تحقيقاتصحيفة البعث

الوضع المعيشي الصعب يدمر عش الزوجية.. ارتفاع كبير في نسب الطلاق في محاكم حماة

ارتفعت معدلات الطلاق بشكل مخيف في سورية، منذ بداية الحرب عام 2011، وزادت النسبة بشكل لافت خلال السنوات الثلاث الأخيرة بسبب سوء الأحوال المعيشية الصعبة التي جعلت ربّ الأسرة عاجزاً عن القيام بواجبة تجاه أسرته، فكان “أبغض الحلال” الخيار المرّ. واليوم تغصّ المحاكم في مختلف المحافظات بدعاوى التفريق، والمؤلم أن الأبناء والأطفال بشكل خاص هم من يدفعون الثمن. وما زاد الطين بلة أن “عشّ الزوجية” بات مهدداً أيضاً، بل تمّ تخريبه بفعل وسائل التواصل الاجتماعي التي أحدثت هوة في العلاقة بين الزوجين والوصول إلى الطلاق.

ازدياد يومي

في محافظة حماة على سبيل المثال لا الحصر، أفاد مصدر في دائرة نفوس صبورة، أن معدلات الطلاق في العامين الأخيرين وصلت إلى 200% مسجلة ارتفاعاً عن الأعوام السابقة بمعدل 60 أو 70 حالة طلاق في العام، وذلك ضمن نطاق الناحية فقط، في الوقت الذي لم تكن تتجاوز في الأعوام السابقة 3 حالات سنوياً، فيما اعتبر فراس صيوم مدير الشؤون المدنية في حماة أن ما يُشاع حول ازدياد حالات الطلاق في العامين الأخيرين مبالغ به لجهة الأرقام الموثقة في السجلات المدنية، كون واقعة الطلاق ليست وليدة اللحظة أو العام، فالخلافات العائلية قد تمتد لأعوام سابقة، كما أن ازدياد نسبة حالات الطلاق تتناسب طرداً مع ازدياد حالات الزواج، لذلك لا يمكن تضخيم حجم النسب، مشيراً إلى أن عدد الحالات خلال عام 2021 بلغ 4580 في المحافظة ككل، بينما بلغ خلال عام 2022 نحو 4671 وهي نسبة غير كبيرة حسب قوله، لكنه لم ينفِ ازدياد الخلافات الزوجية نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي والذي يؤدي بعضه إلى الطلاق، فيما الغالبية منها تنتهي بإيجاد الحلول مع بقاء العلاقة في جمود وفتور والذي يعتبر بمثابة طلاق معنوي غير مسجّل.

عجز مالي

واتفق المحامي بسيم الصالح مع وجهة النظر السابقة، مؤكداً أن عدم إمكانية تأمين تكاليف الحياة من أهم أسباب الطلاق، فهو بات الحلّ الأفضل للتخلّص من ضغوط المصاريف، وخاصة للمتزوجين حديثاً في ظل انكماش فرص العمل وانخفاض الرواتب والأجور مقارنة بارتفاع الأسعار، معرباً عن أسفه لازدياد زيجات كبار السن من الفتيات الصغار خلال السنوات الأخيرة أمام عجز الشباب عن تأمين الحدّ الأدنى لمتطلبات أية فتاة بدءاً من ارتفاع تكاليف حفلات الأعراس إلى أثاث المنزل ومن ثم تكاليف المعيشة اليومية، وما يليها من إنجاب الأطفال ومتطلباتهم وغيرها من مصاريف لم تعد تُحتمل.

لا للتعميم

ومن الطبيعي أن تؤدي الأزمات الاقتصادية إلى ازدياد حالات الطلاق في المجتمع السوري بحسب الدكتور أحمد أديب أحمد أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين، حيث يصعب على الأسر الاستمرار في تحمّل الأعباء المالية، مما يزيد من النزاعات الزوجية والتوترات الأسرية، ومع ازدياد عدد الأشخاص الذين يتعرّضون للبطالة أو انخفاض الدخل، وتأثير ذلك في قدرتهم على توفير الموارد اللازمة لدفع نفقات الحياة والتعامل مع الديون المالية.

وأشار الدكتور أحمد إلى أن هذا الأمر لا يعدّ قاعدة عامة، حيث نجد الكثير من الأزواج يمكن لهم التعامل مع الصعوبات الاقتصادية بطريقة إيجابية تحترم العلاقة الزوجية وتساهم بتعزيزها بدلاً من تدميرها.

مواقع الهدم الاجتماعي!

ومن وجهة نظر الباحثين في علم الاجتماع والتربية أن الفقر لا يعدّ سبباً رئيسياً أو وحيداً لازدياد حالات الطلاق، بل هناك أسباب أخرى ومن بينها مواقع التواصل الاجتماعي التي تسبّب الكثير من المشكلات بين المتزوجين والتي غالباً ما تنتهي بالطلاق الناتج عن الغيرة والشك وسهولة التلاعب بالمشاعر نتيجة الكلام المعسول الذي يؤدي للخيانات حتى وإن كانت من خلف الشاشة الزرقاء. وهنا علّق بعض المحامين أن الأسباب التقليدية للطلاق كالرغبة بإنجاب الأطفال أو تدخل الأهل باتت “موضة قديمة”.

الدكتورة في علم النفس جمان خُزام أكدت بدورها أن مواقع “الهدم الاجتماعي” ساهمت إلى حدّ كبير في ارتفاع نسبة الطلاق، ولاسيما بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية وكثرة الأعباء الملقاة على عاتق الزوج العاجز عن تلبية طلبات الزوجة التي كثيراً ما تهرب إلى العالم الأزرق وتتبادل الدردشات والصور مع بعض الأشخاص الذين يعيشون حياة الرفاهية من خلال ارتياد الأماكن السياحية والمطاعم الفخمة وشراء الملابس الفخمة وأدوات ومستلزمات المكياج وجلسات العناية بالبشرة والأظافر واقتناء السيارات الفارهة، إضافة للترويج الواضح لعمليات التجميل، كل ذلك يجعل الزوجة متطلبة ليرزح الزوج تحت وطأة سيل من الطلبات التي لا تنتهي ما أثر بشكل كبير على الوضع النفسي للزوج، وأفقد الحياة الزوجية الأسس التي يجب أن تستند إليها كالمودة والرحمة والاحترام، لدرجة أن الحب بات مشروطاً بتلبية الاحتياجات وتأمين الرفاهية.

ضغط نفسي

وحتى لو لم تكن الزوجة متطلبة، وفق تأكيدات الدكتورة خُزام، فقد يتحوّل الزوج في ظلّ الظروف المعيشية القاسية والضغوط الشديدة التي تثقل كاهله إلى شخص عصبي حساس يغضب من كلّ سلوك يصدر عن زوجته وأطفاله، فتزداد المشكلات الزوجية وتتحول الحياة في المنزل إلى دوامة من الخلافات والنزاعات التي تؤدي في نهاية المطاف إلى الطلاق، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن ظروف الأزمة السورية أدت إلى زيادة حالات الزواج المبكر، حيث أقدمت الكثير من العائلات على تزويج بناتها في سن مبكرة لأشخاص كبار في السن بسبب النزوح والتهجير والوضع المعيشي القاسي، وبالتالي يؤدي عدم نضوج الزوجة الصغيرة وعدم وصولها للسن الذي يمكنها من التعامل بفاعلية ووعي مع الزوج والأطفال وأهل الزوج إلى إحداث مشكلات أسرية غير قابلة للحلّ في بعض الأحيان، فيغدو الطلاق حلاً لما لا حل له.

حماة- ذُكاء أسعد