أية لغة تحكيها الألوان؟ إبداعات متميِّزة للفن التشكيلي في حمص
أقامت نقابة الفنانين التشكيليين في مدينة حمص معرضاً تشكيلياً ضمن أعمال متنوِّعة من الرسم والنحت والتصوير الضوئي بتقنيات مختلفة ومدارس عدة، وذلك في جامعة البعث كلية الهندسة المدنيَّة.
ـ لوحة صامتة، ولكنَّها تحكي ما لديها من أساطير وشّت بها غزارة الألوان وتفاصيل حركات الريشة المميَّزة، أتقن فيها الفنان التشكيلي (رزق الله حلاق) اللعب على سطح العمل الفني من خلال تضافر عدَّة عناصر طبيعيَّة في تشكيل هذا العمل المميَّز؛ فوجه المرأة بعينها المغلقة وفمها المطبق ماهو إلا حالة يدخل من خلالها المرء في عالم التفكير الذي امتدَّ عابراً شعرها ليصل إلى أذن الجرَّة في الطرف الآخر من العمل الفني، مروراً بأذن المرأة التي شُغلت على شكل أذن (دست) والتفاحة المقضومة لتكونا الحامل الأساسي لموضوع سبر أغوار ذاك العمل الفني.
واللافت في أعمال الفنان التشكيلي (عبد الله النقري) لقطة للتصوير الضوئي التي أُخذت لطفل وهو نائم، وفق تناظر ضوئي يعكسه الزجاج، وهنا تكمن جمالية اللوحة، وخاصة أنها لم تخضع إلى تقنيات العمل البرمجي المعروفة، بل اعتمد الفنان على الضوء الطبيعي في إظهار الظل والنور.
وكان الجندي العربي السوري محوراً لموضوع لوحة نحتيَّة نافرة مشغولة بالحفر على الجبس، معتّقة باللونين الأسود والذهبي، تبرز عنفوان الجندي بنظرته الثاقبة وتمسكه بالبندقيَّة، فتبدو اللوحة رمزاً هاماً لما قدَّمه رجال الجيش العربي السوري من مواقف وطنيَّة مميَّزة.
وكم هي مثيرة تلك اللوحات الفنيَّة التي تحمل طابع الريف بلهيب شمسه، ولهاث الحصَّادات، وعرق التعب المتبخِّر عبر الألوان الزيتيَّة المفعمة بالصفرة المتماهية عبر البياض، هذا الجو حملتنا إليه لوحة للفنان التشكيلي (حسين أسعد) لتبرز العبء الكبير الذي يقع على عاتق المرأة الريفيَّة الشرقيَّة من خلال ربط المرأة بالأرض.
وعلى نبع الماء المتدفِّق من الينبوع من خلال شخصيَّة تجلس على مرتفع عال في لوحة سرياليَّة مفعمة بشفافيَّة الألوان، هذا المشهد حملنا إليه الفنان التشكيلي (يوسف محمَّد) ليضعنا أمام حالة من فوضى الحواس تتآلف لحظة التقاء اللون الأصفر مع بهاء بياض المياه والاتجاه نحو قوَّة التدفُّق وشدَّة التأمل.
أيضاً لرسم الخيول متعة واضحة يعيشها الفنان التشكيلي (حسن صاطو) من خلال عدَّة أعمال فنيَّة تتمثل التصوير الواقعي للخيول العربيَّة الأصيلة، مستخدماً اللون الجوزي فقط بتدرجاته المختلفة، بما تحمله الألوان المائيَّة من شفافية ورقَّة.
وتمثل الفن التجريدي لدى الفنان التشكيلي (أحمد الصوفي) في عدَّة لوحات تحمل طابع الغموض، معتمداً على تأثير اللون في الحس كما الموسيقى عندما تثير الأحاسيس، فتداخلت الألوان المبهجة لديه حتى تماهت في دورانها الخفي في النفس، تاركة أمام الخيال حالة لونيَّة قزحيَّة تومض باستمرار.
كذلك تتجلَّى الروح التعبيرية في لوحة الفنان (عبد الله خان) وفق حركات بسيطة لمجموعة من الأشخاص دون الغوص في التفاصيل الأساسيَّة للوجود والأجساد، هذا ما يعطي حريَّة للخيال في تكوين ملامح الشخصيات كل حسب هواه، وهذا ما يذكِّرنا بنهايات القصص المفتوحة التي لا توجد لها خواتم بل تُترك للقارئ حريَّة التفكير في الخاتمة المفترضة.
وإن الغوص في متاهة اللون البنفسجي، وفق تراسل الظل والنور لوجوه متعددة، يحمل طابع التأمل والتفكير، هذا الجانب جسَّده الفنان التشكيلي (إميل فرحة) ظهرت الشخصيات من خلاله تحكي بصمت حزين قصصاً غامضة موحية.
من هنا وانطلاقاً من هذا المعرض لا بدَّ لنا من أن نوصل نداء الفنانين التشكيليين ورغبتهم الملحَّة لإقامة معرض فني تشكيلي عن حمص القديمة بأقرب وقت ممكن.
سريعة سليم حديد