قيمة له، ولا مدى له أبداً، رافعين شعار: “لا بديل عن الهوية العربية السورية”. وعندما حاول جيش الاحتلال الإسرائيلي فرض الهويات الصهيونية على أبناء الجولان، قاموا بجمعها، وأحرقوها أمام جنود الاحتلال الصهيوني.

الوثيقة الوطنية

كما أصدر أبناء الجولان السوري المحتل بقرى مجدل شمس ومسعدة والغجر وعين قنية وبقعاثا، بعد صدور القرار “الوثيقة الوطنية” التي أعلنوا من خلالها رفضهم للاحتلال الإسرائيلي وقراراته وإجراءاته، وتمسّكهم بهويتهم العربية السورية، وانتماءهم لوطنهم الأم سورية. وهذا نص الوثيقة:
” نحن المواطنين السوريين في الجولان السوري المحتل، نرى لزاماً علينا من أجل الحقيقة والتاريخ، أن نعلن لكل الجهات الرسمية والشعبية في العالم أجمع حقيقة رفضنا للاحتلال الإسرائيلي، ودأبه المستمر لابتلاع شخصيتنا الوطنية، ومحاولاته لضم الجولان السوري المحتل، وتطبيق القوانين الإسرائيلية علينا، وجرّنا بطرق مختلفة لتجريدنا من جنسيتنا العربية السورية التي نعتز بها، ونتشرف بالانتساب إليها، ولا نريد عنها بديلاً”.

وكتب الأهل المناضلون عبر إضرابهم العام المفتوح في الرابع عشر من شباط عام 1982م ملحمة وطنية نضالية بطولية حين تصدوا لقرار كنيست الاحتلال الإسرائيلي المشؤوم بضم الجولان المحتل، وفرض القوانين الإسرائيلية على أبنائه حيث أطلقوا شعار: “المنية ولا الهوية” لإضرابهم المفتوح، رفضاً لفرض الهوية الإسرائيلية، ولقرار الضم الباطل، وللتأكيد على تمسكهم بهويتهم الوطنية، ومواصلة نضالهم في مواجهة إجراءات الاحتلال التعسفية حتى تحرير الجولان والعودة إلى الوطن الأم سورية.

المسيرة النضالية لأهلنا في الجولان العربي السوري المحتل ضد الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته وقراراته العنصرية حافلة بمحطات مقاومتهم له منذ أن دنس تراب أرض الجولان في عام 1967م، ولعل الإضراب الشامل الذي أعلنوه رفضاً لقرار الكنيست الصهيوني، كان أبرز تلك المحطات، وجاء بعد اجتماع شعبي تنادى إليه أهالي الجولان بمشاركة الآلاف منهم في الثالث عشر من شباط عام 1982م، وقرروا فيه إعلان الإضراب للتأكيد على رفضهم القاطع لقرار الضم، ومقاومة كل إجراءات الاحتلال، والتمسك الثابت بهويتهم الوطنية العربية السورية. وقامت قوات الاحتلال الإسرائيلي، وفور إعلان الإضراب بفرض حصار عسكري شامل على القرى والبلدات في الجولان، ومنعت وصول المواد الغذائية، وقطعت الكهرباء عن الأهالي في محاولة للتعتيم على ما يجري، وعزلهم عن العالم الخارجي للضغط عليهم، وإجبارهم على إنهاء الإضراب، والقبول بقوانينها. كما عمدت إلى اعتقال عشرات الشبان من أبناء الجولان بعد حملات مداهمة للبيوت، وفرضت منع التّجول في جميع القرى.

لكن أهالي الجولان العزل، قابلوا الحصار الجائر وضغوط الاحتلال بالصمود والمقاومة والتجذر في أرضهم وقراهم، وخاضوا خلال فترة الإضراب مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال، كان أهمها معركة الهويّة التي جرت في الأول من نيسان عام 1982م بعد أن اقتحمت قوات الاحتلال عدة قرى، ونكّلت بسكانها.

وبعد أكثر من ستة شهور من الإضراب، اضطر كيان الاحتلال إلى الاستجابة لمطالب الأهالي، والتراجع عن مخططاته العنصرية لفرض الجنسية الإسرائيلية على أبناء الجولان بالتزامن مع تأكيد الأمم المتحدة، والكثير من الدول الحرة في العالم، أن قرار الكنيست الإسرائيلي بضم الجولان باطل ولا أثر قانونياً له وأن الجولان عربي سوري.

 شهادات نضالية

وقد أشاد بإضراب أبناء الجولان السوري المحتل المناضل الفلسطيني بسام الشكعة الذي كتب بجريدة السفير اللبنانية في ١٩ / ٥ / ١٩٨٢ م قائلاً : “إن نضال أبناء الجولان موقف طليعي ورائد، فهم قد صعّدوا إضرابهم حتى العصيان المدني، وباتوا مثلاً أعلى لجماهيرنا في الأراضي المحتلة”.

أما الشاعر الفلسطيني توفيق زياد فقال : “إن أهل الجولان بصمودهم ووحدتهم وبسالتهم النادرة، هم أبطال فعلاً، وبالمقارنة معهم يظهر الاحتلال الاسرائيلي قزماً رغم كل جبروته”.

ويصف الصحفي الألماني فون هيلر مشاهداته آثناء زيارته لقرى الجولان المحتلة إبان الإضراب بالقول: “كلهم يتجهون بأنظارهم إلى دمشق. وهم متمسكون بتقاليدهم إلى أبعد الحدود ليس خوفاً، وإنما لإقامة جدار من الغضب والصمت بوجه المحتلين الاسرائيليين الذين حاولوا بوسائل كثيرة، أن يقودوا هؤلاء الناس إلى حياة مختلفة”.

ويتابع هيلر بتحقيقه الصحفي الميداني قائلاً: “وكلما دخلت منزلاً لأبناء الجولان أجد صورة رئيسهم حافظ الأسد بالبذة العسكرية”.

ويقول الدكتور روبين هاربر الخبير بالعلاقات الدولية: “في حالات الإلحاق أو الضم لايستشار التراب عادة بل السكان، وأبناء الجولان قالوا : لا، فقرار الكنيست الاسرائيلي لايغير بالواقع شيئاً”.

نضال مستمر

رغم القمع والاعتقالات وعمليات التنكيل وكل الممارسات الجائرة على مدى ستة وخمسين عاماً من الاحتلال، يواصل أهالي الجولان تصديهم لكل مخططاته ومن بينها ما تسمى انتخابات المجالس المحلية التي فرضها الاحتلال الاسرائيلي، حيث أحرقوا في تشرين الأول 2018م البطاقات الانتخابية الصهيونية على مرأى من جنود الاحتلال المدججين بالسلاح، تعبيراً عن رفضهم الشديد لإجراء تلك الانتخابات في قرى الجولان، كما رفضوا بشكل قاطع المخطط الاستيطاني المتمثل بإقامة مراوح هوائية على مساحة تقارب ستة آلاف دونم في عدد من المواقع المحيطة بقرى مجدل شمس وعين قنية وبقعاثا ومسعدة والذي يهدف إلى الاستيلاء على أراضيهم وتهجيرهم منها.

وفي التاسع من كانون الأول عام ٢٠٢١م أعلن أهلنا في الجولان إضراباً شاملاً، شمل كل مرافق الحياة، لمنع الاحتلال الإسرائيلي من تنفيذ مخططه التوسعي إقامة مراوح هوائية عملاقة على أراضيهم، حيث بدؤوا منذ ساعات الصباح الباكر التجمع بين قريتي مجدل شمس ومسعدة المحتلتين، وانقسموا إلى مجموعات انتشرت في الأراضي المزمعة إقامة مراوح عليها فيما أغلقت قوات الاحتلال الاسرائيلي عدداً من المداخل الرئيسة لقرى الجولان السوري المحتل، لمنع الأهالي من الوصول إلى أراضيهم الزراعية في المناطق التي يعتزم الاحتلال إقامة توربينات عليها.

إن صمود أهالي الجولان المحتل وتمسكهم بحقوقهم وأراضيهم الذي عبّروا عنه من خلال المظاهرات والاحتجاجات في قرى مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة وعين قنية رغم اعتداء قوات الاحتلال على الأهالي بالرصاص والغاز المسيل للدموع، أجبر الاحتلال على الرضوخ لمطالبهم بعدم دخول أراضي بلدة سحيتا المحتلة مجدداً لإقامة توربينات هوائية، وعلى الإفراج تباعاً عن المعتقلين الذين شاركوا في التصدي لمخطط المراوح التوربينية على أراضيهم.

عهد ووعد

واليوم وفي ذكرى صدور القرار العدواني المشؤوم يؤكد أهلنا في الجولان السوري المحتل أنهم مصرون على المزيد من الصمود والمقاومة، وإفشال كل مخططات الاحتلال بحق الجولان أرضاً وتاريخاً وسكاناً، وأن الاحتلال مهما أوغل في ممارساته وإجراءاته وقراراته الباطلة المرفوضة، سيبقى أهلنا في الجولان على العهد، يجددون في كل مناسبة التأكيد على موقفهم الثابت بأن الجولان المحتل جزء لا يتجزأ من أرض سورية، وبأن الهوية السورية صفة ملازمة لهم لا تزول، وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء، وأن أرضهم ملكية مقدسة لا يجوز التنازل أو التخلي عن شبر منها للمحتل الإسرائيلي، مؤكدين انتماءهم الأصيل لوطنهم الأم سورية، وتمسكهم بالهوية العربية السورية، وولاءهم لقائد وطنهم السيد الرئيس بشار الأسد .