اقتصادصحيفة البعث

الأسواق لا تعاني من تراجع الإنتاج الزراعي.. المشكلة في ضعف القدرة الشرائية وقلة الطلب

دمشق – محمد العمر

تعيش الزراعة اليوم أمام خيارات وتحديات صعبة وتقف حجر عثرة أمام نهوضها وتطويرها خاصة أمام الارتفاعات القياسية بالتكاليف المتزايدة للمستلزمات الزراعية من تأمين اسمدة وبذور وادوات زراعية ومحروقات تزداد يوما بعد يوم، مما جعل الفلاح يعاني من أمرين أحلاهما مر، إما بيع انتاجه دون التكلفة وخسران إنتاجه وتعبه، وإما تصدير منتجاته، وتبقى تكاليفه مضمونة مع حصوله على أرباح تسد حاجته قدر الإمكان.

إرباكات! 

ما يربك الزراعة اليوم حسب مراقبون بالاقتصاد هو عدم استثمار الموارد الزراعية بالشكل المناسب، فالمساحات موجودة، والموارد متوفرة، لكن دون الاستفادة من تشغيلها بالشكل الأمثل، حتى أصبحت تكاليفها المرهقة تشق على المزارع ما ينتجه، في الوقت الذي نشهد فيه على العكس تماماً بغياب هذا الاستثمار الناجح.. تراجعا ًبالمواسم الزراعية من الخضار والفواكه والحمضيات والزيتون مقارنة بالأعوام السابقة، وذلك نتيجة ارتفاع التكاليف الإنتاجية، وتراجع المساحات المزروعة ورفع الأسعار إلى أكثر من قدرة المواطنين الشرائية.

رئيس مكتب الشؤون الزراعية في الاتحاد العام للفلاحين محمد الخليف أكد أن الفلاح بات اليوم ترهقه التكاليف المرتفعة بتأمين المستلزمات الزراعية وارتفاع أسعارها مع نقص في أعداد الآليات الزراعية، مما يجعلها معوقات وصعوبات تعترض تنفيذ الخطة الزراعية، مؤكداً أن الدولة تعمل ما عليها تجاه الفلاح من تأمين البذار والأسمدة والمحروقات، ولكن هذه المواد لا تكفي حاجته، مما يجعله يلجأ الى شرائها بأسعار حُرة، ويجعله خاسراً في أغلب المحاصيل، ولكن حسب قوله لابد من دعم الفلاح والوقوف معه بمضاعفة دعمه، والنهوض بالواقع الزراعي وتجاوز الصعوبات التي تعيق تطويره، وفي مقدمتها تقديم الدعم المادي واللوجستي للمزارع وتزويده بمستلزمات الإنتاج، وتأمين الأدوية والمبيدات الزراعية والبيطرية والأسمدة بأسعار مناسبة تراعي أوضاع المزارعين، ومساعدتهم بتصريف منتجاتهم منعاً لاستغلالهم من قبل التجار والجهات الوسيطة .

التصدير هو الحل.!

الخبير الاقتصادي جورج خزام من وجهة نظره اعتبر أن السبيل الوحيد لدعم الزراعة وبقاء الإنتاج أمام الفلاح وفي الأسواق، هو توفير الأسواق الخارجية من خلال باب التصدير، لأن أسوأ نتيجة كارثية اليوم أمام المزارع هي ارتفاع أسعار المحروقات والسماد والأدوية الزراعية وارتفاع سعر صرف الدولار، خاصة أن أغلب المنتجات الوطنية الزراعية وغيرها أصبحت تكلفة إنتاجها كبيرة جداً وخارج القدرة الشرائية لفئة واسعة من المواطنين، مبيناً أن الإنتاج الزراعي المحلي لا يعاني من تراجع الإنتاج، وإنما يعاني من تراجع الطلب، ففي ظل هذا الارتفاع بالكلفة لا يمكن للمزارعين التوسع بزراعة منتجات زراعية، كونه لا يوجد عليها طلب كافي، لأنه في حال توقف التصدير، فالزراعة ستشهد مقامرة ومخاطرة من تراجع الأسعار لأقل من التكلفة وهو ما يجعلنا أمام أمرين  الأول هو إما السماح بتصدير جميع المنتجات الزراعية من أجل تشجيع المزارعين على الزراعة، لأن هنالك ضعف بالطلب الداخلي بسبب تراجع القوة الشرائية للرواتب الضعيفة، أو الخيار الثاني المتمثل بإغلاق باب التصدير، وإلزام المزارعين بالبيع بأقل من تكاليف الإنتاج لتأمين منتجات رخيصة للمواطنين، مما تكون النتيجة تلبية حاجة الطعام وتوفر المنتجات يعني “إطعام الشعب نفسه بنفسه” وهنا تكبيد للمزارعين بخسائر فادحة، وتكون نتيجتها هجرة الأرض وعدم تكرار الزراعة وزيادة البطالة وتهديد الأمن الغذائي، وبالتالي يبقى الحل الأول هو الأكثر صحة وأقل ضرر على الزراعة، لأن بيع نصف المحصول للتصدير بسعر مرتفع، يعني عدم تكبيد المزارعين خسائر في حال بيع النصف الثاني بسعر التكلفة أو أقل في السوق الداخلية، ومثال على ذلك أن تكلفة إنتاج كغ البندورة 5,000 ليرة من المزارع، وفي حال إغلاق باب التصدير، فإن سعر البيع بالمفرق لن يتجاوز 2,500 ليرة لمرة واحدة فقط، وستتوقف الزراعة حينها.