“…. ذي حاجة جبار”
تمارس إيمان ليلى مديرة المركز الثقافي العربي بالميدان حياتها المهنية، متناسية الخصوصية الفيزيولوجية التي فرضت عليها المكوث فوق كرسيها المتحرك لتقدم نموذجاً يستحق التوقف في سياق تحدي الإعاقة التي لم تكن يوماً مانعاً أمام إرادة المواجهة والانتصار على الذات التي أعطت السيدة إيمان قوة صلبة، تحارب فيها “علمياً وعملياً” كل من يراهن على فشل هذه الشريحة في إثبات الوجود ووضع بصمة تستحق الثناء لعدم النكوص والاستكانة للحالة الجسدية واحتياجاتها الخاصة.
في قراءة بصرية ومتابعة استقصائية لأداء كثير من المعوقين في مؤسّسات الحكومة وفي القطاع الخاص، نجد أن معظمهم يثبت نجاحاً ملحوظاً في إنجاز الأعمال في دليل قاطع على أن “كل ذي حاجة جبار”، وليس العكس كما يظن البعض بأن المعوق لا يتعدى عن كونه عبئاً ثقيلاً على العمل في حال شغل وظيفة أو منصب، وهذا ما تظهره مديرة ثقافي الميدان التي تصرّ على المتابعة الميدانية والمشاركة المتواصلة في كل الفعاليات التي يقوم بها المركز، إذ لا تقف الأدراج والسلالم عائقاً أمام جبروت أمثالها ممن يستحقون فرصاً هم منها محرومون، ولهذا تراها تقدم المحاضرات وتساهم في المداخلات، وتنتقل إلى الأروقة الأخرى لتتابع المعارض والندوات والدورات التدريبية وكل ما يحدث في هذه الأماكن والدور!.
أمام مشهد من هذا القبيل، يتقدّم ملف الكوادر والكفاءات من هذه الفئة والأهم إشكالية التعيين والمشاركة في المسابقات واختبارات التوظيف، ولاسيما في القطاعات الحكومية التي تتنوّع وتتعدّد أشكال تعاطيها مع هذا الملف، لتصل الأمور عند بعض الإدارات إلى درجة إغفال المعوقين وعدم إعطائهم فرصاً حدّدها وأوجبها القانون 34 لعام 2004 الذي خصّ هذه الشريحة بنسبة 4% من الملاكات ومسابقات التعيين، في الوقت الذي تتشدّد الحكومة دائماً في موضوع النسب المخصّصة والاشتراطات التي يجب أن تكون محدّدة بدقة لعدم اختراق هذا البند عند من يتلاعبون بالأوراق والثبوتيات التي تجعل الكثير من المعافين والسليمين جسدياً ونفسياً وعقلياً من ذوي الاحتياجات طمعاً بالحصول على فرصة ليست من حقهم؟!.
آخر الإجراءات الرسمية المفروضة فرضت تأهيلاً علمياً وعملياً وشهادة تعليم والخضوع لدورات تأهيلية تمكن المعوق من رفع مستوى قدراته على الأداء، في وقت تعد وزيرة الشؤون الاجتماعية بإعادة النظر بالقوانين المتعلقة بالإعاقة وتهيئة البيئة التشريعية اللازمة تزامناً مع تراجع التزام الجهات بنسبة الـ4% في ظل عدم وجود إحصائيات دقيقة عن الذين مازالوا بانتظار فرصة، وهم كثر، في حين تسجل بعض المرجعيات أرقاماً تصل للآلاف من الذين شملهم التعيين.
مختصر الكلام.. للمعوقين حق يجب ألا يضيع وإدماجهم في صناعة القرار وصياغة الأعمال ودوائر الإنتاج والإدارة واجب حكومي ومجتمعي، ففيهم من يستحق لقب رفيع المستوى لإبداعاته التي لا تقف عند الكفاف والشلل النصفي وخسارة طرف وغيرها من جوانب الإعاقة المعروفة، سيما وأن عدد هؤلاء بات في ازدياد على خلفية الحرب على سورية والإرهاب المنظَّم الذي تم تصديره إلينا من كل حدب وصوب .
علي بلال قاسم