المهارة اللغوية في التواصل…أن تكون اللغة صوتاً للفكر وصورته المعبرة عنه
غنى اللغة العربية واقع يتمثل في ترف المفردات، والقوة التعبيرية، والبلاغية، وعلى من يتقنها أن يملك الأسس السليمة للتواصل ليقدمها بأسلوب يليق بتاريخها، وسطوة حضورها، وعن هذا ألقى الدكتور مازن مبارك، عضو مجمع اللغة العربية محاضرة “المهارة اللغوية في التواصل”، وذلك في قاعة المحاضرات بالمجمع، وابتدأ الحديث بالقول: لا أريد لهذا البحث أن يكون بحثاً نظرياً صرفاً، يكتفي بالوصف، والتنظير، والتخطيط، بل أريد له أن يُتبع الوصف بالتطبيق، والتنفيذ العملي، فالكتابة عن المهارة اللغوية، في ضوء مهمتها التواصلية، لابد أن تكون شديدة الصلة بالواقعية، أي بالناحية العملية التي تتبع الفكرة بالعمل.
اللغة هي جسر التواصل
وطرح مبارك مجموعة أسئلة مثل: ما هي المهارة؟ وعن أية لغة نتحدث؟ وماذا نعني بالتواصل؟ وأوضح أن المهارة هي الإتقان، والماهر هو الصانع الذي يأتي بالشيء متقناً جيداً دون أن يتكلّف ذلك، أما اللغة فلست أريد الوقوف عند ما ذكر لها من تعريفات، وحدود نظرية، لأنها، سواء أكانت رمزية إشارية، أم مكتوبة، مرئية ومقروءة، أم منطوقة مسموعة، فالغرض منها هو التواصل، كونها الجسر الواصل بين المرسل والمتلقي، وهي أداة تفكيرنا الصامت، وصوت فكرنا الناطق، هي أولى خطوات انطلاقة الأنا من فرديّتها لاتصالها بالآخر، أما المهارة اللغوية فهي حاجة لابد منها في كل اجتماع بشري.
وعما تشمله اللغة من مكونات، أوضح مبارك أنها تشمل اللفظ الشفهي في المحادثات، وتشمل القراءة التي تتطلب الفهم الشديد لما يُقرأ، أو يسمع، وتشمل التعبير الذي يتطلّب النطق السليم للحروف، والكلمات، والتراكيب، وبذلك تكون المهارة اللغوية شاملة لكل ما سبق، دالّة على الحذق في اللغة بما فيه، “النطق في الحديث، والسلامة في القراءة والفهم، والصحة في التعبير عن المراد”، وبما أن التواصل الاجتماعي يحتاج إلى اللغة نفسها، لا إلى علومها، فهذا يعني أن المهارة في التواصل اللغوي، وهي التي نسعى إلى بلوغها، ليست بالعناية في علوم اللغة، بل يعني ذلك أن اهتمامنا يجب أن ينصرف إلى اللغة التي هي ملكة نفسيّة، أو عادة لسانية، وهو شيء آخر غير اهتمامنا بعلوم اللغة التي يأخذ تعليمها كل جهودنا في المدارس والجامعات، ولذلك فإن المشكلة اللغوية مفتاح ليس بأيدي النحويين.
الإعلام قدوة ومثال
وعما يقوم به الإعلام، وطبيعة الدور القادر على القيام به، أشار مبارك إلى أن الإعلام اعتمد في مخاطبة الناس على استخدام أنواع اللغة كلها من صوتية مسموعة، ومكتوبة، ومقروءة، ومصوّرة ملوّنة، ومتحركة مشاهدة، ليستثمر جميع أنواعها في تواصله مع المتلقين، ونحن نعنى باللغة المنطوقة كما المكتوبة، لأن لكل منهما وظيفة في التواصل الإنساني، فالمكتوبة هي التي يتم بها التواصل مع الأسلاف الذين تركوا لنا إرثهم، وثقافتهم، وعلومهم مكتوبة، أما المنطوقة المحكيّة فنتوخى المهارة فيها لأنها وسيلة تواصلنا مع المعاصرين، ولا يجوز أن نهمل واحدة على حساب الأخرى، ولا شك أن الإعلام العربي قادر على إكساب المهارة العامة في اللغة، لأنه قادر على أن يكون قدوة، ومثالاً للمتحدّثين، وقادر على غرس القيم اللغوية من حبّ للعربية، وإعلاء لمنزلتها في نفوس المستمعين عامة، والناشئين خاصة، فله دور عظيم في نشر اللغة الجماعية ذات الدلالات الواحدة، والمعاني المشتركة بين أفراد الجماعة، وأفراد المجتمع، وأفراد الأمة.
للعربية أسلوبها
ونوّه مبارك إلى ضرورة أن تكون اللغة واحدة موحّدة في الأمة، فهي وسيلة انتقال المعرفة من جيل إلى جيل، أي هي التواصل بين أجيال الأمة عبر العصور، ولولاها لبدأت معرفة كل قوم في كل جيل من الصفر!.. إنها وسيلة التقارب الإنساني بين الأمم، ولا لحمة بين أبناء الوطن الواحد إلا باللغة الواحدة الجامعة لكل أبنائه، وطبقاته، وأطيافه؟ وكما أن لكل لغة من اللغات أسلوبها في التواصل، فللعربية كذلك أسلوبها الذي تستعين فيه بالألفاظ، والمعاني، أو بالشكل، والمضمون لإخراج كل فكرة بما يناسبها من أساليب التعبير ليبلغ المعنى ذهن المخاطب في أحسن صورة، والمهارة في اللغة المنطوقة تتضمن مهارة الاستماع، والفهم، ومهارة الكلام، والإفهام، ولا تتحصل هذه المهارة إلاّ بالسماع، والتدريب، ثم الممارسة.
وعدّد مبارك الأسباب الكثيرة التي أبعدت الجيل العربي عن أن يتقن التواصل باللغة، ومنها: الإعراض عن القراءة، والفقر في الثروة اللغوية، وفي المحفوظ، وعدم المبالاة باللغة العربية، وغلبة العامية على الساحات اليومية، ووجود الكثير من مغريات الحياة المعاصرة كالأنترنت، فنحن نفتقر في بيئتنا المعاصرة إلى لغة صالحة للاقتداء، ونشكو من ضعف العربية على ألسن الناس، وهي شكوى قديمة زاد عمرها على قرن ونصف.
العربية حياة لنا
وبما أنه في معايشة العربية حياة لها، وحياة لنا، كما أشار مبارك، فقد أكد على أنه يجب أن نغرس في أذهان الطلاب والمعلمين من قبلهم أن العربية ليست مقرراً لمعلمي العربية وحدهم، وليست مادة تعليمية لنفسها، وليس موضعها دروس العربية فقط، ولكنها موضع اهتمام كل المعلمين في كل المقررات، وأن موضعها كل الوطن، فهي صنوه، وعنوان عروبته، ومن أجل تهيئة تواصل لغوي يتم بسلامة ومهارة، لابد من مجموعة أمور فنّدها مبارك في عدة نقاط: أولها أن الاهتمام بالعربية ينبغي أن يكون هدفاً صريحاً في كل موضع تستخدم فيه، وكذلك استثمار المراحل العمرية لتعليم اللغة الفصحى لأطفالنا، وجعل البرامج الإعلامية الموجّهة إلى الأطفال باللغة الفصيحة، سواء أكانت تعليمية، أم توجيهية، أم ترفيهية، والإكثار من المحاورات، والمناظرات، والإلقاء، وتنظيف البيئة اللغوية من اللغات الدخيلة على الألسنة ما أمكن، وفي اللافتات في الأسواق، والشوارع، والفنادق، والمطاعم، كما يجب أن نقتحم بلغتنا مختلف ميادين الحياة المعاصرة، لذا ينبغي على اللغة أن تكون لصيقة بالحياة، وأن تكون صوتاً للفكر، وهي ابنته، وصورته المعبرة عنه، ولتبقى اللغة ابنة الحياة.
لوردا فوزي