دراساتصحيفة البعث

في ذكرى استشهاد القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس

هيفاء علي

بدأ العام 2020، أي قبل عامين، بجريمة قتل مروعة هي اغتيال اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في مطار بغداد، بصاروخين أمريكيين تمّ إطلاقهما من طائرة بدون طيار بأمر مباشر من ترامب، وعلى الفور اعترفت الإدارة الامريكية بارتكاب الجريمة زاعمة أنها عملية استباقية تهدف إلى سحق التخطيط لهجمات وشيكة على الدبلوماسيين والقوات الأمريكية في العراق. لقد اغتالت آلة القتل الإمبراطورية -التي اعتادت على السخرية من القانون الدولي بحكم الأمر الواقع- المبعوث الدبلوماسي سليماني ورفيقه المهندس الذين يتمتعان بالصفات القيادية نفسها، وكان لهما دور كبير في محاربة تنظيم “داعش” على الأراضي السورية والعراقية وإلحاق الهزيمة به.

لقد تمّ التحريض على اغتيال هذين القائدين الشهيدين منذ عام 2007 من قبل المحافظين الأمريكيين الجدد، الذين يجهلون تاريخ غرب آسيا وثقافتها وسياساتها، إلا أن إدارتي بوش الابن وأوباما قاومتا هذا التحريض خشية اندلاع تصعيد لا مفرّ منه، ولم يستجب له سوى ترامب الذي نفذ ما همس به في أذنيه جاريد كوشنير. وعقب الاغتيال، وجهت إيران تحذيراً شديد اللهجة للبنتاغون ومن ثم كان الردّ بأسرع ما يمكن وتمثل بضربات صاروخية دقيقة على قاعدة “عين الأسد” الجوية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة في العراق. وبالطبع، غيّرت هذه الضربة قواعد اللعبة، حيث أوضحت رسالة طهران أن أيام الحصانة الإمبريالية قد ولّت، وأنه يمكننا ضرب القوات الأمريكية في أي مكان في الخليج العربي وما وراءه، وفي أي وقت نختاره. لقد كانت هذه الضربة هي الأولى من نوعها في العالم، ولم يسمع بها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتمّ تفسيرها في غرب آسيا ومساحات شاسعة من الجنوب على أنه اختراق قاتل في الدرع المهيمن للهيبة الأمريكية منذ عقود.

يعلم الجميع، كيف قاد سليماني وأبو مهدي المهندس المعارك ضد “داعش” من 2014 إلى 2015، وكيف كان لهما دور فعال في استعادة السيطرة على تكريت في 2015. ربما كان سليماني نجماً ثورياً -يعتبره الكثيرون في جميع أنحاء الجنوب العالمي تشي جيفارا من غرب آسيا- فهو خلف عدة طبقات من الأسطورة.

رأى سليماني الوضع في المنطقة، وكان يعلم جيداً أن الدول العربية ستعود إلى دمشق وتعيد علاقاتها معها، وكذلك الجدول الزمني الذي اتبعته إمبراطورية الفوضى للتخلي عن أفغانستان -ولكن ربما ليس بهذه السرعة التي تمّ فيها الانسحاب المهين- وكيف سيعيد هذا تشكيل جميع الرهانات من غرب آسيا إلى آسيا الوسطى. أما الأمر الذي لم يعجز سليماني والمهندس عن تحقيقه، فكان رسم مسار قابل للحياة للعراق بعد الانسحاب الإمبراطوري الحتمي، على الرغم من أن جريمة الاغتيال قد عجلت بالحركة الشعبية لمصلحة الطرد النهائي للأمريكيين. لكن للأسف لا يزال العراق منقسماً بشدة ورهينة للسياسات الإقليمية الصغيرة. ومع ذلك، فإن روح سليماني والمهندس لا تزال قائمة عندما يتعلق الأمر بمحور المقاومة: طهران- بغداد- دمشق- بيروت- في مواجهة تخريب إمبراطوري هائل، فهو يتغلب على كل التحديات المحتملة.