بين قوسين إعمار بهوية حجرية!
مع انشغال الجميع بمشروع إعادة الإعمار والبناء بعناوينه العريضة التي بدأت المؤتمرات والقاعات الفندقية باستضافتها وزرع أوتادها في أحشاء الأزمة، تجنح الأحاديث حول هذا المشروع الوطني الكبير إلى ضفة الشك، سواء من ناحية القدرات والإمكانيات المتوفرة أو من ناحية النوايا المبيّتة لدى البعض والتي تفوح منها رائحة التّجار والسماسرة الذين يرسمون من خلال حالة التأهب والاستنفار التي يتمّ الترويج لها من على المنابر الخطابية المتنقلة من قاعة لأخرى خريطة الوصول إلى المكاسب التي ترفع بدورها الغطاء عن خفايا المنافسة الشديدة الدائرة رحاها بين شركات وشراكات مختلفة لحجز بطاقة ترشحها، ومن ثم فوزها بدور أساسي في تحديد معالم المستقبل ورسم إحداثيات تنفيذه على أرض الواقع.
في ظل أجواء مشحونة بالتفاؤل والأمل، يزداد حضور الهواجس والمخاوف من تلك الأفكار المتدحرجة في أروقة الوزارات والمؤسّسات التي تتشابك فيها الخطابات الراسمة للمستقبل مع تلك البصمات الواضحة لمحاولات تحييد هذا المشروع عن مساره الوطني، وتسهيل انزلاقه في نفق الصفقات المشبوهة ، وما يثير الغرابة أكثر في هذا الحراك الإعماري الغياب الكامل لأفكار البناء البشري (الفكري الثقافي) المسؤول عن مؤامرة تدمير وتخريب بلدنا والتي يحمل الكثير من المساهمين والمنفذين لها الهوية السورية، فلم نقرأ في قائمة أولويات مشروع الإعمار أية خطة متكاملة لإعادة بناء الإنسان الذي تمّ تفخيخه بأفكار تطرفية وتجنيده في حواضن إرهابية تشرعن القتل والتدمير باسم العقائد السماوية.
ومن بوابة الماضي نستشهد بحادثة تاريخية تقول إنه عندما أراد الصينيون القدامى أن يعيشوا في أمان بنوا سور الصين، واعتقدوا بأنه لا يوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوه، ولكن خلال المئة سنة الأولى بعد بناء السور تعرّض هذا البلد للغزو أكثر من مرة، ولم يكن الأعداء بحاجة لتسلق أو اختراق السور بل كانوا يستغلون الحارس ثم يدخلون عبر الباب، وهذا يعني أن الصينيين انشغلوا ببناء السور ونسوا بناء الحارس الذي يملك المفاتيح!.
ومن هذه الواقعة التاريخية نسأل وزارات الثقافة والتربية والمنظمات الطلابية والشبابية والنسائية والأدبية عن دورها وخططها في مشروع إعادة بناء وتأهيل الفرد الذي يعيش مخاض الولادة الجديدة.. فهل تستمر حالة الانشغال ببناء الحجر وتجاهل بناء البشر أم تتكاتف الجهود للانطلاق بالعملية الشاملة؟!.
بشير فرزان