دمشق.. قلب العروبة النابض
هكذا سمّاها قبل عشرات السنين القائد العربي الراحل جمال عبد الناصر. واليوم، هي دمشق التي مازالت على العهد، عهد العروبة، عهد الصمود في وجه الظلاميين التكفيريين، أعداء الحضارة الإنسانية، برابرة العصر الحديث.
دمشق، بقيمتها الحضارية، بياسمينها، بأبوابها، بساحة شهدائها، بأسوارها التي تحطّمت عليها جحافل الغزاة، بسيفها البتّار، بنبضها العروبي الذي يتردّد صداه عبر بردى.. شآم أنت المجد لم يغب.. دمشق، الأبية إباء يوسف العظمة، السنديانة الضاربة الجذور في أعماق التاريخ، لم تكن يوماً سوى مدينة للدهشة والذهول، مدينة تستوقفك لتكتب عنها، لترسمها وتصفها كما وصفها المستشرق الفرنسي الشهير جيرار دي جورج في كتابه المدهش (دمشق من عصور ما قبل التاريخ إلى الدولة المملوكية)، حيث يروي تاريخ المدينة العتيقة بكل ما حملت معها من أحداث وعادات وطقوس بريشة وبحسّ تاريخي ثاقب وبفيض علمي غزير وعميق وتجربة ضخمة في القراءة والدرس والبحث والتنظير التاريخي.. دمشق القديمة قِدَم التاريخ، ولدت قبل التاريخ، وعاصرت أحداثه كلّها، ما جعل اسمها مذكوراً في الكتب المقدسة، والوثائق التاريخية بمختلف لغات العالم القديمة والحديثة.
منذ الغزو المقدوني، ارتبط تاريخ دمشق بالغرب لفترة تقدّر بحوالى عشرة قرون، كما أولى السلوقيون دمشق خلال فترة حكمهم عناية فائقة، وعرفت دمشق في هذه الفترة من تاريخها ازدهار الحضارة الهيلينستية التي اندمجت فيها عناصر الثقافة اليونانية مع حضارة الشرق، وفي العصر الأموي، أصبح لدمشق أعظم مكانة حضارية مرّت بها خلال تاريخها الطويل، حيث غدت عاصمة لدولة كبرى لم تلبث أن وصل نفوذ حكامها إلى حدود الصين شرقاً، وسواحل الأطلسي غرباً، فقد كان العصر الأموي بمثابة العصر الذهبي لمدينة دمشق، حيث كان من أهم معالمها الأثرية آنذاك جامع بني أمية الكبير الذي تمّ تشييده في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، ولايزال يعدّ من أجمل الأبنية العربية والإسلامية في العالم أجمع. كما كان لدمشق دور عظيم ضد الغزاة الصليبيين في العصر الأيوبي. تتميّز دمشق بالمباني الأثرية والتاريخية كشاهدة على حضارات مجيدة مرّت بها عبر تاريخها الطويل والعظيم، ولعلّ من أشهرها الجامع الأموي وقلعة دمشق التي أنشئت عام 1250 م في عهد الملك العادل، والتي تعدّ من أهم الشواهد المعمارية والعسكرية في العالم، وكذلك سور دمشق وأبراجه والقصور القديمة مثل قصر العظم والتكية السليمانية وكنيسة حنانيا، إضافة إلى الكثير من المتاحف الأثرية والحضارية مثل المتحف الوطني ومتحف الخط العربي والمتحف الحربي وغيرها من الأماكن الأثرية.
دمشق التي كانت تختال بحضارتها الراقية وتاريخها العريق الممتد لعصور طويلة، تقف الآن مستلهمة تاريخها الحضاري العريق في وجه الظلاميين التكفيريين أعداء الإنسانية. دمشق التي تحطّمت على أسوارها جحافل الجيوش الغابرة وتكسّرت نصال سيوفهم، هي اليوم تمتشق سيفها البتار في وجه العصابات الوهابية الظلامية المدعومة بأحقاد الصهيونية وأذيالها غربان الخليج والعثمانيين الجدد لتقول لأولئك الذين يحيكون المؤامرات الخسيسة إن دمشق التي كانت منطلق الفتوحات وساحة الانتصارات والسيف الذي يردع الطامعين ستبقى كذلك حتى نهاية التاريخ صامدة، شامخة، عزيزة الجانب، موفورة القوة، مخرزاً في عيون أعدائها.
إبراهيم أحمد