بين قوسين ميزانية “اليتامى” العامة
لا ندري لماذا كل هذا التباطؤ الذي تبديه وزارة العدل في إنجاز مشروع قانون يفتح الباب مشرعاً على أكثر الملفات المالية غموضاً واكتنازاً، فرغم التأخر الكبير إلا أن سياسة التريّث و”طول البال” المشبع ببرودة أعصاب اللجان المكلفة بصياغة تشريع يدير أموال اليتامى والقصّر، تضيف للقضية حنقاً آخر يشي بأنه “لا خير في حاجة لا تأتي في وقتها المناسب”؟.
على مدار عقود طويلة لم يتطرق أحد إلى هذه الإضبارة، ولم تفرد يوماً على بساط البحث لأسباب قانونية لم نهتد إليها عدا الشق المتعلّق بالشريعة الإسلامية ونظرة الدين والمجتمع لأموال هذه الشريحة الضعيفة التي تعدّ مدخراتها بمثابة الأمانات، يحظر الاقتراب منها كخط أحمر يستأهل قطع اليد عند أي تطاول؟!.
اليوم يُكشف النقاب عن رصيد كبير جداً من الأموال العائدة لليتامى والقصّر والتي وصلت -حسب اعتراف القاضي الشرعي الأول بدمشق- إلى حدود تضاهي الميزانية العامة للدولة التي قُدّرت العام الجاري بـ 1390 مليار ليرة، أي إن المبلغ الذي نتكلم عنه يصنع اقتصاداً وخزينة بحدّ ذاته، ولا يمكن إبقاء هذا الموضوع معلقاً أو خارج الحسابات التي دائماً ما تؤذيه أكثر مما تنفعه.
المفارقة أن أموال الأيتام تودع في المصارف بلا فائدة تعود على اليتيم أو القاصر بشكل كامل، ومن المعروف أن القيمة النقدية للأموال تنخفض، وهذا ما يشكل خسارة كبيرة، والجديد الذي نتكلم عنه تأسيس هيئة عامة تستثمر هذه الأموال بالمشاريع الكبيرة التي تعود بالربح على الأيتام -على كثرتهم في هذه الظروف-، ويبدو أن توافقاً ما تشهده الأروقة على هذا الصعيد، فهناك نوايا لاستثمار هذه الأموال في إعادة الإعمار وتحقيق ربح يجنيه القاصر، وهذه من مهمة الهيئة المنشودة التي سيكون لها شخصيتها الاعتبارية من خلال تبعيتها إلى رئاسة مجلس الوزراء أو وزارة العدل كما تقول المعلومات.
الهيئة التي يتمّ الحديث عنها لها حق التملك والاستثمار واعتبار أموال الأيتام المستثمرة في المشاريع أموالاً عامة، ويمكن توسيع صلاحيات الهيئة لتشمل أموال المحجور عليهم وأموال المفقود أو المعتوه والغائبين، وتساهم في بناء مشاريع ضخمة في البلاد بدلاً من وضعها في البنوك دون أن تعود بالفائدة على صاحب الأموال والبلاد.
مسك الكلام، بعد عقود على قيامة البلد عصرياً، نكتشف متأخرين أننا نفتقر إلى قانون خاص بإدارة أموال القاصر مقارنة ببعض الدول العربية التي أصبحت من الدول المتقدمة في هذا المجال، حيث استثمرت أموال الأيتام ببناء مشاريع ضخمة جداً ساهمت في بناء اقتصادياتها، كل ذلك في وقت تظهر فيه يوميات المحكمة الشرعية استقبال ما بين 1000 إلى 1500 معاملة لقاصرين يومياً منهم أيتام وأبناء شهداء.
ولهذا فإن إنجاز هذا القانون سيسدّ ثغرة تشريعية، وهي أن المشرّع السوري لم يجد قانوناً إلى هذه اللحظة يدير أموال القصّر بشكل عام وأموال الأيتام بشكل خاص، ما أدى إلى إضاعة الكثير من الأموال على الأيتام، إما بفقدان قيمتها الشرائية أو عدم استثمارها بشكل صحيح.
علي بلال قاسم