اقتصاد

قاطرتا الاقتصاد الوطني الكلي أسيرتا الآثار النهائية للأزمة.. مقترحات لإنقاذ قطاعي الزراعة والري .. والبداية بإعادة الهيكلة

دفعت الأزمة الراهنة معظم القائمين على أمر الاقتصاد السوري ومكوناتها إلى الإقرار بأن الزراعة التي أنهكتها السياسات غير السليمة حامل تنمية وعامل قوة للبلاد، لكن رغم تكاثر الرؤى حول إعادة الألق إلى هذا القطاع الأكثر من حيوي لا تزال عمليات إعادة “إنعاشه” في طور جمع الأفكار،  حيث استعرض الدكتور معن داود من هيئة البحوث العلمية الزراعية حال هذا القطاع، موضحاً أن الأزمة الاقتصادية الاجتماعية والسياسية المتفاقمة – كما وصفها – وضعت الاقتصاد الوطني على حافة الانهيار، خاصة تحت الضربات العنيفة المتتالية التي وجهت إلى قطاعي إدارة واستثمار الموارد المائية والزراعة، بفعل تعمق تأثير نقاط الضعف والسمات العامة التي أعطت تراكماً تاريخياً في هذين القطاعين، ولاسيما لجهة التخطيط غير العقلاني والمرتكز على أسس لا علمية في القطاع الفرعي الأكثر استهلاكاً للموارد الطبيعية، وعلى رأسها المياه والزراعة المروية، إضافة إلى عدم حل مشاكل التداخل القسري في الصلاحيات والازدواجية المعرقلة في التخطيط القطاعي، ما انعكس انفصاماً حاداً بين الخطط الحكومية ومتطلبات التنمية المكانية.

الغياب والتهميش
داود وخلال طاولة النقاش التي عقدتها جمعية العلوم الاقتصادية أمس حول “واقع ومستقبل قطاعي الزراعة والري” أكد أن هذه التأثيرات تعمّقت أيضاً بفعل غياب مبدأ التشاركية في إدارة قطاعي المياه والزراعة عبر تهميش أوإهمال كبير لدور المتشاركين الرئيسيين من فلاحين وعمال زراعيين وممثلي مجتمع مدني ومحلي، إضافة إلى غياب التكاملية في إدارة مختلف القطاعات، خاصة قطاع المياه والزراعة، رغم استخدام بنى ووحدات إدارية تعنى بالإدارة المتكاملة لدى الجهات العاملة في الزراعة والمياه لتنسيق العمل بينهما، إلا أن غياب الأرضية والأساس العلمي والكادر المتخصص حال دون الوصول إلى نتائج مرضية.

آثار لم تظهر
ورأى الدكتور داود أن آثار ومنعكسات الأزمة الراهنة لم تظهر بشكلها النهائي بعد والتي تؤثر في منحيين اثنين أولاً: التدهور المريع والسريع في الريعية الاقتصادية المباشرة للقطاعين الإنتاجيين الاجتماعيين الرئيسيين، بصفتهما قاطرتي أساس للاقتصاد الوطني الكلي وانعكاس ذلك مباشرة على إنتاج وإنتاجية المكونين الماديين الأساس في العملية الإنتاجية الزراعية، وبالتالي على دخل العاملين والمرتبطين بهذه العملية وعلى إمكانية تحقيق الأمن الغذائي من السوية الدنيا بحده الأولي، كذلك تفاقم انحسار دور العلم والبحث العلمي لصالح التزمت وعدم القبول بالرأي الآخر، مشيراً إلى أن الأثر المباشر للأزمة تبدى في تراجع إنتاج غالبية المحاصيل والمنتجات الزراعية على المستوى الوطني، سواء التي تدخل منها في مكونات السلة الغذائية الوطنية، أوتلك التي تشكل أحد مدخلات الصناعات الوطنية السورية ومادة أولية لها، فقد انخفض الإنتاج المسوق والمستلم حكومياً من القطن الخام إلى حدود متدنية.

مقترحات بالجملة
وللخروج من الأزمة القائمة ولجهة العمل في هذا المجال، قدم عضو الجمعية الاقتصادية جملة من المقترحات، ومنها إعادة هيكلة الاقتصاد الزراعي وقطاع التزويد بالمياه، خاصة للأغراض الزراعية، وفق آليات تقييم علمية مستندة إلى آليات التقييم التخطيطية، والعمل على تطوير البنية المؤسساتية الحالية وآلية الإدارة المنتشرة وتعزيزها، من خلال اعتماد مبدأ الإدارة بالأهداف في جميع مؤسسات قطاعي الموارد المائية والزراعية.
وتضمّنت الاقتراحات أيضاً، إعادة النظر في الخطط الإنتاجية الزراعية ومناقشة وإعادة النظر في تراكيبها المحصولية، والخروج عن سيطرة الدورات الزراعية المعتمدة على المحاصيل الاستراتيجية، حتى تكون الدورات الزراعية أكثر توازناً، كذلك تعزيز دور التخطيط الإقليمي المكاني وإنجاز المخطط المائي لسورية بمكوناته ذات الطابع البحثي والمعتمدة على تعميم استخدام منتجات البحوث القطاعية، إضافة إلى تعزيز وإشهار دور المؤسسات البحثية وإحداث الهيئة العامة للبحوث المائية كمؤسسة مرجعية علمية لدعم العمل في بحوث السياسات المائية والتخطيط المائي متعدد القطاعات.
كما اقترح داعياً إلى إعادة النظر بمشروع التحول إلى الري الحديث وتقييم أدائه ومنتجاته على خلفية نتائج البحوث العلمية القطاعية، وقيام فريق فني متخصص واسع الطيف من الخبراء الوطنيين ومن المؤسسات العاملة والمستفيدة من قطاع المياه الوطني.

الأكثر ملاءمة
وبوضع البرامج الإقليمية المكانية المتكاملة لإدارة الموارد الطبيعية والمالية والبشرية المتاحة على مستوى محاور ومناطق تنموية محددة بما يوفر الظروف الأكثر ملاءمة، وختم داود رؤيته مؤكداً ضرورة الخروج من الأزمة الحالية بأقل الأضرار، عبر تأمين الإمكانات الحقيقية لإزالة مسببات الأزمة وعناصرها وآثارها، الأمر الذي من شأنه أن يمنع إلى حدّ بعيد حدوث أزمات اقتصادية اجتماعية بنيوية مشابهة مستقبلاً.
دمشق- سامية يوسف