ثقافة

“ملتقى السرديات”.. طموح لإعادة مجد الرواية
“الملحمة صوت أحادي بينما الرواية عمل أوركسترالي متعدد الأصوات” هكذا عرّف الأديب نذير جعفر الرواية في مشاركته بملتقى السرديات (نشأة الرواية العربية) بإشراف د. عاطف البطرس وإدارة الندوات للإعلامي جمال الجيش ضمن أيام ملتقيات دمشق الثقافية في المركز الثقافي في –أبو رمانة- وقد أثار الملتقى إشكاليات تمحورت حول الملحمة والرواية، والتمييز بين جمالية السرد الروائي وبين التأريخ، وتعدد  صور الأم في الرواية العربية بين المستسلمة والخانعة إلى الثائرة والمتمردة كما في الأدب الفلسطيني، وتأثير الرواية على المجتمع، وعلاقتها بالصحافة وبالملتقيات الأدبية، وارتباط الرواية العربية بالأحداث الكبرى.
واقترح الحاضرون مثقفين ومهتمين بالرواية، أن تكون محاور الملتقى القادم أكثر حداثة وعمقاً بدخول التفاصيل والتقنيات الروائية، وإعطاء مساحة أكبر للرواية السورية. وتأتي هذه الخطوة الهامة في تفعيل الحركة الثقافية في المراكز وإتاحة دور أكبر للحضور الثقافي التخصصي من خلال الملتقيات.

الاشتغال الإبداعي

استهل الإعلامي جمال الجيش الحديث عن نشأة الرواية العربية بأنها أهم المعارف التي تشكّل شخصية الإنسان ولها دور في تفعيل الثقافة في مجتمعاتنا العربية، لاسيما أنها الفنّ الجامع لكل الفنون وتضم كل أشكال الاشتغال الإبداعي بخلق عوالم جديدة وشخوص تخرجنا من رتابة الواقع، والهدف من الملتقى التحاور لإعادة مجد الرواية.

وعي نقدي

وأوضح د. عاطف البطرس أن أهمية الملتقى تكمن في تأسيس وعي نقدي يقترب من الجدة ويتأسس ضمن مجموعة من القيم نطلق عليها المنطلقات النظرية في سياق مجموعة من العوالم المتكاملة والمختلفة في التحرر من الأحكام المسبقة، فكل المسبقات مطروحة للمساءلة واستخلاص ما هو قابل للحياة وفي الوقت ذاته نكوّن أفكاراً للمستقبل.

عينة من المحيط

ورأى د. غسان غنيم أن هناك إشكالية في زمن ظهور الرواية في مجتمعاتنا العربية عبر بحثه في “نشأة الرواية العربية”، فعاد إلى التراث ليشير إلى دور المسامرات والحكايات لدى الشعوب فكل شعب يحمل هذه الجذور الأساسية التي بُنيت عليها الرواية التي هي عالم صغير يجتزئ عينة من المحيط الأكبر، فالروائي يصبح طبيباً مخبرياً ومحللاً سياسياً يقدم لنا العينة الممتعة لنفهم الكل ونتعايش معه، فالفنّ بكل أصنافه وسيلة من وسائل الحياة التي تجعلنا نتقبل الحياة ونتفاعل معها. وتابع بأن مصطلح الرواية لم يستقر فجأة إذ مرّ بمراحل فكان اسمه “رومان” في الروايات المترجمة عن الفرنسية، ووردت لدى الشيخ محمد عبده اسم “رومانيات”. وفي القرن العشرين أُطلق على الرواية اسم “المسرحية التمثيلية” ثم اختلط المصطلح مع القصة إلا أن استقر اسمها على الرواية، وتعدّ من الأجناس الأدبية المستحدثة في الأدب العربي كمفهوم فني لا يتجاوز عمره قرناً من الزمن.

مضامين الرواية

ثم انتقل غنيم إلى تاريخ الرواية وتأثرها بقوانين الرواية الأوروبية منذ القرن التاسع عشر مستشهداً برواية “زينب” عام 1914 لمحمد حسين هيكل الذي بدا تأثره الواضح بالمدرسة الرومانسية في المشاهد التي تصف الطبيعة لينقلها إلى الريف المصري، وبدت على “زينب” ملامح الفتاة الباريسية بسلوكيات الفتاة المتحررة في مجتمع ريفي، لتموت ميتة العشاق كما ماتت بطلة غادة الكاميليا.

نضوج الرواية

وفي سياق حديثه تحدث عن تطور خصائص الرواية من حيث حجم الكلمات، وعن تطور مفاهيم الرواية من خلال رواية سداسية الأيام للمويلحي، وهي على شكل ست لوحات لكل منها موضوع تربط بينها هزيمة حزيران، ليتوصل إلى النزعة التجريبية في مساحة الرواية العربية إلى تغييرات المصطلح في المجتمع العربي التي أدت إلى نضوج الرواية التي بدأت تنطلق من الملامح الريفية إلى المدنية، وتنوعت مضامينها وتصنيفاتها من رواية المغامرات التي تركز على الحدث الأساسي الشخصية، رواية الطابع العام التي تعكس وقائع المجتمع، الرواية التاريخية التي تقوم على أحداث تاريخية مستعرضاً باقة من أسماء الروائيين حنا مينه، غادة السمان، جبران خليل جبران، طه حسين، خيري الذهبي.

الملحمة والرواية

وكما ذكر الأديب نذير جعفر في حديثه حول “الانتقال من المرويات إلى الرواية” فإن فن المرويات وهو ما بقي من الحيز الشفهي ومن الحكايات التي تم تداولها والتي دخلت في المدونات الأدبية، إلى أن انتهت بفن الرواية الذي تطور عن الملحمة ذات الصوت الأحادي في سياق التطور من مرحلة الإقطاعي إلى الرأسمالي إلى الرواية، ووصفها بأنها عمل أوركسترالي متعدد الأصوات، وتابع حديثه عن رأي قسطاكي الحمصي في تحديد السياق الذي نشأت فيه الرواية من خلال مراقبة المؤلف أخلاق البشر ليكتشف الأحداث النفسانية في الجنسين وتدوين ما يرى من اندفاعاتهم، وسبر دواخل الإنسان وتدوين عوالم القاع الشعبي. ليخلص إلى أن الرواية فن حديث وصل إلينا من الغرب من الترجمات التي كانت تنشر في الصحف ومرت بمراحل وسطية من سردية إلى مروية كفنّ في بداية القرن العشرين، وكانت موزعة بين أسلوب المقامات ولغتها الزخرفية والمعلومات الهائلة المتجانسة، وتأثرها بالروايات الغربية المليئة بالغرائب والأوهام والغارقة في العاطفة والخيال، إضافة إلى المغامرات، والملاحظ أيضاً تضمينها الشعر. وفي مسار تطور الرواية تميزت ثلاث روايات مثلت الاتجاه التنويري مثل “غابة الحق” لفرنسيس المرّاش، و”لطائف السمر في سكان الزهرة والقمر” لميخائيل الصقال و”سانحة أدب من ساحة حلب” لمحمد خورشيد أفندي الكردي، وتابع عن التطور باختلاف بناء الشخصية ومشهدية المكان والتوغل في الذات البشرية وتقنيات المنولوج، وإدخال المشهدية السينمائية لتصبح الرواية الآن في زمننا أم الفنون.

التأثير المطلق

وتساءل د. عاطف البطرس في مداخلته “هل الرواية فنّ مستورد” ليطرح عبرها تساؤلاً آخر حول الخلط المفاهيمي في تعريف السرديات، وفي جعل السرد رواية باستخدام التقنيات الروائية التي شكلت هذا الفنّ بعد ما يقارب مئة وخمسين عاماً، وتحدث عن القيمة السردية لألف ليلة وليلة كواحدة من أهم إنجازات المنطقة العربية التي تركت تأثيراً كبيراً في كتّاب أوروبا، ليخلص إلى أن الرواية ملحمة لكل الطبقات ولها التأثير المطلق على المجتمع.
ملده شويكاني