المعركة واحدة
في السياسة لا يمكن قراءة حدث ما بصورة كافية ووافية، إلا في إطار الصورة الكلية للمشهد العام، حيث لا شيء يحدث صدفة، إلا عند الهواة، وهؤلاء أصحاب أعمار قصيرة في لعبة السياسة الشائكة والمعقدة، بهذا الإطار نفهم تزامن الكشف العلني عن ضلوع أردوغان بالهجوم الكيماوي على الغوطة في 21 آب الماضي لدفع أوباما نحو “الخط الأحمر” بحسب الكاتب الأميركي سيمور هيرش، مع الكشف العلني أيضاً عن علاقات وطيدة بين شبكات إرهابية في مصر ومثيلاتها العاملة في سورية، بأن هناك في مكان ما في واشنطن، من بدأ يقتنع بخطورة “جنون” أردوغان على ما تبقى من المشروع الأمريكي، وأن هناك في مكان ما في المنطقة من اكتشف، ولو متأخراً، أن معركة الإرهاب واحدة، وأن واشنطن، التي غطت أردوغان والقاعدة معاً، لا تطمح إلا بإركاع دمشق والقاهرة واستتباعهما، سواء جاء ذلك بيد السلطان أو الإرهاب أو الشيطان ذاته.
وبهذا الإطار، إطار الصورة الكلية، يمكن لنا أن نفهم أيضاً تزامن الإعلان، من جهة، عن إمكانية عقد “جنيف3″، وإعلان واشنطن عن خطة جديدة لتزويد المعارضة بالأسلحة، رغم تباينهما الشكلي، مع “استقتالها”، من جهة أخرى، لتحقيق الحل النهائي للقضية الفلسطينية الذي تريده وفق الشروط “الإسرائيلية”: لا دولة قابلة للحياة، لا قدس، لا عودة للاجئين، فالمهم، بالنسبة لواشنطن ترتيب أوضاع المنطقة لصالح “إسرائيل”، قبل أن تدهمها الاستحقاقات المقبلة بأوضاع مستجدة، قد يصبح التعامل معها لاحقاً أصعب مما هو عليه الحال اليوم.
والأمر فإن واشنطن تعلم بخبرتها الطويلة أن ذلك غير ممكن، دون إبعاد مصر وسورية عن الطريق، وهذا ما يحدث، ففيما تُشَغَلُ القاهرة بتفجيرات الإخوان وإرهابهم، وتأزيم الوضع في النوبة وأسوان حتى يتم تدويل القضية واستخدام ذريعة “حق تقرير المصير” للتقسيم والتفتيت، تعمل واشنطن على “حل” الدولة السورية سواء بالسلاح، وهو ما ثبتت صعوبته، أو بالسياسة، وهو سر موافقتها، ولو شكلياً على “جنيف3″، لأنها رسمت له – لو عقد- هدفاً واحداً وهو استكمال رؤيتها لـ “جنيف واحد واثنين”: الحصول بالدبلوماسية والمفاوضات عما عجزت عنه بالحرب والسلاح. بهذا المعنى تبدو المرحلة المقبلة قاسية بامتياز، خاصة وأنها مرحلة انتخابات متتالية في المنطقة وفي واشنطن أيضاً ـ انتخابات الكونغرس الأمريكي في أواخر العام ـ لذلك سيعمد الجميع إلى استخدام كل أوراقهم، بل آخرها أيضاً، وإذا كانت “الاكتشافات” السابقة تؤكد أن معركة الإرهاب واحدة، فإن الأمر يستوجب التأكيد على ضرورة أن تكون المواجهة واحدة أيضاً، وحتى يقتنع جميع المتضررين بهذه الحقيقة البسيطة، فإن السوريين يصنعون مستقبلهم القادم بأيديهم، ولهذا المستقبل إرهاصاته ودلائله التي لا يمكن أن تخطئها عين والتي لا تنتظر أحداً ليقتنع بها، منها مثلاً تسارع خطوات المصالحة الوطنية في مناطق عدة، ومنها أيضاً، وربما كانت أهمها، قذائف الهاون المتساقطة بغزارة هذه الأيام على أحياء دمشق، فمن الاحتفال بـ “غزوة” دمشق قبل عام ونيف لتحريرها كما قيل، إلى مجرد قذائف عمياء لا تطال سوى المدنيين الأبرياء اليوم، وتلك صورة الإفلاس الكاملة، وهي صورة تقرؤها واشنطن جيداً، وتعرف أنها ضربات اليائسين لا أكثر ولا أقل، فهل يقرؤها العرب في اجتماعهم غداً من أجل فلسطين، ويستعيدون لاءات الخرطوم الشهيرة، أو روحها على الأقل، في وجه لاءات “إسرائيل” الدائمة، أم أنهم مستمرون في رعاية التدمير والتخريب، بعضهم بالفعل، وبعضهم بالصمت والنأي بالنفس، لإبقاء سورية ومصر بعيدتين عن خطة “حل” فلسطين، وبعدها” حل” فكرة العروبة ذاتها، لصالح “ملل ونحل” تحارب بعضها بعضاً للألف عام القادمة!!.
أحمد حسن