اقتصادصحيفة البعث

ثلاثية “الموثوقية والدقة والشفافية” المفقودة..؟! على لسان وزير معتق وخبير عالمي مجرب.. ستة حلول لمشاكلنا الزراعية..أولها تطبيق “النسبية” للوصول إلى التنافسية”..!؟

ستة حلول.. منها الآني الضروري المباشرة به، ومنها المرحلي الذي يقتضي السرعة بالعمل عليه، وآخرها الاستراتيجي اللازم البدء به حالاً، والهدف هو النهوض بقطاعنا الزراعي ومعالجة مشكلات الأراضي الزراعية، بعدما شهد هذان الملفان الأمنيِّان غذائياً من تراكمت سلبية تكدست قبل الأزمة، لتتفاقم خلالها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن الإحصائيات الزراعية لا تزال يعوزها الموثوقية والدقة والشفافية ليصبح الرقم الإحصائي مفيداً لصانع القرار..! ‏
هذا ما أكده الدكتور نور الدين منى الوزير الأسبق لوزارة الزراعة في تصريح خاص لـ” البعث”، مبتدئاً بأول الحلول – التي لا بد منها على حد تعبيره – وهي تطبيق الزراعة التي تعتمد على الميزة النسبية والانتقال إلى الزراعة التنافسية، وثانيها تطبيق صارم للقوانين الناظمة للإدارة المستدامة للموارد، وثالثها تعزيز برامج التنمية الريفية المتوازنة وتحقيق تكامل النشاطات الاقتصادية والزراعية في الريف، أما رابعها فهو توطين مؤسسات مالية متطورة للإقراض والتأمين والدعم الزراعي.
ويركز الحلان الأخيران على ضرورة إعادة تأهيل البنى التحتية المتضررة بالصورة القصوى، وتقديم جميع المحفزات الممكنة لعودة الفلاحين إلى أراضيهم ومعاودتهم للعمل فيها وزراعتها بالمحاصيل والمنتجات الرئيسية لحياة ومعيشة المواطن اليومية وبما يناسب مستويات الدخل.

بين ميزتين..!؟
ووفقاً لوزيرنا المعتق خبرة وعلماً في “الإيكاردا” لمدة عشر سنوات، فإن الزراعة ذات الميزة التنافسية تركز على ميزة تنافسية الحصول على الموارد الطبيعية بتكلفة منخفضة مثل توفر (مصدر طاقة للزراعة منخفض التكلفة، وكذلك الموقع الجغرافي المناسب للعملية الإنتاجية، وتأمين المهارات الفنية للإنتاج)، بحيث يتميز المنتج الزراعي بـ “ميزة التكاليف المنخفضة وميزة النوعية”، وهذا يتطلب العمل لاستدامة الميزة التنافسية التي تشمل في مكوناتها (جودة التسويق، وآلية القدرة على تخفيض التكاليف)، بالمختصر تعني “تكلفة أقل، وتمييز المنتج، واختصار الوقت والكفاءة”.
والهدف من القدرة التنافسية برأيه، هو تنمية الصادرات الزراعية، لكون أهمية الميزة النسبية في الزراعة تكمن بالتركيز على الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة لهذا المحصول أو ذاك، في منطقة معينة مناسبة لزراعته أكثر من منطقة أخرى للحصول على أفضل إنتاج ونوعية، موضحاً أن المفهوم أعلاه يقوم على مبدأ قدرة البلد على إنتاج السلعة بكفاءة عالية باستخدام رأس المال والأرض والعمالة، أي إن الميزة النسبية لإنتاج محصول ما أن يكون الإنتاج بأقل التكاليف الممكنة وبأفضل كمية ونوعية، لافتاً إلى أن سورية قد تتمتع بميزة نسبية في إنتاج البرتقال، والقمح، والفستق الحلبي، والبقوليات وغيرها من منتجات، لكنها قد تفتقد القدرة على التنافسية في الأسواق العالمية أو العربية…!؟

خمسة بعيون..!
وكلمحة سريعة لما تواجهه زراعتنا من تحديات مزمنة، فضل منى الإشارة – تمهيداً – إلى أن مساحة سورية 18.5 مليون هكتار، منها 6.5 ملايين قابلة للزراعة، مستثمر منها 5.7 ملايين هكتار، في حين تبلغ مساحة الأراضي المروية 1.4 مليون هكتار، والبعلية 3.3 ملايين هكتار، وبحسب الإحصائيات الرسمية فإن 8.9 ملايين نسمة يقطنون في الأرياف، حيث يعمل أكثر من مليون عامل منهم في الزراعة، أي ما نسبته 19.4% من قوة العمل السورية، وبالنتيجة تسهم الزراعة بـ 17.6% في الناتج المحلي الإجمالي. مقدمة لازمة أعقبها الوزير الأسبق بتحديد التحديات التي تبتدئ من عدم إمكانية التوسع الأفقي بالنسبة للأراضي المروية، مروراً باستخدام طرق الري التقليدي في 70% من إجمالي المساحة المروية والتي تستنزف كميات مياه كبيرة، وعدم الاستفادة من كامل حصة سورية من مياه نهر الفرات ودجلة، ولا تنتهي عند ضعف المنظومة المؤسساتية التي تدير شؤون الزراعة والري، وفوق الكل التغير المناخي وآثاره.

ومثلها دون حل..!
وحول المشكلات التي يواجهها القطاع الزراعي والتي لا تزال أيضاً دون حل، فحددها بخمس مشكلات وهي: تفتيت الحيازات الزراعية وخاصة المتعلقة بتجزئة الحيازة بسبب الإرث وندرة الأراضي الزراعية، وارتفاع أسعارها مع انخفاض العوائد الاقتصادية من استثمارها؛ واستمرار الزراعة التقليدية الموروثة وعدم تطبيق مفهوم الحزمة التكنولوجية المتكاملة؛ يضاف إليها صعوبة اقتناء التقنيات الزراعية لارتفاع أسعارها؛ وعدم إمكانية تحقيق الكفاءة من تشغيلها في ظل صغر حجم الحيازة، وتسبب ذلك في انخفاض الخصوبة وتملح بعض الأراضي وتدني إنتاجيتها؛ وأخيراً تعدد الجهات المسؤولة عن قطاع الزراعة والري وضعف آليات التنسيق فيما بينها يؤدي إلى عدم تحقيق الكفاءة الممكنة من إدارة استثمار الموارد الأرضية والمائية.

تدني العوائد
وعمَّا آل إليه واقعنا الزراعي وتحديداً أثر الأزمة على الموارد الأرضية، كشف الدكتور منى عن حدوث زيادة في التعدي على الأراضي الزراعية للأغراض الزراعية والصناعية والسكنية.. إلخ من أراضي أملاك دولة وحراجية وبادية، فقد زاد متوسط المساحة المستثمرة خلال الفترة 2011-2015 نحو /86/ ألف هكتار، نتيجة التعدي، كما زادت مشاكل استثمار الأراضي حيث تراجعت المساحة المتروكة سبات للفترة 2010- 2015 نحو /921/ ألف هكتار، وتراجعت المساحة المزروعة خلال نفس الفترة /887/ألف هكتار، وبالتالي تراجع الإنتاج النباتي من /14.6/مليون عام 2005 إلى /13.1/مليون طن عام 2010 إلى /7.8/مليون طن عام 2015. مشيراً إلى الحاجة لمشاريع وبرامج متخصصة لمعالجتها، وقابل ذلك انخفاض المساحات المزروعة، وإتلاف مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية، وارتفاع أسعار المحروقات وانقطاع المياه والكهرباء وانعدام الأمن وانخفاض قيمة الليرة السورية، وبالمحصلة تدني عوائد الاستثمار الزراعي..!

ليكتمل النقر..!
و”ليكتمل النقر في الزعرور” كما يقال تفاقمت ظاهرة تلوث التربة والأراضي الزراعية نتيجة الإفراط في استعمال الأسمدة الكيميائية وبشكل خاص الأسمدة الآزوتية، وتلوث مياه الري والصرف، يضاف إلى ذلك التلوث بالمبيدات والتلوث الصناعي الذي تتعرض له الأراضي الزراعية من خلال مخلفات المصانع السائلة التي استخدمت للري الزراعي ولاسيما في حوض بردى وحوض العاصي، ما أدى إلى تدهور مساحات كبيرة من الأراضي في غوطة دمشق وفي سهل الغاب.

تأكل الأراضي ‏
كما شهدت الأراضي الزراعية تأكلاً نتيجة التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية الخصبة في معظم المناطق السورية، ومثال ذلك غوطة دمشق وما أصابها من تصحّر، فقد زادت مساحة المباني والمرافق العامة من 636 ألف هكتار عام 2003 إلى 688 ألف هكتار عام 2008، ولكن لم يقابلها تقلص في مساحة الأراضي الزراعية المستثمرة التي زادت إلى 5665 ألف هكتار عام 2008، بسبب التوسع في مشروعات استصلاح الأراضي‏. ولا شك أن ظاهرة انتشار المزارع الصغيرة والمتوسطة في سورية وتزايد عددها خلال العقود الماضية، نتيجة لارتفاع معدل النمو السكاني، أدى إلى زيادة في الضغط على الأراضي. هذا ما قبل الأزمة، فكيف الوضع حالياً..متسائلاً إن كان هناك إحصائية رسمية حديثة بهذا الخصوص؟!

تدهور..! ‏
ويرى الدكتور منى أن سوء إدارة عجلة النمو الاقتصادي أدت إلى أضرار بيئية خطيرة، مشيراً إلى أن عملية تدهور التربة والتصحر والتملح والتلوث من المشكلات البيئية الخطرة، الناجمة عن الأنشطة غير المدروسة من خلال استغلال الموارد الطبيعية لتأمين الغذاء للإنسان والأعلاف للحيوان، حيث قدرت المساحة المتدهورة من الأراضي بنحو 59% من مساحتها الكلية، وهذا بدوره أدى إلى ظهور مشكلات عديدة مثل التصحر وتناقص الغطاء النباتي الطبيعي، ومنها ما يحدث في البادية السورية من رعي جائر واستنزاف نتيجة لزيادة الحمولة الرعوية وما ينجم عن ذلك من مشكلات اقتصادية واجتماعية وبيئية، لم يتم تحديد فاتورتها الباهضة بعد وربما لا يتم..! في الوقت ذاته الذي يهدد ‏التصحر مساحات واسعة من الأراضي السورية نتيجة الانجراف المائي والريحي مما يسبب تدهوراً في التربة. ‏
ورغم كل ما تقدم لم تزل طرق الري التقليدية في معظم مناطق الزراعات قائمة على استنزاف كميات كبيرة من المياه في منطقة الفرات وسهل الغاب، ما يؤدي إلى غرق التربة وسوء صرف المياه الزائدة وينتج عن ذلك زيادة ملوحة التربة، إذ يتأثر بهذه المشكلة نحو 85 ألف هكتار في سهل الغاب والروج ومناطق المنخفضات في سهل عكار والقنيطرة وطرطوس واللاذقية.

على الرغم..!؟
ورداً على سؤالنا حول التخطيط البيئي وأين هو، أشار منى إلى أن هناك مظاهر كعدم القدرة على حماية المصادر المائية والتربة الزراعية وتنامي العشوائيات، وتشكيل دمشق مركز شبكة طرقية تجذب بدورها النشاطات السكنية والصناعية.. إلخ، تشير إلى حدوث خلل في عملية التخطيط، والتي غالباً لم تأخذ النواحي البيئية بالاعتبار، بينما أخذت النواحي الاقتصادية والتنموية، لذلك بقي التخطيط البيئي لاستعمالات الأراضي – رغم أهميته القصوى – دون المستوى والطموح والضرورة، علماً أن عملية الحصول على معلومات وبيانات عن استعمالات الأراضي، إضافة إلى دراسة العمليات الزراعية والعمرانية والمشكلات البيئية، تعد من الضروريات الرئيسة للمخططين ومتخذي القرار لوضع سياسات استعمال أفضل وخطط استثمارية تخدم الاقتصاد والتنمية..!
وختم الوزير الأسبق بالقول: إن الإحصائيات الزراعية يعوزها الموثوقية والدقة والشفافية… ليصبح الرقم الإحصائي مفيداً لصانع القرار..!؟ فهل وصلت الرسالة؟، وهل يجد ما بذرنها من وقائع، التربة المتفهمة لنعيد لأراضينا غطاءها الذي عرِّيناه فعرَّانا..!؟

قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com