التلفزيون تطور بكل المقاييس لكن المسرح بقي كما هو!! د. جمال قبش: الثقافة هي خطّ الدفاع الأول للبلد
يرى د. جمال قبش “أن من يحمل السلاح بوجه أبناء شعبه لا يملك أيّ مكون فكري وثقافي، وسلاحنا في وجه الإرهاب هو الثقافة التي تحمي حياتنا والأجيال القادمة، وأن جزءاً كبيراً من الأزمة يعود إلى انعدام الثقافة” من هنا بدأ حوار البعث مع من شدّته أوتار العشق للفن فترك بصمة قوية في عوالم المسرح والتلفزيون ورأى فيه المخرجون صورة الضابط الفرنسي، بدأ من المسرح فتأثر بشخصية أحمد أبي خليل القباني، رائد المسرح العربي، وهو الدور الأول الذي لعبه وأطلقه إلى عالم الاحتراف بمشروع تخرج الدفعة الأولى للمعهد العالي للفنون المسرحية، والذي كان بإشراف المبدع الراحل فواز الساجر بعدما تعمق بأفكاره وفلسفته المسرحية. أُرسل لصالح المعهد للتخصص بعلوم المسرح في فرنسا، وعاد بعد حصوله على الدكتوراه لتتكسر أحلامه على أرض الواقع، إذ لم يتمكن من الاستمرار بالتدريس في المعهد لعدم تطابق الوجهة العلمية والفكرية التي يحملها مع المنهج “الأكاديمي” المتبع، فانتقل إدارياً إلى مديرية المسارح والموسيقا لمتابعة مساره الفني-إلا أنه- ويقولها صراحة، فشل في تحقيق مبتغاه “بإيجاد أرضية صالحة وسليمة من أجل الوصول إلى حصاد مسرحي جيد”. وهذا ما دفعه في النهاية إلى التخلي عن مشروعه المتعلق بالمسرح والتوجه للتلفزيون. فسألته من واقع تجربته وكونه شغل منصب عميد المعهد العالي مدة ثلاثة أشهر، لماذا يتوجه الممثلون الشباب إلى الدراما التلفزيونية ويبتعدون عن المسرح؟ فأجاب: إن آلية العمل في مديرية المسارح والموسيقا لم تتطور منذ وجودها، أي منذ الستينيات من القرن الفائت، والعروض المقدمة على مسارحنا أشبه بفقاعات ومحاولات فردية، ونحن بحاجة إلى تطوير القوانين وتكثيف الجهود ليصبح لدينا مسرح حقيقي، وللأسف يتوجه الشباب إلى التلفزيون لأنهم شاهدوا مصير من سبقهم، ووجدوا أن في التلفزيون آلية عمل متطورة فنياً وقانونياً وعملياً، ناهيك عن الإغراء المادي والمعنوي، المشكلة في مديرية المسارح أنها لم تبعد الشباب عن المسرح فقط بل أبعدت جيلنا وجيل الرعيل الأول، أين الفنانون الذين صنعوا المسرح؟ أين الفنان الكبير دريد لحام والفنانة الكبيرة منى واصف، أين الأستاذ عمر حجو، أين الفنانة الكبيرة ثناء دبسي؟ لماذا ابتعد هؤلاء عن المسرح وتركوا تأدية أدوار الكبار للشباب؟
نحتاج إلى الثقافة
ورداً على سؤالك كيف نعيد إلى المسرح تألقه؟ أتابع: نحن نحتاج إلى وجود الثقافة ودعمها في حياتنا عامةً وليس في المسرح فقط. صحيح أننا نعيش أزمة يعود جزء كبير منها إلى انعدام الثقافة ونتساءل؟ من الذي يحمل السلاح الآن في وجه أبناء شعبه؟ ولماذا حدث ما حدث؟ ألا يشكّل الجهل سبباً مباشراً؟ الثقافة هي خطّ الدفاع الأول للبلد والنشأة الصحيحة لأجيالنا تنبع من الثقافة، وبرأيي إن ميزانية وزارة الثقافة يجب أن تعادل ميزانية وزارة الدفاع بل وأكثر. أين دور المراكز الثقافية؟ أين دورها في عملية التواصل الإنساني والثقافي؟ ولمناسبة الحديث توجد مراكز في مناطق نائية تقدم أكثر مما تقدمه المراكز الموجودة في دمشق، وكل هذا بفضل أفراد، أحبوا البلد وعملوا على إثبات ذلك بعطائهم. لابد أن نبدأ من العلاقة (التواشجية) التي تربط بين الناس والمراكز الثقافية في كل الأحياء، وللأسف إن هذه العلاقة ضعيفة. وما لفت نظري حقيقة حينما كنت في لجان اختبار طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية أن هناك طلاباً جاؤوا من مناطق نائية وشعبية، لكن تسرّب إلى دواخلهم حبّ الفنّ وعشقوا المسرح من خلال حبهم لشخص ما في منطقتهم يناهض من أجل استمرار المسرح، فجمع حوله أشخاصاً كوّنوا ما يشبه المسرح الضيق، وعملوا حباً للفن فقط لا رغبة بشهرة أو مال. لماذا لا ينسحب هذا على كل الأحياء وخاصة الشعبية من خلال تفعيل دور الجمعيات الأهلية والمراكز الثقافية لتأخذ دورها البنّاء، لماذا لا نبدأ من المسرح المدرسي؟
لستُ مع مصطلح دراما شبابية
ومن توجه الممثلين الشباب نحو المسرح إلى حضورهم الإيجابي الذي حققوه على الساحة الدرامية وإيجاد قاعدة لهم سُميت بدراما الشباب، وجاءت بدعم بعض المخرجين مثل مصطفى البرقاوي وإياد نحاس ووسيم السيد من خلال أعمال عدة فسألته عن رأيه بهذه الظاهرة فقال:
أنا لستُ مع هذه التسمية، ومن المعروف أن الدراما تلتصق بالواقع الراهن وترتبط بشريحة الشباب كونها الشريحة الأكبر في مجتمعنا، لذلك ركز المخرجون على خطوط حياتهم كونهم مرآة المجتمع ومستقبله. وبرأيي إن الأعمال التي قُدمت لم تستطع أن تطرح مشكلاتهم الحقيقية وبقيت ضمن إطار ضيق، نحن بحاجة إلى نصوص أعمق. وأنا أشرك وزارة التعليم العالي -قسم علم الاجتماع وعلم النفس- كي يقدم المتخصصون دراسات وأبحاثاً علمية أكاديمية للأعمال الدرامية لتصبح مرجعاً للكتّاب والمخرجين، وهذا ينسحب أيضاً على مسألة النقد، فنحن لا نريد النقد عن طريق الصحافة الصفراء، ونحتاج إلى دراسات نقدية متخصصة تتناول النتاج الفكري والعلمي والجمالي والفني لاستنباط أفكار بنّاءة.
لا أحب التأطير بشخصية محددة
وفي منحى آخر من الحوار اقتربنا أكثر من خصوصية جمال قبش إذ برع في الأعمال الشامية ورأى فيه المخرجون صورة الضابط الفرنسي كما في “باب الحارة” وجسد هذا الدور أيضاً في الدراما المصرية والعربية كما في نابليون والمحروسة، وفرقة ناجي عطا الله حيث أدى دور ضابط إسرائيلي، ورغم نجاحه إلا أنه خرج عن هذا التأطير في قمر الشام وأعمال أخرى وجسد دور التاجر الدمشقي، لكنه بقي مرشحاً لدى المخرجين لدور الضابط الأجنبي، وحالياً يتابع هذا الدور في طوق البنات وباب الحارة الجزء السادس والسابع، فسألته عن خصوصية هذا الدور بالنسبة إليه؟ وهل سيحافظ في الأجزاء القادمة على النجاح السابق؟ فأجاب:
مرحلة الاحتلال الفرنسي لسورية جزء من تاريخ البلد، ومن الهام أن تتناولها الدراما، ومن أجل المصداقية، من الضروري أن نجد من يؤدي الأدوار الفرنسية بلغتها الأم، أما أن يُؤطر الممثل بأدوار بعينها فهذا ما أرفضه، وكلنا يعرف أسباب شهرة باب الحارة، منها قدرة المخرج بسام الملا على التقاط مفردات البيئة الشامية والاختيار الصحيح لممثليه، ولا ننسى الدور الكبير الذي لعبه الكتّاب بإضافة إسقاطات واقعية بروح ذكية موظفة جيداً، كما في الجزء الرابع المبني على حصار غزة، إضافة إلى عناصر العمل الفنية، وحينما غاب عنا باب الحارة شعرنا بفراغ رغم وجود أعمال شامية أخرى، ما يدل على تأثيره المباشر على الناس وربما شغل مكان الحكواتي في رمضان، ولا أخفيك إن شركات الإنتاج متخوفة هذا العام من عودة باب الحارة، وأنا أؤكد بأن الأجزاء القادمة ستحقق حضوراً قوياً ولافتاً.
وفيما يتعلق بالأعمال الاجتماعية قدّم قبِّش أنماطاً مختلفة من الشخصيات على الصعيد العربي والمحلي، وفي دراما 2014 يشارك بأدوار مختلفة في “ما وراء الوجوه” وخماسية “مازالت الحافلة تسير”، فيتابع حديثه عن أهمية هذه الأعمال عامة ومواكبتها الواقع: الفنان مشاكس بطبعه ويحاول الذهاب باتجاه تعرية الشخوص التي يلعبها بسلبياتها وإيجابياتها ليصارإلى الحكم عليها من قبل المتفرج. إن الأعمال الاجتماعية هي الأقدر على تجسيد حيثيات المجتمع والتوقف عند أسباب الفقر والانحلال الأخلاقي والجهل وانعكاس هذا على الأسرة والمجتمع. إضافة إلى مواكبتها الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والأعمال التي طالت الأزمة أكبر دليل.
نحمي صناعتنا بكل السبل
ومن المسرح والدراما بأنواعها انتقلنا إلى سبُل الحفاظ على درامانا من وجهة نظره. فتحدث: إن نجاح الدراما وتحولها إلى صناعة ناتج عن القوانين التي سُنت في القرن الفائت، والتي كان لها أثرأيضاً على المسرح والسينما والتلفزيون ونقابة الفنانين ودار الأوبرا والمعهد العالي. ومن واجبنا كفنانين ومثقفين العمل جميعاً والحفاظ على ما توصلنا إليه من مكتسبات، وذلك من خلال تفعيل دورهذه المؤسسات الفنية والثقافية بشكل علمي وخلاق، والعمل على تطوير القوانين التي تصون الفن والفنان وتحميه من المتطفلين، ومن خلال تجربتي الشخصية أقول وبكل صراحة: نحن بحاجة إلى ضوابط علمية وأكاديمية في المعهد العالي للفنون المسرحية، بحاجة إلى آلية عمل جديدة في مسارحنا، وبحاجة إلى أن تأخذ نقابة الفنانين دورها الحقيقي الذي وُجدت من أجله، وقبل أن يسدل الستار وجه كلمة إلى جمهوره بأن الفنانين يعملون بأوضاع صعبة وبحب أكبر كي تستمر الدراما وتزدهر، وأن سورية ستبقى شاء من شاء وأبى من أبى.
ملده شويكاني