“نسخ ولصق” رسائل الماجستير والدكتوراه ما زال قائماً.. وفي التقييم امتياز مع مرتبة الشرف!!
سرقة الرسائل الجامعية في درجتي الماجستير والدكتوراه باتت ظاهرة مقلقة وسط غياب المحاسبة والمساءلة، الأمر الذي يطرح إشارات استفهام عديدة حول جودة المخرجات الجامعية، وأحقية الطلبة بالحصول على تلك الدرجات بهذه الطريقة دون بذل أي جهد، وحتى دون فهم مضمون موضوع الرسالة!
وما يزيد الطين بلّة وجود مكتبات خاصة بذلك، تنتشر على أطراف حرم الجامعات تبيع جميع “أشكال وألوان” الرسائل بالاعتماد على سماسرة! كما يحكى عن أشخاص في الخارج يستغلون الوضع الاقتصادي الراهن في البلد، ويتواصلون مع بعض أعضاء الهيئة التدريسية، ويقدمون لهم عروضاً لكتابة أطروحات وأبحاث مقابل مبلغ مادي ممتاز!!
على خلفية هذا الخرق الخطير ثمة أسئلة ساخنة يمكن طرحها: ما دور لجان التحكيم في كشف زيف هذه الرسائل؟ وكيف تتم الموافقة على مواضيعها المكررة؟ وماذا عن تقييمها، حيث تحصل بعض الرسائل على درجة امتياز مع مرتبة الشرف؟!
منافسة غير شريفة
ذكر أحد الطلبة أنه يفضّل شراء الرسالة جاهزة، وذلك من أجل المنافسة بينه وبين آخرين، ولضمان النتائج والتفوّق “الأكاديمي”، مبرّراً ذلك بالضغط الكبير الذي يعاني منه وصعوبة تجهيز رسالته ضمن الظروف الحالية، مشيراً إلى أنه أصبح من السهل الوصول لأيّ معلومة يحتاج إليها بفضل تطوّر التكنولوجيا التي تختصر الكثير من الوقت والجهد، حيث يمكنه وضع أي عنوان على محرّك البحث في الانترنت والوصول إلى أفضل النتائج.
غياب الرقابة
وقال طالب آخر إنه يستطيع الاستعانة برسالة جامعية لأيّ باحث بكل سهولة والاعتماد عليها بسبب عدم وجود رقابة، حيث لا توجد إجراءات صارمة بحق من يتلاعب بالأبحاث أو يقوم بسرقتها.
ولم يخفِ زميل له أن هناك مكاتب خاصة بجوار الجامعة تعمل على تأمين رسائل الماجستير والدكتوراه ومشاريع التخرج وحتى حلقات البحث!
أخلاقيات مهنية
وبيّن أحد الطلبة أن من يقوم بهذا الفعل هو شخص غير كفؤ وغير مؤهّل للعمل باختصاصه فيما بعد، متسائلاً: أين رقابة لجان التحكيم وخاصة الأستاذ المشرف؟
وأكد عدد من طلبة الدراسات العليا على أهمية التوعية وصون الأمانة العلمية والأخلاقيات المهنية، وطالبوا المؤسسات التعليمية بإقامة طريق ورشات عمل بالتعاون مع وسائل الإعلام، وضرورة العمل على إنجاز أبحاث مستقلة بهذا الشأن بالتزامن مع تشديد الرقابة على السرقات العلمية والأدبية من خلال استخدام تقنيات الكشف عن الانتحال والتشابه في الأبحاث والبرامج الحاسوبية للتحقق من مصداقيتها.
تحفيز وترغيب
ويري طلبة الدراسات العليا أن حل المشكلة في ظل غياب الرقابة والمحاسبة يبدو صعباً، لكن يمكن التخفيف منها عن طريق تشجيع الإبداع وتحفيز الطلبة من خلال تقديم أفكار جديدة يُظهرون فيها إبداعاتهم البحثية، فعندما يتمكن الطلاب من العمل بحرية وثقة في إطار أخلاقي، يستطيعون تحقيق إمكاناتهم الكاملة وتقديم إسهامات ذات قيمة في مجالاتهم، وبهذه الطريقة، يمكننا جميعاً تحقيق التقدم العلمي والاجتماعي الذي نسعى إليه.
مراجع غير موثقة
أستاذة الأدب والنقد الحديث بجامعة دمشق، الدكتورة منى داغستاني، بينت أن للسرقة العلمية أوجها مختلفة، منها أن يأخذ الطالب من مرجع ما ولا يوثقه في الحواشي باعتماد طريق ترقيم الاقتباسات بوضع أرقام الصفحات التي أخذ منها معلوماته التي يريد أن يوظفها ويقوم بتوثيقها من المراجع.
وأوضحت د. داغستاني إلى أن للتوثيق قواعد في قوانين تنظيم الجامعات وهي متغيرة بشكل مستمر لكن عندما يغفل الطالب التوثيق بصورة ما يمكن أن يدخل ضمن السرقة، وهنا يأتي دور الدكتور المشرف على البحث أو الرسالة، والذي يجب أن يتحلى بالجدية والرصانة والفراسة لتمييزها، من حيث خبرته الواسعة بقراءة المراجع، خاصة أنه أصبح من السهل اليوم كشف هذه السرقات بعد تطور التكنولوجيا بشكل كبير، فعندما يشك المشرف بسرقة ما يستطيع إدراج فكرة عبر محرك البحث والتأكد من صحة توثيقها. ونلاحظ هذا في جامعات العراق بشكل كبير من خلال العمل على برامج يتم من خلالها إدراج رسالة أو مقال ما ليعطي نتيجة بمواضع السرقات بدقة.
وبحسب داغستاني، يمكن ملاحظة الخلل في أداء الباحث عند تركيزه على فقرة ما، أو مناقشه بعض المواصيغ بقوة وأخرى بضعف مع التركيز على الصياغة الواضحة والبارزة، وقالت: لا ننكر وجود أخطاء منهجية بعيدة عن السرقة، لكن هنا يجب التمييز وعدم الخلط فيما بينهما، لذلك يجب إعطاء الرسالة حقها في القراءة فمن المفروض تسليم الرسالة قبل شهر حتى تقرأ بشكل جيد.
قد يصعب كشفها
وأبدت أستاذة الأدب والنقد الحديث أسفها على وجود رسائل مسروقة من مواقع غربية وترجمتها للغة العربية، مشيرة إلى صعوبة اكتشافها إلا من قبل شخص حاذق، لذلك ينبغي أن تتوفر في البحث عدة معايير منها عدم تكرار عنوان البحث أو موضوع الرسالة في جامعاتنا وفي الجامعات العربية، وفي حال تم كشف السرقة يجب أن يحال الطالب للجنة تأديبية ومنعه من المناقشة لمدة لا تقل عن ستة أشهر.
وحول تجنب حصول السرقات العلمية، ترى داغستاني أن ذلك يقع بالدرجة الأولى على عاتق الأستاذ المشرف الذي يجب أن يعمل على متابعة الطالب أولاً بأول، أثناء مرحلة إعداد الرسالة، وفي مرحلة قراءة البحث من قبل اللجنة المشكلة، بالإضافة لأهمية إعطاء الوقت الكافي للطالب ليأخذ البحث حقه .
إجراءات قريبة
لدى التواصل مع المعنيين في رئاسة جامعة دمشق للاستفسار عن سرقة الرسائل، أكدوا أنه سيتم قريباً إصدار قرارات لضبط انجاز رسائل الماجستير والدكتوراه والبحوث الأخرى.
أخيراً.. كلنا أمل بمراقبة وضبط هذه الظاهرة المسيئة لسمعة جامعاتنا التي تعاني اليوم من تذبذب في ترتيبها عربياً وإقليمياً وعالمياً!.
وفاء سليمان