رغم تصنيفه في خانة “الشريف” اقتصاد الظل “مدان” بتبييض الأزمة وسط جدل بأهمية وجوده الراهن لسد حاجات السوق
يؤكد العارفون بأدبيات السوق وقوانينه أن كل عرض يتمخض عنه طلب مقابل له، وأن أية أزمة تقدم الطلب على العرض، ولعلّ ما حدث ويحدث في سورية يتناسب مع ظروف أزمة حقيقية، شرعنت بشكل كبير مسألة اقتصاد الظل وما ينتجه من مواد وسلع أساسية استهلاكية، كون أن الطلب عليها زاد بشكل كبير على كمية المتوفر منها في السوق، في ظل خروج كثير من المنشآت المنتجة المرخصة نظامياً، وعجز ما تبقى منها عن تلبية الطلب المتزايد لها.
هذا الأمر يمكن تفهمه إلى حدّ ما في ظل ما نعيشه من ظرف راهن أليم، إلا أن السؤال المشروع هنا: ما هي تداعيات هذا الأمر في حال استمراره، وتأثيره على اقتصادنا الوطني؟!.
هواجس
الخبير الاقتصادي الدكتور قيس خضر أوضح أن السوق تدرس العرض والطلب بآلية تجارية بحتة، والدولة يجب أن تنظر بعين مسؤول وراعٍ لهذه السوق التي تعمل حالياً وفق مبدأ (دعه يعمل دعه يمر)، مشيراً إلى أن الحكومة تراقب هذا الأمر عن بعد، على اعتبار أنه قد يخفف الضغط عنها.
وأضاف خضر لـ”البعث”: إن مثل هذه العمل يُسيّر بلا شك تدفقات المال والنقد بين طرفي الدورة الاقتصادية (الإنتاج والاستهلاك)، لكن الخشية الأكبر التي تعتري مثل هذه العملية تكمن في تسريب تدفقات المستهلك السوري خارج القنوات الاقتصادية التي تفيد وتغذي الاقتصاد السوري، بمعنى الخشية من تجميع تدفقات المستهلكين السوريين ثم تحويلها إلى عملة أجنبية والهرب بها خارج الحدود، معتبراً أن هذا يندرج تحت مسمى (تبييض الأزمة) إذ أنها –أي الأزمة– صنعت وضعاً قائماً مفاده إضفاء صفة الشرعية على مال غير شرعي، كون أصحاب هذا المال يقومون بتلبية احتياجات الطلب، تحت مرأى الجهات المعنية!!.
اقتصاد شريف
بالمقابل يرى البعض أن اقتصاد الظل بدأ يشكل متنفساً حقيقياً لا يمكن إنكاره في ظل الارتفاع المريب للأسعار، ولاسيما أنه يندرج تحت ما يسمّى في أغلب دول العالم بـ”الاقتصاد الشريف” كونه لا يمت بصلة للمتاجرة بالممنوعات كالمخدرات وما شابه، إضافة إلى أنه يلعب دوراً مهماً في تقليص نسبة البطالة وتأمين مستلزمات وحاجيات أسر كثيرة، ويرفد بعض قطاعات الاقتصاد الوطني بالدرجة الثانية، ما يحتّم على الجهات المعنية تبسيط إجراءات تنظيمه ووضع شروط تشجيعية تدفع القائمين عليه للمبادرة والإقبال على العمل برعاية وظل القانون، حتى لا يستغل بعض ضعاف النفوس عملهم بالخفاء ويتاجرون بمنتجات تتنافى مع صحة المواطن، فبعض أصحاب الورشات والفعاليات الاقتصادية الصغيرة والمتناهية في الصغر أكدوا لـ”البعث” أن عملهم خارج الإطار القانوني يقيهم شر زيارات موظفي الدوائر الحكومية خاصة المالية والبلدية منهم –على حد وصفهم– وبالتالي يتخلصون من ابتزازهم شبه اليومي بحجة تطبيق القانون، إلى جانب الروتين المقيت المرافق لعملية الترخيص وما يكتنفها من إجراءات وشروط صعبة لا تناسب البعض منهم، ناهيك عن أن الضرائب والرسوم الواجب تسديدها تشكل عبئاً إضافياً على تكاليف إنتاجهم، لذلك فإن منتجاتهم غالباً ما تكون منافسة من ناحية السعر للمنتجات الأخرى.
للعلم
يُذكر أن وزارة المالية تصدّت لهذا الموضوع من خلال قيامها بمسح جغرافي لمكلفي الدخل المقطوع عام 2007، وكانت النتيجة كشف كثير من الفعاليات غير المكلفة وغير المعروفة، إذ تمّ كشف نسبة تجاوزت الـ20% من مجموع المكلفين على المستوى القطر، في حين تفيد مصادر في الهيئة العامة للضرائب والرسوم أن لدى الهيئة معلومات تشير إلى أن النسبة أكبر من ذلك، فهناك قطاع غير منظم على مستوى عالٍ وخطير لدرجة أن هناك مصانع برادات غير معروفة تشتري مواد أولية وتبيعها في السوق وهي غير مكلفة، والاستعلام الضريبي لعب دوراً كبيراً في كشفها وكشف مطارح ضريبية أخرى، وجاءت الأزمة لتزيد “الطين بِلّة” نظراً لتعثر المتابعة.
دمشق– حسن النابلسي